قف.. إلى الشرق در
ماذا يعني التوجه شرقاً..؟ هل هو توجه اقتصادي.. أم سياسي.. أم كلاهما!؟ ما هي مفرادته وآلياته.. ونتائجه..؟
وأخيراً ما هي آفاق تحقيقه..
أثارت قضية التوجه شرقاً.. وبداية تنفيذها مواقف متعددة لدى النظام والمعارضة.. وحتى في الوسط الشعبي..
قبل الإجابة عن الأسئلة.. نوضح أن التوجه شرقاً له جذوره السابقة.. التي قطعت أو كادت تنقطع نتيجة الانفتاح الاقتصادي والسياسات الليبرالية التي حاولت قوى الفساد.. ترسيخها.. بعد سيادة القطب الواحد.. وإنهيار الاتحاد السوفياتي والآن بعد قرب انتهاء هيمنة القطب الإمبريالي الصهيوني.. وبروز روسيا والصين ومجموعة البريكس.. برزت فكرة العودة إلى التوجه شرقاً.. كما أن الأزمة التي تعاني منها سورية فرضت بالضرورة هذا التوجه.. للخروج الآمن منها.. وسيزداد هذا التوجه ليشمل بقية دول الشرق الأخرى...
وللتذكير أننا في حزب الإرادة الشعبية طرحنا سابقاً ومازلنا.. اتحاد شعوب الشرق العظيم لمواجهة محاولة الإمبريالية وحلفائها للهيمنة على المنطقة..
وقد فتح باب التوجه هذا مع الفيتو الروسي الصيني الأول.. وأول خطوة كانت زيارة وفد الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير إلى موسكو.. وقد سبق أن تناولت قاسيون مسألة التوجه شرقاً.. وتجسد ذلك في الزيارات اللاحقة وجرى الحديث عنه من النائب الاقتصادي د.قدري جميل.. والمعارض في الحكومة... من خلال هذه المقدمة.. يتبين أن التوجه شرقاً ليس اقتصادياً فقط.. وإنما هو سياسي أيضاً لذا نلاحظ التباين في المواقف منه لاعتبارات سياسية واقتصادية.
فمن دعا إليه وأيده بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح.. لبناء اقتصاد سورية الجديدة مستقبلاً.. كما أنه سيكون عاملاً اساسياً للخروج من الأزمة ومواجهة الحصار الغربي وتخفيف معاناة المواطنين الاقتصادية الاجتماعية.. وأيضاً سيكون عاملاً مهماً في استقلالية القرار السياسي ومقاومة المشاريع الإمبريالية التي تستهدف المنطقة عموماً وسورية خصوصاً.. كما يفتح الآفاق للتحول من الممانعة والمقاومة إلى تحرير الأراضي المحتلة وعلى راسها فلسطين والجولان وهذا الموقف يلقى التأييد لدى القوى الوطنية والشريفة في النظام والمعارضة والشعب.
أما مع يعارض فهو ينطلق من مصالحه الضيقة وعلاقته مع الغرب سواء من قوى النهب والقمع والفساد في النظام أو في القوى التي تدعي أنها معارضة.
فالقوى الفاسدة التي استفادت سابقاً ومازالت.. لا تعارض فقط وإنما تسعى لعرقلة هذا التوجه.. وقوى المعارضة المرتبطة بالغرب تحاول تشويهه وحصره بالتوجه السياسي البراغماتي.. أو بالتوجه المكاني الديني الطائفي.. اي التوجه نحو إيران فقط لحرف الصراع عن جوهره الطبقي الاقتصادي الاجتماعي.. ونذكر البعض ألم يكن الشاه قبل الثورة شرطياً وبعبعاً للمنطقة؟
وهناك في الوسط الشعبي والحركة الشعبية من تبلبلت أفكاره وهذا ناتج عن جهل بمفراداته وابعاده المستقبلية... ونتيجة قصورٍ معرفي في الفكر والرؤية.. قف إلى الشرق در..
الغرب للشرق عدو مبين.. والنزعة الشرقية المعادية للغرب ليست جدية واسبابها قديمة بدءاً من الاستعمار الأوروبي الحديث وإنشاء الدولة الصهيونية وحمايتها وتهجير الفلسطينين والذي يتناساه البعض عن عمد.. إلى غزو العراق والصومال.. تاريخ من الإجرام بحق شعوب الشرق وإذا أردنا فقط التذكير.. فلنذكر كم من الفيتوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية استخدمت لمصلحة العدو الصهيوني.. ناهيك عن النهب الثروات والعلاقات الاقتصادية اللامتكافئة حيث تصل سالباً إلى أكثر من %90 وأحياناً كثيرة تصل إلى %100.
بينما إذا عدنا أيضاً إلى التاريخ القريب منذ الخمسينيات مذ تأميم قناة السويس والانذار السوفياتي وتسليح سورية ومصر والعراق ووقوفه إلى جانبنا في عدوان 1967 وفي حرب 1973... والدعم السياسي والاقتصادي حيث كانت العلاقات لا متكافئة أيضاً.. إنما لمصلحة شعوبنا ناهيك أيضاً عن عشرات الآلاف من الكوادر التي درست وتدربت وحتى تزوجت.. لاشك أن هذا الإرث سيبقى له أثره الإيجابي على مستقبل العلاقات..
إن من يدرك أن نظام القطبية الواحد والهيمنة الإمبريالية قد أوشك على الانتهاء وبروز نظام عالمي جديد يقوم على التعددية يستطيع أن يحدد توجهه المؤيد بسهولة من أجل مصلحة الشعب والوطن.. ومن يعارض مؤكد هو مع بقاء الهيمنة والمشاريع الإمبريالية والصهيونية وضد مصلحة الشعب والوطن وإن آفاق تحقيق هذا التوجه مفتوحة نحو التطور.. فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالغرب باتت تفعل فعلها على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كافة..
وقد بدأت الخطوات العملية في العلاقة السورية الروسية سواء الاقتصادية من حيث فتح الحسابات المصرفية المتبادلة إلى البرامج والاتفاقيات لتطوير وسائل النقل البرية والبحرية والجوية وتطوير الصناعات إلى المواقف الحاسمة والحازمة اتجاه منع تفتيت سورية دولةً وشعباً ومنع التدخل المباشر العسكري.. والتأكيد على أن التغيير هو بيد الشعب السوري.
والشعب السوري قادر على مواجهة التحديات بما لديه من إمكانات وإرث تاريخي.