الحكومة الانتقالية.. فشلٌ آخر

الحكومة الانتقالية.. فشلٌ آخر

تناول اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عُقد في الدوحة مؤخراً، تطورات الوضع في سورية، خاصة بعد الانفجار الذي وقع في مبنى الأمن القومي بدمشق وأسفر عن مقتل بعض القادة العسكريين والأمنيين فيها، وخلُص الاجتماع إلى عدة بنود أهمها تأمين ممر آمن للرئيس وعائلته مقابل تسليم السلطة وتشكيل حكومة انتقالية ..

يمكن قراءة هذا الحدث ونتائجه سياسياً من خلال المنطق الذي يحكم من أعدّ له وشارك به من جهة، والأهداف الحقيقية التي ترمي إليها البنود المذكورة من جهة أخرى..

إن نظرة متأنية وعلى نتائج الاجتماع وقراراته، تطرح السؤال التالي: هل كان نقل السلطة السياسية وتسليمها من يد إلى يد هو السقف الأعلى الذي أرادته الحركة الشعبية لمطالبها المحقة فعلاً؟ هل هذا ما دفع السوريون دماءهم  ثمناً له؟ وهل يجسد فعلاً حقيقة التغيير المطلوب في سورية؟ وهل يمثل التشكيل الحكومي الذي سربته وسائل الإعلام حلاً ومخرجاً آمناً للازمة التي تعيشها البلاد؟؟ 

للإجابة على هذه الأسئلة يجب التغاضي أولاً عن كون الاجتماع بحد ذاته تدخلاً في الشؤون الداخلية لسورية، واعتداء على سيادتها الوطنية، ولا بد من لعب دور محامي الشيطان ثانياً والذهاب بتحليل نتائجه إلى اقصاها..

فابتداء من تسمية التشكيل المقترح بـ«حكومة انتقالية» والتغاضي عن حكومة الوحدة الوطنية، والتي كان من شأنها حقن دماء السوريين على أساس مصالحة شاملة، واستعداد من أطلقوا هذا التشكيل، حسب مابثته وسائل الإعلام، على وضع أسماء شخصيات من المحسوبين على النظام فيه، مما يعني أيضاً استعدادهم أن يغفروا لكل من اتهموه سابقاً «بسفك الدماء السورية وأنه مجرم» وأعاقوا الحوار والحل السياسي تحت هذه الحجة، وجلب شخصيات من النظام والمعارضة وجعلهم يجلسون مع بعضهم البعض فقط لما يؤمن نقل وتسليم السلطة، وبالتالي طمس وإلغاء أية إمكانية حقيقية للتغيير الفعلي، وحقيقة الأمر كان الهدف الحقيقي لهذا التشكيل المقترح، جس نبض الشارع السوري وقواه المختلفة، ومعرفة ردود الأفعال المختلفة على هذه الشخصيات ومعرفة شعبيتها ووزنها الاجتماعي في الداخل السوري، ومدى قبول المعارضة الشعبية لها، من خلال وشاح الديمقراطية الذي يجمع أعداء الأمس على مائدة واحدة اليوم يتقاسمون فيها السلطة ويتحاصصون.. يقرعون الكؤوس ويشربون الأنخاب على شرف دماء السوريين غير آبهين لما يريده هؤلاء، مؤكدين على أن بعض القوى في النظام وبعض القوى في المعارضة مستعدة من أجل إرضاء الأجندات التابعة لها إجراء بعض التغييرات في التكتيك والتحالف مع بعضها مقابل بقائهم في السلطة، وهوعمليا ليس تغييرا للنظام إنما نقل السلطة من يد الى أخرى أو بمعنى آخر تغيير للطربوش. وقد أحبط هذا المشروع المعارضة الشعبية العامة ولكنه لم يتمكن من إيهامها، ولذلك رفضت هذا التشكيل الحكومي واعتبرته التفافاً ومساومة على مطالبها واعتبرت اقتراح تشكيل الحكومة، وغيره عمليا هو تخلٍّ عن التغيير الذي تريده مقابل نقل السلطة من يد الى يد بما لا يخدم مصالحها، واعتبرته ترجمة سياسية لتواطؤ بعض قوى المعارضة المرتبطة بالخارج والمرتهنة لأجنداته مع بعض قوى النظام من أجل المساومة على مجموعة من القضايا التي ترضي الغرب والأمريكان للتخلي عن مبادئ وأولويات سورية الخارجية مقابل بقائهم في السلطة وإجراء تغييرات شكلية في سبيل إرضاء الداخل وإسكاته عبرمحاولة تمرير التحالف مابين قوى الفساد في المعارضة والنظام، هذاوكان الهدف من التواطؤ الذي جرى معرفة إمكانية وقدرة التغيير الشكلي على تنفيس قوى الشعب الهادرة، والتخلي فعلياً وعمليا عن تحقيق مطالب الناس وحاجاتهم الملحة باجراءات شكلية فيها تنازل عن الحقوق..

 بينما المطلوب شعبياً ووطنيا اجراء تغيير اقتصادي اجتماعي سياسي شامل ونوعي وجذري تشارك فيه جميع القوى النظيفة بالنظام والمعارضة، بما يضمن إحداث التغييرات الحقيقية، ولقد أثبتت الحركة الشعبية من خلال كشفها المبكر لكل الأشكال التي يبتدعها جهابذة المعارضة والموالاة لإحباط التغيير الحقيقي وإفراغه من محتواه، أثبتت وعيها وقدرتها على المبادرة، وابتداع الحلول في المقابل..