هل يحمي الجيش الحر المدنيين أم يتلطى خلفهم؟؟
عمد عرابو التسلح في إطار تنظيرهم لهذه الظاهرة إلى الإدعاء بأنها نشأت حمايةً للمدنيين وللمظاهرات السلمية، وامتثل الكثير من المسلحين العفويين لهذا المنطق وعملوا صادقين دون تلك الغاية، غير مدركين أنهم بذلك فقدوا ورقة الضغط الحقيقية، ورقة السلمية، وأنهم تحولوا إلى أدوات مجبرة على تنفيذ هذه الأجندة أو تلك، وبفضل هؤلاء اقتنعت أوساط واسعة من المعارضة الشعبية بهذه الحدود الوهمية بين المظاهرة «السلمية» وبين السلاح الذي «يحميها»..
كانت النتيجة الأولى هي تلاشي التظاهر وحلول العروض العسكرية لما يسمى بـ«الجيش الحر» بدلا عنها، مع ذلك ظلت الكثير من الأوساط المعارضة مؤمنة بحكم العطالة بأن هذا الجيش هو حماية لها مقابل آلة القمع النظامي، أما النتيجة الثانية فكانت انتقال الجيش الحر من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم أو ما سمي حرب «التحرير» من سيطرة الدولة، وما يستتبع ذلك من تنقل قواه من منطقة إلى أخرى، جالباً معه دمار الاشتباكات المسلحة العنيفة مع الجيش النظامي، هذا غير التفجيرات والخطف والتصفيات الطائفية..ألخ، والفصل الأخير كان معركتي دمشق ثم حلب، وهنا بالضبط بدأ يعود المزاج المعادي للتسلح بعد أن خبر الناس نتائجه الكارثية وفساد حملة السلاح..
معركة دمشق أولا، والبشرى للناس هذه المرة هي سقوط النظام، ولكن مقابل تحويل بيوتهم وشوارعهم إلى ساحات معارك، ومن لم يستجب يتم تخويفه من الميليشيات الطائفية الموالية للنظام التي سترتكب مذابح بمن سيبقى في بيته، ومن لم يستجب أيضا عليه أن يتحمل تبعة بقائه بتحوله إلى ضحية لرصاصة مجهولة طائشة، ثم يأتي عرض سريع في حي التضامن بناءً على كل التخوفات أعلاه، على كل عائلة تريد الحفاظ على أثاث بيتها أن تدفع 50000 ليرة سورية تأمين مقابل الحفاظ على الأثاث، وهي عملياً إتاوات لحماة المدنيين مقابل أخلاقهم السامية، ثم بدأت المعركة وبدأت الانسحابات «التكتيكية» للجيش الحر بعد دمار كبير في الأحياء التي مر عليها شبح السلاح، وتغير القرار لأن حلب،العاصمة المالية، أهم من دمشق، ثم بدأت معركة حلب، ومعركة حلب التي لم تنته بعد كانت بنكهة سحل «العواينية والشبيحة»، وهو أحد أشكال التصعيد «الثوري» للجيش الحر، هذا غير الإرهاصات التي نسخت عن معركة دمشق، ليسفر السلاح عن وجهه الحقيقي، وبشكل مباشر هذه المرة..
نسبت تلك الممارسات في وقت سابق إلى النظام واليوم تمارسها معارضة النظام المسلحة وبالشناعة نفسها، الأمر الذي يعود إلى البنية والمنشأ الواحد لكليهما، وانتمائهما إلى الفضاء السياسي القديم، الذي عجز عن تمثيل قوى المجتمع تمثيلا حقيقياً، حيث يلجأ الطرفان إلى العنف لحل ما عجزوا عن حله سياسياً، وهو أمر بدأت الجماهير بتلمسه، مما يدفعها لكي تدفع بالبديل من رحم حراكها الشعبي، هذا الوقت الذي لن يطول كثيراً .