عن الحزب الهرمي.. تعليق على النقاش حول موضوعات هيئة وحدة الشيوعيين السوريين
يجب القول أولاً، إن هناك تعارض ما بين فكرة توحيد الشيوعيين السوريين من أسفل وبين المفاهيم التنظيمية التي اعتاد عليها الشيوعيون السوريون في الممارسة الفعلية في العقود الماضية، بما في ذلك بعض الأفكار التي وردت في المناقشات المختلفة للموضوعات، والتي تعبر عن حقيقة تفتح وعينا عليها، وهي أن التنظيم الشيوعي يقاد ويدار من الأعلى إلى الأسفل. أبعد من ذلك فإن فكرة الاشتراكية نفسها طرحت نظرياً على أنها انعتاق الجماهير بواسطة نضالها هي بالذات، أي أنها يفترض أن تبنى من الأسفل لصالح الناس الذين هم في أسفل الهرم الاجتماعي والطبقي، ولكنها مورست عمليا على أنها مجموعة مراسيم وممارسات إدارية تضع ملكية وسائل الإنتاج والسلطة بيد قيادة محترفة للتنظيم الثوري. ولقن الشيوعيون في القاعدة عدة مسلمات، منها أن أغلبية اللجنة المركزية أو
المكتب السياسي على حق، أو أن الأمين العام على حق.. إلى غير ذلك من المسلمات التي بنيت عليها فعلياً الانشقاقات التاريخية في الحزب.
تقول الموضوعات إن هناك آفاقاً جدية للنهوض، وهذا صحيح، لكن أوقات النهوض الجماهيري تتميز بصعود في أساليب تنظيم الجماهير الذاتية، وإن إنجازات هذا النهوض هو في الواقع من فعل الجماهير نفسها، وليست نتيجة قرارات من قيادات ثورية ما. كان هذا صحيحاً بالنسبة لكومونة باريس وثورة شباط 1917، حتى ثورة أكتوبر لم يكن من الممكن أن يفكر بها أحد أو أن تنجح دون مبادرة الجماهير وتصاعد نضالها الذاتي وكفاحيتها. هذا لا يعني أنه لا توجد حاجة للشيوعيين، على العكس تماماً، لكن يجب أن نعيد التفكير ملياً فيما إذا كان دور الشيوعيين المطلوب تاريخياً هو توفير قيادة لتراتبية هرمية تكون الجماهير من جديد في أسفل ذلك الهرم. بل أكثر من ذلك، إن هذه الثقافة الفوقية التي تنتصر لرأس الهرم الاجتماعي أو السياسي أو التنظيمي.. الخ، للنخبة، الأقلية، على حساب الأكثرية، القاعدة، ليست حكراً على المنظمات اليسارية، بل إنها جوهر خطاب أية سلطة تعبر عن الطبقات السائدة. إن سلطة الطبقة السائدة في حد ذاتها تجسيد لهذا الانتصار على الجماهير واستلابها، وهي تؤدي إلى النتيجة نفسها في كل أشكالها، وهي أن تختزل كل القضايا الأساسية إلى مجرد اختيار بين أقسام تلك النخبة أو الأقلية أو القيادة، يقوم على خطاب مدائحي وإقصائي، ليس فقط تجاه المعارضين أو المنافسين المباشرين، بل لروح النقد ذاتها من ممارسة وحتى وعي الشيوعيين أو الجماهير في القواعد. ناهيك عن أن يلعب هؤلاء أي دور ما في تقرير مصيرهم هم بالذات، القيادة، أو من هم في الأعلى وحدهم من يملك هذا الحق.
بالنسبة للحزب الشيوعي السوري يقوم هذا التمايز بين القيادات التاريخية والراهنة على شكل استعراضي أجوف لما يمكن تسميته ممارسة سياسية. لقد توقفت هذه القيادات عن ممارسة السياسة جدياً منذ وقت ليس بالقصير، رغم أن بعضهم قد احتفظ بفضيلة الإصغاء للصوت الآخر، أو حتى إتاحة المجال له في جريدته.
إن إلقاء الخطب، أيا تكن، في مجالس الهيئات التمثيلية القائمة أو مؤتمرات المنظمات المهنية مثلاً بوضعها البيروقراطي الحالي، ليس ممارسة للسياسة..
باختصار، إذا أراد الشيوعيون السوريون استعادة ثقة الجماهير عموماً، فعليهم أن يكونوا إلى جانبها في معاناتها اليومية ونضالاتها المطلبية اليومية للدفاع عن حقوقها وتحسين ظروف حياتها..