وحدة الشيوعيين السوريين.. السهل الممتنع
لا شك أن قارئ مشروع الموضوعات البرنامجية المقدم إلى الاجتماع الوطني التاسع يحتاج إلى الكثير من التأني والقراءة العميقة قبل التعليق عليه أو إبداء رأيه في أحد مناحيه أو جوانبه، فبالرغم من أن هذا المشروع أتى مضغوطاً ومكثفاً إلا أنه توخي الدقة في التعابير والمصطلحات الواردة بصورة تصعب الإضافة فيه أو عليه، كونه نتاج عمل مئات الكادرات الحزبية الذين ساهموا برفده بأفكارهم وملاحظاتهم عبر العديد من الندوات الموسعة التي لم تتوقف منذ أن عزمت ثلة من الرفاق على توقيع وإعلان (وثيقة الشرف)، التي وضعت نصب أعينها العمل على بناء ذاك الحزب الشيوعي السوري الموحد الإرادة والعمل للقيام بدوره الوظيفي.
والحقيقة أنه من الطبيعي والضروري النظر إلى وحدة الشيوعيين السوريين بتلك المرونة المبدئية لإيجاد الحلول المبدعة لبناء ذاك الحزب القوي والذكي القادر على القيام بدوره الوظيفي المطلوب.. وهذا ما كان.. ولعل سر نضوج الموضوعات يكمن في هذه النقطة تحديداً.
في هذا الإطار أؤكد أنه ليس عيباً انتقال أعضاء فصائل شيوعية كثيرة ومتباينة بأعداد كبيرة إلى حزب واحد يحمل راية الماركسية اللنينية من أجل تأمين احتياجات الطبقة الكادحة بأسرها، وأرى أنه من الطبيعي أن يكون ذلك ذا إيقاع بالغ السرعة، خاطفاً كالبرق، إذا ما تم مقارنته بفترات الهدوء، كونها تمثل اندماج طبقة بأسرها تحت قيادة واحدة قادرة على حل مشكلة من مشكلات وجودها وإنقاذها من خطر ماحق حسب تعبير العظيم غرامشي.
ولم يعد خافياً على أحد بأن منطقتنا ستبقى على الدريئة الأمريكية والصهيونية وتحت مرمى نيرانها أيضاً، وهذه الاستحقاقات الكبرى لا تقتصر على شعبنا وحده، بل تعني شعوب المنطقة كلها. لكن الغريب الذي يحتاج إلى تحليل جدي وعميق لمعرفة وفضح أسبابه الحقيقية، أنه رغم كل هذه التحديات المصيرية يستمر عدد متناقص من الشيوعيين السوريين بالعمل على طريقة الجماعات والفصائل، وكأن شيئاً من هذه الأخطار الجسيمة غير موجود.
هنا يحضرني السؤال التالي: هل عمل هذه الفصائل يتجاوز عمل المئات من الجمعيات المنتشرة على مساحة الوطن؟
لقد بات كل من الكوادر الشيوعية التي تركت العمل التنظيمي، وكذلك الجماهير، على يقين أن الأعمال والنشاطات النوعية لهذه الجماعات والفصائل إن وجدت، فهي متواضعة ولا تخرج عن نطاق الدعاية والنشاط الصوري الخالي من أي هدف أو خطة حقيقية ضمن برنامج محدد بآجال.. يقول المفكر انطونيو غرامشي في كراسات السجن: «في لحظة معينة من حياتها التاريخية تنفصل الطبقات الاجتماعية عن أحزابها التقليدية، وبعبارة أخرى لم تعد تلك الأحزاب بشكلها التنظيمي الخاص وبرجالها الذين يكونونها ويمثلونها ويقودونها معترفاً بها من طبقتها – أو أحد أقسام الطبقة- التي تعبر عنها».. فهل يتذكر بعض الشيوعيين المرتاحين للفصائلية والتشرذم ذلك؟.
ولكي لا نتهم بجلد الذات، نقول بأننا - نحن الشيوعيين السوريين - أمام فرصة ذهبية تاريخية باتت متوفرة أمامنا لنقول كلمتنا في التوحيد، وهنا يمكن أن تتفق الفصائل على مبدأ تأسيس مجلس وطني يضم كافة الشيوعيين السوريين، والعمل على التوجه نحو المؤتمر التوحيدي «من تحت لفوق» الذي له كلمة الفصل في اختيار الكوادر الرئيسية بعيداً عن الروح التي سادت خلال العشرات من السنوات الماضية وحتى يومنا هذا.. وأقصد هنا «المحاباة»، فما يحتاجه الشيوعيون السوريون حقاً هو إنهاء هذه الحالة الوراثية في القيادة الحزبية لأنها أصبحت عبئاً على نضالات الشيوعيين، لأن وحدة الشيوعيين السوريين هي مجرد مقدمة نحو وحدة اليسار والقوى الوطنية عموماً، وتاريخياً كان الشيوعيون السوريين هم الذين يمثلون اليسار في سورية، والمستغرب بأن رفاق الأمس باتوا يعتقدون أنهم يستطيعون الانخراط في تحالفات مع قوى متعددة الميول والمشارب ولا يستطيعون التقارب والتوحيد مع رفاقهم الذين ينتمون ويتبنون أيديولوجيتهم الفكرية ذاتها، فأي وجهة نظر عجيبة هذه؟
يبدو أننا أمام قلب مختلق قسرياً للأفكار والحقائق والوقائع الموضوعية التاريخية، حيث أصبح الثابت متغيراً والمتغير أصبح ثابتاً بحكم حركة المصالح ومغريات المرحلة والتكتيكات التي لم تعد تهدف سوى لتحقيق بعض المصالح الضيقة لهذا أو لذاك، والتي لا يمكن أن تساهم في العمل من أجل إنجاز وحدة الشيوعيين السوريين.
ولذلك نستطيع القول بأن وحدة الشيوعيين السوريين التي باتت ضرورة راهنة وفورية يجب أن تتم بأسرع ما يمكن متجاوزة كل العراقيل والمعيقين، من أجل عودة الحزب الشيوعي السوري إلى الشارع والجماهير، وتمثيل الطبقة العاملة وقيادتها للدفاع عن حقوقها ومصالحها، وقطع الطريق أمام القوى الليبرالية، قوى السوق والسوء، التي ما انفكت تعمل بكل طاقتها ونهمها لابتلاع كل ما في طريقها من ثروات وحقوق دون رادع أو وازع.