فرنسا تدخل منعطفاً حاسماً في سورية.. وتتوقع أزمة طويلة: نعي لـ«الائتلاف».. وللمشاورات الأمريكية ـ الروسية

فرنسا تدخل منعطفاً حاسماً في سورية.. وتتوقع أزمة طويلة: نعي لـ«الائتلاف».. وللمشاورات الأمريكية ـ الروسية

وزير الخارجية الفرنسية في مراجعة مفاجئة لتوقعاته السورية. لوران فابيوس، وللمرة الأولى منذ دخوله الكي دورسيه قبل ٨ أشهر، رأى على غير ما درج عليه، أن «الأمور لا تتحرك في سورية، حيث لا نبصر إشارات إيجابية تذهب باتجاه الحلول التي نتمناها. 

إن الأزمة السورية هبطت إلى درجة اهتمام أدنى، بسبب ظهور أزمات أخرى». الوزير الفرنسي، الذي كان يبارك للصحافيين قبل ثلاثة أيام عامهم الجديد، صارح من جاؤوا إلى الكي دورسيه بواقع أن «المشاورات الدولية أيضا حول سورية، لا تشهد تقدما». ويشكل الإعلان «الفابيوسي» خروجا عن النص الدبلوماسي الرسمي المعتاد. الوزير الفرنسي يسلم أن التوقعات بسقوط النظام السوري خلال أسابيع، وبعضها صدر عنه، لم تكن دقيقة. ويمهد في الحديث عن منافسة أزمات أخرى للأزمة السورية، لإعادة نظر في ترتيب الأولويات الدبلوماسية الفرنسية على ضوء الحملة العسكرية الفرنسية في مالي، واحتمالات الغرق في رمالها.

ويكشف لوران فابيوس، ما لم يعد سراً: المشاورات الروسية - الأمريكية حول سورية، لم تصل بعد إلى نقطة التوافق على تسوية ما. وعشية اجتماع تقني لأصدقاء سورية، يلتئم بعد غد الاثنين في باريس، تحيل المراجعة الفابيوسية إلى منعطف دبلوماسي فرنسي، في حساب ما تبقى من عمر النظام السوري. وكذلك تحيل إلى انتكاسة في الرهان على قدرة كتل المعارضة السياسية السورية التي عملت باريس على تشكيلها على إسقاط النظام السوري، والاعتراف بإخفاق «الائتلاف»، بعد المجلس الوطني في التحول إلى كتلة قادرة على قيادة العمل المسلح أو تنظيمه، وتقديم رؤية سياسية جامعة، وعزل الجماعات الإسلامية الجهادية التي تعمل تحت راية «الثورة»، وتأليف حكومة سورية مؤقتة.

وتجهد الدبلوماسية الفرنسية، خلال الأسبوع المقبل، في سبيل مساعدة «الائتلاف» على تجاوز أزمته المالية وخلافاته الداخلية من أجل تأليف الحكومة المؤقتة ودعوة أصدقاء سورية إلى الوفاء بتعهدات بتمويله قطعوها خلال مؤتمرهم الرابع في مراكش الشهر الماضي. وفي السياق، قال مصدر دبلوماسي فرنسي إن «أصدقاء سورية» إنما يلتقون بعد غد الاثنين في باريس «لقرع جرس الإنذار» حول مستقبل «الائتلاف»، بعد أن نكثت بلدان كثيرة بتعهدات مالية كبيرة لم يصل منها الشيء الكثير، كما لطمأنة «الائتلاف»، الذي قد يقلقه كلام فابيوس بالتأكيد على أن العمل سيتواصل معه رغم بروز أزمات دولية أخرى، لا سيما في مالي.

وفي هذا الصدد، يتحدث رئيس «الائتلاف» معاذ الخطيب عن الحاجة إلى أكثر من مليار ونصف المليار دولار للتقدم نحو حكومة مؤقتة، وتفعيل عمل مؤسسات «الائتلاف». ويبدو الرهان على «الائتلاف» والثقة به في أزمة. خلال شهر تراجع عدد المنضوين في «أصدقاء سورية « من ١٠٨ دولة ومنظمة حضروا مراكش، ليتقلص إلى النواة الأصلية للمجموعة و٤٨ دولة ومنظمة ، تجتمع حول وزير الخارجية الفرنسية صبيحة الاثنين، على مستوى الموظفين الكبار والدبلوماسيين لمساءلة من لم يدفعوا المبالغ الكبيرة التي تعهدوا بدفعها.

وتربط الدبلوماسية الفرنسية بين تباطؤ عمل «الائتلاف» وشح مصادر تمويله من «الأصدقاء»، برغم كثرة ما وهبه منهم اعترافا ناجزا به، ممثلا شرعيا للشعب السوري دون غيره من هيئات المعارضة السورية.

وفي معرض تفسير مراوحة «الائتلاف» مكانه منذ أشهر في تنفيذ الأجندة المتفق عليها، شرح دبلوماسي فرنسي قائلاً إنه «لن يتقدم إلا عندما تنفذ الأسرة الدولية تعهداتها وتصبح هذه التعهدات واقعا». وكان التحدي الأساسي أمام «الائتلاف» بعد مراكش يتلخص في ضبط عمليات الإغاثة وتوصيل المساعدات إلى الداخل، لكن ذلك لم يتحقق، وهو ما يعزز مواقع «الإخوان المسلمين» على خريطة الإغاثة، لسيطرتهم الواسعة على تدفق الأموال نحو الداخل، على حساب «الائتلاف» بشكل خاص.

ومع ذلك، ترى الدبلوماسية الفرنسية أن «الائتلاف» لم تكتمل شرعيته بعد. الهيئة التي تجمع ٧٠ عضواً، ثلثهم جاء من المجلس الوطني، ليست هيئة منتخبة «ولكن قيام حكومة مؤقتة، سيجعل منه رأس جسر بين معارضة الخارج والشعب السوري، لاستكمال شرعيته بانتزاع شرعية تمثيل الداخل». وتعارض أطراف داخل «الائتلاف» قيام حكومة مؤقتة، بسبب عدم وجود أرض محررة تستقبلها، وانقسام الأمانة العامة حول أسبقية توفير ميزانية تشغيل المؤسسات الحكومية الثورية، وتوفير الداخل الآمن لاستقبالها، على أي شرط آخر. واعترف دبلوماسي فرنسي بوجود خلافات في الرأي مع الولايات المتحدة حول الحكومة المؤقتة التي تعارضها واشنطن، ويبدو الاعتراض الأميركي وازنا في تحديد مستقبل «الائتلاف»، وعلى مسافة كبيرة من الإيقاع الفرنسي .

لم تتقدم عمليات تشكيل الحكومة المؤقتة، بانتظار أن يتبلور موقف أميركي جديد، حيث تنهي الخارجية الأميركية الجديدة مراجعتها لتجربة التشكيلات المعارضة السورية وأدائها. وبحسب دبلوماسي فرنسي، تعتقد واشنطن أن لا حاجة لحكومة منفى فـ«هي ستكون جسما في فضاء سياسي تنعدم فيه الجاذبية». وبينما يرى الفرنسي أن تشكيل الحكومة المؤقتة سيمنح «الائتلاف» فرصة البرهان أمام السوريين على «قيمته الفائضة، وقدرته على التأثير على الأرض وأنه ليس مجرد جسم سياسي لتمثيل المعارضة فحسب، يرى الأميركيون أن الحكومة المؤقتة تشبه وضع العربة أمام الحصان «.

وتُعدّ قضيّة الحكومة المؤقتة مركزية أيضا في شرعية تقديم السلاح للمعارضة، وتعزيز الأجنحة الديموقراطية والوسطية فيها، ومساعدة المجلس العسكري الموحد في المنافسة مع الجماعات الجهادية على السيطرة على الأرض. ويرى الفرنسيون أن قيام حكومة مؤقتة، يبلور «شريكا دوليا يتمتع بسيادة ويمكن للدول، إذا شاءت، أن تزوده بالسلاح».

وتبدو المعارضة السورية وتسليحها الموعود ضحية جانبية للحرب في مالي، بطريقة غير مباشرة. المعارك ضد الجماعات الجهادية في مالي والتدخل الفرنسي فيها، أعادا خلط الأوراق من قضية تسليح المعارضة السورية، فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أعاد تذكير المعارضة السورية، الأسبوع الماضي، بـ«أننا كنا أول من دعم المجلس الوطني، ومن بعده الائتلاف، ولكن عليه أن يطهر صفوفه من الإرهابيين». وهو أول تصريح من نوعه للرئيس هولاند غداة تدخل القوات الفرنسية في مالي لمواجهة مجموعات لا يمكن تجاهل أن بعضها، لا يبتعد كثيرا في تكوينه وأهدافه، عن مجموعات جهادية سلفية كـ«جبهة النصرة» التي يدعمها ويدافع عنها «الائتلاف» بوصفها جزءاً من «الثورة السورية».

ولم يعد مؤكدا أن تذهب دول الاتحاد الأوروبي إلى رفع حظر الأسلحة عنها، بعد أن مهدت لذلك في كانون الأول الماضي، حيث تمّ تقصير فترة الحظر من سنة إلى ثلاثة أشهر، تنتهي في شباط المقبل. وهو تدبير اتُخذ قبل الحرب المالية، وفي سياق الإعداد لوضع «الائتلاف» في قلب المعارضة العسكرية، بعد توحيد الجبهات السورية الخمس في مجلس عسكري واحد .

من هنا، كشف دبلوماسي فرنسي أنه «لا يوجد، حتى الآن، قرار لدى الأسرة الدولية بتسليح المعارضة السورية أو بتزويدها بتكنولوجيا متقدمة لحمايتها من القصف الجوي والمدفعي. وهناك نقاش داخل الاتحاد الأوروبي ولا يوجد إجماع إيجابي حول هذه المسألة، وهناك إجماع على الاحتراس والتأني، لا سيما أن المجموعات التي تقاتلنا في مالي حصلت على أسلحة استولت عليها من مخازن القذافي. وهذا يعقد السؤال، ولكن ذلك لا يمنع المعارضة السورية من التقدم وتحقيق انتصارات عسكرية كما نرى».

ويشكل إرجاء النظر بتسليح المعارضة السورية وغسل الأوروبيين أيديهم من وعود قُدمت حين تشكيل «الائتلاف» رضوخا لتطورات صعود الجهاديين والجبهة الإسلامية وتشكيلاتها على الأرض على حساب «الائتلاف». كما يشكل تسجيلا لإخفاقه في تحقيق الرهان الفرنسي عليه بعزلهم، فعندما شجع الفرنسيون والأميركيون تشكيله، توقع دبلوماسي فرنسي بارز يشرف على تنسيق العلاقات مع المعارضة السورية على كل مستوياتها أن البنية العسكرية لـ«الائتلاف» ستستقطب ثلثي المخزون القتالي، فيما يستقطب السلفي الجهادي ثلثا يتم عزله بعد إغلاق مصادر التسلح عنه.

لكن المشهد بعد شهرين من الرهان يبدو معكوسا تماماً، لا أثر فيه للسيطرة المرجوة لـ«الائتلاف»، فيما يسود سباق واضح بين تركيا وقطر والسعودية على تركيب وتفكيك المجموعات المقاتلة وفقاً لمصالحها، وحاجاتها للضغط على النظام السوري. ويقول دبلوماسي فرنسي إن «ما يميز الأرض المسلحة هو تعدد ميكرو المناخات السياسية في سورية. لا يوجد مشهد موحد أو منسجم والسيادة على أجزائه ترتبط بمصادر التمويل والتسليح، ونرى أناساً يغيرون ولاءهم تبعا لتغيير مصادر تسلحهم وتمويلهم، وهذا ما يدفعنا إلى التواضع في التوقعات، لأننا لا نرى إلى أين يتجه الوضع».

كما أن المجلس العسكري الموحد يبدو بعيدا عن أي تنسيق حقيقي للجبهات الخمس التي أقام قيادة لأركانها، دون أن يتمكن فعلا من فرض الانضباط عليها أو الحصول على الأسلحة الموعودة لتشغيلها. أما «النصرة» فنجحت بالخروج من محاولات عزلها، واختراق البيئة العسكرية والمدنية للمعارضة، بعد أن نجحت بضم أكثر الألوية المقاتلة فعالية إلى جبهة إسلامية واسعة. من «ألوية التوحيد» فـ«أحفاد الرسول»، وصحابته، و«أنصار الإسلام»، ثم «صقور الشام» وأحرارها وغرباؤها، كلها في «جهاد ورباط» من أجل دولة إسلامية في سورية.

ولا يبدو أن عمر النظام مرتبط بالمساحة التي بات يقف عليها طالما أنه يسيطر على الأحواض السكانية الرئيسة في حمص ودمشق، وجزء من حلب والجنوب. المؤكد أن جزءا واسعا من الشمال السوري، أضحى تحت سيطرة المعارضة المسلحة، غير أن دبلوماسي فرنسي يقدم قراءة تذهب إلى غير ما أشاعه لوران فابيوس من امتداد العمر بالنظام أطول من التوقعات الأولى. ويقول الدبلوماسي إن «تمكن النظام مزيف، فالجيش السوري يفقد يومياً قدرته على التدخل، ومشهد الهدوء سطحي، ولكن تآكل النظام يستمر، من دون أن يسلك خطاً متصاعداً. وهو لم يعد يسيطر على أكثر من ٣٠ في المئة من سورية، ويتركز وجوده على ٣ عقد استراتيجية تذهب من درعا فدمشق فحمص. دير الزور هي بحكم الساقطة بيد المعارضة، باستثناء ثكنة للجيش يتم تموينها جوا، وعندما تسقط ستصبح المناطق المحيطة بالفرات كلها بيد المعارضة. أما حلب فما يسيطر عليه الجيش منها لا يتعدى الثلث من المدينة، وهو في وضع صعب جداً». ويبدو السجال حول احتمال استخدام الجيش السوري أسلحة كيميائية في عملياته العسكرية محسوما. وبحسب الدبلوماسي الفرنسي، فإنه بعد التحقيق في الاتهامات تبين أن لا أساس لها، وأن الجيش السوري لا يزال يسيطر على مخازن هذه الأسلحة، بضمانة روسيا، التي تعتبر استخدامها خطاً أحمر.

عن «السفير»