الفساد الكبير منبع الموارد..
رانية الشيخ علي رانية الشيخ علي

الفساد الكبير منبع الموارد..

يكثر ترداد حجة نقص الموارد لدى الحكومات السورية المتتالية، الحجة التي استخدمت مراراً كذريعة لتبرير رفع الأسعار وصولاً إلى رفع الدعم عن المواد الاستراتيجية.

ونكرر في هذا الإطار أن النسبة التقديرية لحصة الفساد الكبير من الإنتاج الوطني تتراوح بين (30 - 40 %)، ونكرر دائماً تأكيدنا بأنها أحد أهم موارد النموذج الاقتصادي الجديد والمطلوب كضرورة اليوم..

وفي هذا التكرار رد على كثير من الاتجاهات السياسية ذات المصالح الاقتصادية وكل ما تملكه من أدوات بشرية ناطقة بلسانها «حكوميين، أكاديميين، صحفيين» وجميع أنواع الموظفين لخلق الذرائع وتكرارها،  والتي تتناول الفساد من أوسع أبوابه فتدمجه بمقولات عامة مع الفساد الصغير لتقول مثلاً: «من أصغر موظف لأكبر موظف»، أو لتعتبره أمراً واقعاً: «الفساد ظاهرة طبيعية موجودة في كل البلدان..»، أو «الطمع طبع بشري».. وقد تسخّف الأقوال لتصل إلى: « الفساد مشكلة أخلاقية، والمطلوب الرجوع إلى التربية المدرسية القويمة..»!

كل هذه الأقوال قد تصح بنسبة ما، ولكنها لا تصح مطلقاً عندما يعالج موضوع الفساد باعتباره أداة منظمة كيفت بنى وأدوات خلال عقود عديدة لتقوم بالنهب المنظم، ولتسير بخط سير تصاعدي، كانت تزداد معه قوة وهيمنة فتزيد من منابع الموارد، وتتوسع لتولد ثغرات في جميع القطاعات، وتربط المزيد من الشرائح الاجتماعية بها، حتى وصلت إلى توليد منظومة عمل متكاملة أدت إلى نهب جزء كبير من ثروات السوريين أولاً، أما ثانياً وهو الأهم فقد كيفت جهاز الدولة لحد استلابه.. فمع توسع وتطور قوى الفساد في سورية كان جهاز الدولة يزداد مرونة في المواضع التي تخدم قوى الفساد، ويزداد تكلساً وتباطوءاً في المواضع التي تخدم الصالح العام، إلى أن وصلنا إلى مرونة في خصخصة قطاعات ذات موارد عالية وصفات سيادية، مقابل تباطؤ لحد التوقف في إنعاش معامل الدولة التي خدمت السوريين لعقود طويلة.. وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي لا تجد تفسيراً إلا وجود جهات لها من النفوذ ما يمكنها من إعاقة كل خطوة اقتصادية للأمام ...

موارد أخذها الفساد الكبير

يوجد الفساد الكبير في مواضع الإيراد الكبير، ويرتبط بنتيجة النموذج الاقتصادي السابق بجهاز الدولة بشكل لصيق، وحتى العقد الأخير بقيت قوى الفساد تعتمد على موارد هذا الجهاز بشكل أساسي نتيجة دوره السابق المتضخم، أما خلال العقد السابق فقد بدأت بالظهور القوى الاقتصادية التي تسيطر وتحتكر قطاعات هامة خارج جهاز الدولة.. ليبقى النموذجان مستمرين معاً أي الفساد الذي يعتمد على موارد الدولة وقطاعاتها ذات الإيراد الأكبر، او الفساد الكبير الذي حصل على امتيازات بقطاعات مستقلة ينبغي أن تعود تبعيتها في الظرف السوري للدولة دون غيرها..

القطاع النفطي:

تشكل إيرادات النفط جزءاً هاماً من الإيرادات الحكومية، وقد بقيت إيراداته خارج الإعلان وخارج الموازنات الحكومية حتى وقت قريب، تحصل الشركات الأجنبية على إيراد يماثل الإيراد الحكومي تقريباً حيث أنها تمتلك نسبة تتراوح بين (%49 و %50) من النفط الخام المستخرج.

إن غياب الشفافية عن إيرادات النفط سابقاً تعطي مجالاً للكثير من الشكوك حول الاستلاب المباشر من عائدات النفط، ولكن مع غياب الدلائل سنتجه للبحث في الفساد الكبير وعلاقته بالجوانب الأخرى الأكثر وضوحاً من القطاع. والمتمثلة بشكل أساسي بالمشتقات النفطية وفي عملية استيرادها وتوزيعها.

فمقارنات حكومية في عام 2012 أتاحت الكشف عن استيراد سنوي لكميات فائضة عن الاستهلاك المحلي للمادة بنسبة تقارب %30، وهي كميات تقوم الدولة بدفع تكاليفها وتقديم الدعم لبيعها محلياً بينما يتم استلامها من قبل شبكات الفساد لبيعها في الدول المجاورة.

وإذا ما اعتبرنا أن هذه النسبة فقط هي حصة الفساد الكبير من «تهريب المازوت» فإنها من حيث الكمية حوالي 2 مليون طن.

وبفرض أن مافيات الفساد تحصل عليها بسعر 15 ل.س لليتر، وتبيعها بالسعر العالمي 60 – 70  ل.س لليتر.أي بإيراد -45 55 ل.س لليتر فإن ايرادها في العام الاستهلاكي: 90 – 110 مليار ل.س. وإذا ما افترضنا أن هذه العملية مكررة منذ عام 2006 فإن الموارد التي راكمها هؤلاء تقدر بـ 630 – 770 مليارل.س خلال سبعة أعوام.

قطاع الاتصالات:

تصل الأرباح السنوية المعلنة لشركتي الاتصال الخليوي في سورية سنوياً حدود 16 مليار ليرة سورية، في حين يبلغ إيرادهما السنوي أكثر من 80 مليار ليرة سورية، وإذ قمنا بحسبة بسيطة على عشرة أعوام مضت، لكان الناتج هو أرباح تزيد عن 150 مليار وإيرادات تزيد عن 600 مليار ليرة سورية..

إن أسوأ ما في الأمر ليس سلب الدولة قطاعاً سيادياً كهذا تحت مسمى الاستثمار والتعاقد، بل التبجح العلني بقرب ترخيص شركة سيريتل لقطع الطريق على عودة ملكيتها للدولة بعد انتهاء عقدها منتصف العام.. وإذا كان مطلب تأميم شركات الاتصال الخليوي ضرورياً في السنوات الماضية، فإنه اليوم ضرورة قصوى في ظروف ضعف الخزينة تحت تأثيرات الأزمة..