أهمية النضال الاقتصادي للجماهير

أهمية النضال الاقتصادي للجماهير

ترتدي مسألة النضال الاقتصادي للجماهير أهمية خاصة في ظل الأزمة المعقّدة التي تعصف بالبلاد، وتأتي صعوبات هذا النضال من خلال كون الأزمة مركّبة، فالجماهير كانت أصلاً قبل الأزمة ولعقود طويلة معتادة على مستوى منخفض للغاية من التحرك دفاعاً عن حقوقها المعيشية وبالحد الأدنى الذي لا يرقى حتى إلى الدرجة العادية من النضال المطلبي غير السياسي الموجود عند الطبقات الشعبية والعاملة في البلدان الرأسمالية في المركز، وفي الوقت الذي لا يمكن أن يوجد للأزمة إلا حلّ سياسي اقتصادي-اجتماعي وطني شامل، يفرض الواقع على الجماهير وتمثيلاتها السياسية مهام صعبة ومتعددة المراحل يبدو أنها أمام تحدي أن تنجزها بما يشبه عملية حرق المراحل، إذ لا يمكن إنضاج نضال سياسي فعال إلا بعد تبلور مضمونه الاقتصادي-الاجتماعي الواعي لمصالحه الطبقية.

إنّ الوعي السياسي للطبقة العاملة كما يقول لينين لا يمكن أن يأتي إلا من خارجها، أي من طليعتها الثورية المثقفة، وهذا هو الدور الملقى على عاتق الحركات السياسية، أما الجماهير فهي تتعلم من خلال تجربتها كيفية النضال المطلبي الجماعي المنظّم على المستوى الاقتصادي، وخاصة في هذه المرحلة من الأزمة، لأنّ التوتر السياسي كنتيجة للأزمات الاقتصادية أدى في سورية وبسبب فشل تعامل السلطات مع الأزمة بالشكل الصحيح إلى إعادة إنتاج أزمة اقتصادية خانقة أكثر شدة، سوف تضطر الناس إلى البحث عن مخارج من ضائقتهم المعيشية، الأمر الذي يفتح الباب أمام نوع أكثر نضجاً من الحراك الشعبي، بمعنى أنه بحكم تجربته سيزداد وعيه الطبقي لمصالحه العميقة ويبدأ بتنظيم نفسه وتصحيح الاصطفافات الخاطئة اليوم والقائمة على أساس ثنائيات وهمية من قبيل (معارض/موالي)، وهذا لا يمكن إلا أن ينعكس على الوعي السياسي للجماهير، بحيث أنها لا بد أن تعيد تقييم جميع القوى السياسية في كل المواقع على أساس برامج وتوجهات تلك القوى من الناحية الاقتصادية-الاجتماعية بالدرجة الأولى، هذا فضلاً عن خروج طلائع من صفوف هذه الجماهير نفسها، ربما لم تدخل في العمل السياسي سابقاً، لتبدأ نشاطاً سياسياً واعياً يمثل مصالحها ويقاطع الأساليب البالية للفضاء السياسي القديم للنظام ومعارضته التقليدية، ويساهم بخلق الفضاء السياسي الجديد الذي سيكون للشعب فيه الثقل الأكبر.

عندما يقال بأنّ الاقتتال الطائفي هو مظهر يخفي صراعاً طبقياً فإنّ أحد جوانب ذلك يكمن في أنّ تسعير هذا الاقتتال يجري خدمة لمصالح طبقة محددة هي البرجوازية الكبرى الفاسدة، ضدّ مصالح الطبقات الشعبية الواسعة الفقيرة والمتوسطة، والتي يكون أبناؤها هم الوقود والحطب لهذه المعركة المهلكة، وهذا نوع خطير من تبديد طاقات الشعب ومقدراته نحو المعركة الخاطئة وذلك لإلهائه عن خوض المعركة الأساسية التي سيؤدي انتصاره فيها إلى تحريره اقتصادياً واستعادة سيادته الوطنية، والتي لا يمكن أن تكون وطنية بالكامل إلا على جبهتين متلازمتين، الحرب على الفساد في الداخل لاجتثاثه واستعادة ما أمكن مما نهبه مع وضع اليد على مصادر ثروته، لتحويلها بشكل نهائي إلى جيوب الشعب، والحرب على الأعداء الخارجيين من أمريكان وصهاينة بصفتهم المباشرة، أو بأدواتهم ومندوبيهم القدماء والجدد القادمون من الغرب بجلباب «الدمقرطة»، حتى وإن أعلنوا استعدادهم للحوار، إذ يجب على الشعب أن يبقى متيقظاً من احتمال جنوح هؤلاء إلى التفاوض مع فاسدي النظام على تحاصص الكعكة المسروقة من الشعب، وإبقائه مسحوقاً بموجب تغيير مزيف تحت مسمى «تداول السلطة» مع الإبقاء عملياً على النظام بجوهره الاقتصادي-الاجتماعي المغيّب للعدالة الاجتماعية، وربما بشروط أسوأ فيما يتعلق بالمسألة الوطنية، والموقف من العدو الصهيوني وقضية تحرير الأرض المحتلة..

إن النضال المطلبي الذي تفرض تطوره في سورية الشروط الموضوعية القائمة من اشتداد في الفقر وفي الفساد في آن واحد، سيشكل قاعدة الانطلاق نحو الاصطفاف السياسي اللاحق، ونحو الفضاء السياسي الجديد.