الافتتاحية: معادلة مستحيلة الحل.. في سورية موحدة
يضيق الخناق أكثر فأكثر على فاسدي النظام من جهة، وعلى متشددي المعارضة من جهة أخرى، وتفرض فكرة الحل السياسي لدى الطرفين المتشددين حالةً من اليقظة المستمرة ضد أي تقدم إيجابي على الأرض.
ولهم كامل الحق في ذلك، فالفكرة مرعبة بالنسبة لمجرمين ما عاد بمقدورهم التراجع..
وإذا كنا قد أشرنا في وقت مضى إلى أن التوازن الدولي الصفري يؤمن ظرفاً ممتازاً لرفع الوزن النسبي للقوى الوطنية الداخلية في معادلة الصراع العامة الدولية والإقليمية والداخلية وفي التغيير المرتقب، وإذا كنا قد أشرنا إلى أن هذا الظرف هو فرصة سورية خاصة لم تتسن لتونس أو مصر أو ليبيا لأن عاملين أساسيين كانا الحاملين الماديين لهذه الفرصة هما: الدور المستجد لمجموعة دول «البريكس» من جهة، ووجود قوىً وطنية معارضة رفضت التدخل الخارجي بقوة إصرارها ذاته على التغيير الجذري العميق لبنية النظام السياسي القائم، فإن المماطلة في الاستفادة من هذا الظرف ستنتج بالضرورة عودة الوزن الأساسي في الحل لقوى الخارج على اختلافها وستنتج تدويلاً للأزمة السورية فوق تدويلها السابق، وهو ما يجري على قدم وساق.
وإن كانت الأمور كذلك، فإن ما ينبغي معرفته بدقة هو طبيعة القوى المماطلة والمعيقة وأنماط تفكيرها وممارستها وأسبابها وغاياتها.. ومما لا شك فيه أن قوى الفساد الكبير في النظام تلعب دوراً مهماً في هذه المماطلة جنباً إلى جنب مع نصفها الآخر المتمثل بالقوى المتطرفة التكفيرية في الطرف الآخر وداعميها من قوى دولية ومن فاسدين وتجار حروب في المجتمع.
إن للأولى –قوى الفساد في النظام- مبررها في المماطلة، فهي ونتيجة لتخلف نمط تفكيرها وأدوات ممارستها، لا تزال تظن أنه من الممكن العودة بسورية إلى ما قبل سنتين. يضاف إلى ذلك أن درجة ولوغها بالدم السوري ودرجة إجرامها، تدفعها للقتال حتى النهاية، وللقتال من أجل القتال إن لم يكن هنالك نصر منتظر، فواقع القتال يؤجل المحاسبة، ويفتح الباب على احتمالات أخرى ربما لا تتضمن المحاسبة..
وبالنسبة للنصف الآخر، أي النصف التكفيري ومن بحكمه، المرتبط عضوياً بالغرب، فإن «الجهاد المستمر» يكاد يكون هدفاً بذاته من حيث هو أداة في توليد مستمر للفوضى الخلاقة، وليس مهماً الوقوف طويلاً عند الأدوات، فمعلمو الفئة الثانية يوظفون تلاميذهم لتحقيق هدف نهائيٍ واضح يمر عبر تفتيت سورية وصولاً إلى سلسلة من عمليات التفتيت الإقليمية ذات الأسس الطائفية والقومية، وأهمية سورية في هذه العملية هي أنها تحتل موقع المفتاح في السلسلة وبانفراطها ينفرط العقد..
وإذا كانت معادلة استمرار النظام السياسي في سورية بشكله السابق معادلة مستحيلة، فإن استمراره بشكل جديد ولكن بالمضمون السابق نفسه، وتحديداً المضمون الاقتصادي- الاجتماعي الذي يتلخص بطريقة توزيع الثروة القائمة، هي معادلة ممكنة حتى الآن، أي أنه من الممكن إعادة توزيع الثروة بين الناهبين في طرفي الصراع، وإبقاء المنهوبين على حالهم، ولكن هذه الإمكانية تشترط اتفاق الفاسدين الكبار في النظام مع التكفيريين ومن بحكمهم على شكل ديمقراطي طائفي يضمن لكل حصته من النهب، فبالرغم مما يظهر من تناقض حاد بين الطرفين إلا أن خطر تحالفهما على أساس اقتسام النهب لا يزال قائماً، فالطرفان يؤمنان بعقيدة واحدة هي عقيدة المال..
يشترك الطرفان المتناقضان شكلياً في أمور عديدة تتفرع عن عقيدة النهب، فهما يشتركان في مفهومهما عن الديمقراطية بوصفها ديمقراطية توافقية، أي طائفية، ويشتركان بأدواتهما التي يشكل العنف أهمها، ويشتركان برؤيتهما الاقتصادية الليبرالية، ولن يتكلفوا عناءً كبيراً للاتفاق على المساومة على ثوابت سورية الوطنية..
إن الشعب السوري وقواه الوطنية اليوم، مطلوب منهم الحذر الشديد من تحالف اللصوص، وعليهم لذلك أن يعزلوهم ويقاوموهم وينتصروا عليهم مجتمعين، أي أن ينتصروا على الفاسدين والتكفيريين بآن معاً، لأن الانتصار على أحدهما دون الآخر لن يحل مسألة إعادة بناء سورية الدولة والوطن بعيداً عن مشاريع الهيمنة والتفتيت، كما أنه لن يؤمن مخرجاً حقيقياً من دوامة الأزمة..