الاقتراض الخارجي.. وهم جديد

الاقتراض الخارجي.. وهم جديد

عندما يعلق مسؤول اقتصادي رفيع المستوى أن سورية تسعى للحصول على تمويل للبنية التحتية من مؤسسات دولية، وتحديداً من البنك الدولي، فهذا تصريح يستحسن الوقوف عنده للتأمل والتمحيص.. فهو في خلفيته يعني أمرين على الأقل:

أولهما: أن التعويل على استثمارات خارجية مرافقة لأصحابها قد تراجع الأمل فيه بناء على نتائج الخطة الخمسية العاشرة، وعلى ما أنتجته الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية، وهو الأمر الذي حذرنا منه باكراً، مؤكدين على ضرورة عدم التعويل على الوعود التي لم يتحقق منها أصلاً إلا الجزء اليسير.

ثانيهما: أن تمويل الخطة الحادية عشرة في مأزق حقيقي نتيجة للسياسات المتبعة التي لا تسعى إلى تعبئة الموارد الداخلية، وإنما تميل باتجاه إيجاد مصادر خارجية...

وهو في نتائجه إذا ما تحقق يعني أمرين أيضاً على الأقل:

أولهما: خروج سورية من دائرة الدول «الخفيفة» الديون، الأمر الذي كان يتم الفخر به، إلى دائرة الدول المتوسطة الديون، والله أعلم لاحقاً.. ولو طمأننا البعض أن نسبة تخديم استدانتنا الحالية لا يزيد عن 10% من الناتج المحلي.. أي أنه يعدنا أن يتجاوز هذا الرقم دون أن يضع سقفاً جديداً، الذي سيرتفع بطبيعة الحال.

ثانيهما: إن أحد عوامل استقرار الوضع السوري كان حتى الآن حجم الاحتياطي السوري من العملات الصعبة، الذي لم يتكون في حقبة الاستدانة من الخارج، بل على العكس.. هذا الاحتياطي سيتم الضغط عليه وتراجعه بطبيعة الحال من خلال زيادة الاقتراض من المؤسسات الدولية من أجل تخديم فوائد وأقساط القروض..

إن كل تجارب البلدان التي سارت على طريق الاستدانة الخارجية لتمويل تطورها الاقتصادي، لم تحقق من هذا التطور شيئاً، بل على العكس، وقعت بعد مضي فترة قصيرة من الزمن تحت ضغط فوائد وأقساط القروض التي أجبرتها تحت الضغوط الخارجية إلى مراجعة وتغيير سياساتها الاقتصادية أولاً، وسياساتها العامة ثانياً.

إن حساباً بسيطاً لحجم القروض المتوقع، وضرورات سداد فوائده وأقساطه سيبين أنه بعد مضي خمس إلى سبع سنوات، ستصبح المشاريع نفسها المقامة بهذه القروض غير قادرة على سداد فوائدها وأقساطها بنفسها.. أي أنها من حيث الجدوى الاقتصادية، ستتحول إلى مشاريع خاسرة.

فهل من الحكمة ومن الضرورة أن تتحول الخطة الثانية عشرة منذ الآن، إلى خطة إنقاذ للخطة الحادية عشرة بسبب مبالغتها في الاستقراض من الخارج، مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر على تطور البلاد اللاحق وأمنها الوطني؟

إن أسئلة كثيرة تتطلب الجواب قبل الإقدام على عمل كهذا، بعيد التأثير، بما يشكله من انعطاف جذري في الاتجاه العام للسياسات السورية...

- هل الاقتراض من الخارج سيؤمن النمو اللاحق المطلوب أم سيكبحه؟؟

- كيف سينعكس تمويل البنية التحتية بقروض خارجية، على دور البنية التحتية لاحقاً وتأثيرها على مجمل الاقتصاد، من خلال الشروط التي ستوضع مسبقاً لتشغيلها تحت شعار ضمان ربحيتها، بما لا يضمن الربحية العامة على مستوى الاقتصاد الوطني بتاتاً، ناهيك عن آثار هذا الارتهان الاقتصادي سياسياً.

- ما هي الضمانة إذا ما بدأ الاقتراض من الخارج ألا يتحول إلى إدمان جديد يحل محل البحث المستمر من المصادر الخارجية عوضاً عن البحث من الموارد الداخلية؟

- هل فقدنا الأمل فعلاً في تأمين الموارد الداخلية المطلوبة للتطور اللاحق؟

إن تحليلاً سريعاً لحجم الاستثمارات المطلوبة للخطة الحادية عشرة يبين التالي:

- الحجم العام المطلوب لكل الخطة 85 مليار دولار..

- أي كل عام من الخطة يتطلب وسطيا 17 مليار دولار..

- وهو رقم لا يتجاوز نسبة 30 % من الناتج الإجمالي اليوم، والذي إذا ازداد، وهو سيزداد بطبيعة الحال، ستنخفض هذه النسبة، أي أن الحجم الأقصى المطلوب بكل الأحوال سنوياً هو 30 % من الناتج الإجمالي.

- دون تعبئة حقيقية للموارد حتى اليوم يتم توظيف نحو 15% من الناتج الإجمالي في الاقتصاد الوطني بشكل دائم، أي أننا بحاجة إلى 15% أخرى فقط، فهل يتطلب الأمر هذه المغامرة والمخاطرة للذهاب بعيداً باتجاه القروض الخارجية، عوضا عن البحث الجدي عن الموارد الداخلية الموجودة حتماً في بنية وثنايا الاقتصاد السوري، وخاصة في الموارد المهدورة في الفساد والتهرب الضريبي والإنفاق الجاري الحكومي المبالغ فيه أحياناً كثيرة.