الجولان مهمة وطنية قائمة حتى التحرير
ما تزال رحى العنف في سورية تطحن موارد البلاد والشعب، سواء ما خلفته من تدميرٍ اقتصادي، وما أزهقته من أرواح بريئة، وما حملته في طياتها من تصدعات نالت من مكانة البلاد السياسية والتاريخية.
في داخلها وخارجها. ويبدو من الغرابة، أن يتحدث أحدهم اليوم عن خطوةٍ كان بإمكانها، فيما لو حصلت، أن تلجم نيران الحرب هذه بحربٍ أخرى عادلةٌ، تجمع ولا تفرق، أكثرُ وضوحاً في جوهرها، لكنها الكفيلة كذلك بأن تفتح جبهاتٍ داخلية تقضُّ مضاجع المزاودين في القضية الوطنية من قوى الفساد في الطرفين.. إنها حربُ تحرير الجولان السوري المحتل، التي أريد لها ألاّ تُستَعر، لأن نيرانها بحاجة إلى وقود، ووقودها هم من أوقدوا حرب اليوم..
أي الحربين أقل خسارةً؟
قبيل إنفجار الأزمة السورية، دعا حزب الإرادة الشعبية (اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين سابقاً) إلى فتح جبهة الجولان، معلناً أن «تحرير الجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة لن يكون إلا بالمقاومة الشاملة، بما فيها الخيار العسكري. لذلك نطالب بوقف جميع أشكال المفاوضات، المباشرة وغير المباشرة، وتعبئة قوى المجتمع استعداداً لتحرير الجولان كاستحقاق وطني بالدرجة الأولى». في الواقع، لم تكن هذه الدعوة عبثية، فلو أردنا مقارنة الأضرار التي كانت لتصيب الدولة السورية، فيما لو نحت هذا المنحى، مع الأضرار التي رافقت الحرب العسكرية الداخلية لوجدنا أن خيار حرب التحرير كان قادراً على تجنيب سورية أضراراً فادحة أصابتها منذ لحظة إنفجار الأزمة..
على صعيد عدد الشهداء: إذا ما أردنا الاستفادة من التجربة الأكثر وضوحاً في هذا الشأن، وهي حرب تموز 2006، بين لبنان والكيان الصهيوني، فقد كانت خسائر الجانب اللبناني ما يقارب 1200 شهيد (إحصاءات الحكومة اللبنانية) خلال 34 يوماً. بينما يتراوح عدد الشهداء السوريين (حسب الاحصاءات والتقارير غير الرسمية) ما بين 50 إلى 60 ألف شهيد في الأزمة الحالية. وعدا عن هذا الفارق الشاسع ما بين الرقمين، تكمن الحقيقة في أنه حتى لو كان عدد الشهداء هذا هو في سبيل تحرير الجولان لكان ذلك ليس عصياً على السوريين، التواقين بمجموعهم لاستعادة الأراضي المغتصبة، ولكان ذلك خطوة باتجاه حل إحدى القضايا العالقة على مدى عقود..
أما على صعيد الأضرار التي عصفت ببنية المجتمع السوري، ففي الأزمة الحالية أخذ الانقسام الوهمي ما بين «موال-معارض» مداه، ما فتح الباب أمام تسعير الاقتتال الطائفي ما بين مكونات المجتمع السوري، أما في حالة الحرب الوطنية، فالانقسام هذا لا بد له أن يتلاشى، ليفسح المجال أمام ثنائية حقيقية ما بين الوطني وغير الوطني، وكانت الحرب لتستثمر طاقات الحركة الشعبية بما هو في مصلحة الوطن. وكان سيناريو الحرب ليشعل المعركة ضد الفساد الكبير الناهب للموارد التي تحتاجها سورية في حربها الوطنية، وهو المستفيد من تأجيل هذه القضية وتسويفها..
حرب التحرير.. من منعها؟
اتخذت سياسة الحكومات السورية السابقة للأزمة من الليبرالية نموذجاً سوّقه الفريق الاقتصادي السابق سيفاً مسلطاً على الشعب السوري، الليبرالية التي تحمل فيما تحمله ارتهاناً لا يمكن إنكاره للغرب الباحث عن ثغرة تمكنه من إضعاف النفوذ السوري في المنطقة، وهنا يكمن الترابط ما بين السياسات الاقتصادية- الاجتماعية والقضية الوطنية، فالدولة المقاومة بحاجة قبل أي شيء إلى اقتصادٍ مقاوم يعزز من موقعها، ويبعدها بالمطلق عن دائرة التبعية والارتهان لسياسات خارجية، وهذا بالضبط ما صمّت الحكومات السابقة آذانها عن سماعه، حين طالبت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين بـ «القطع الكامل مع السياسات الليبرالية والاقتصادية وترحيل رموزها المتمثلة بالدرجة الأولى بالفريق الاقتصادي، ومحاسبتهم على مخالفة الدستور. لأن استمرار تلك السياسات سيكون كارثياً على الاقتصاد الوطني والمجتمع السوري، خصوصاً أن عمليات الخصخصة بدأت تقترب من المرافق السيادية»..
من هنا، فإن العائق الأساسي الذي منع تحرير الجولان السوري المحتل، هو انسجام بنية النظام سياسياً واقتصادياً- اجتماعياً، والتي كانت تابعة بشقها الثاني بحكم علاقاتها الاقتصادية للغرب. هذا ما يحتم علينا اليوم معرفة أي النماذج الاقتصادية نريد أن نبني سورية الجديدة على أساسه، فالتغيير والتحرير قضيتان متلازمتان لا يمكن فصلهما أبداً، والتغيير الحقيقي وحده الكفيل بإنجاز مهمة التحرير التي باتت ملحة على السوريين جميعاً بجميع أطيافهم، وتلاوينهم السياسية.