كيف يزيد النظام وزن «اليمين» في الحلّ..

كيف يزيد النظام وزن «اليمين» في الحلّ..

تجاوزت تطورات الأزمة السورية دولياً ومحلياً مسألة حتمية اقتراب الحلّ السياسي، واستحالة التدخل العسكري المباشر، لينتقل التركيز اليوم على لعبة الزمن وتفاصيل الحل وتكاليفه

أي إلى المستوى السياسي من الصراع القديم نفسه بين أطراف وطنية تريد الانطلاق سريعاً إلى الحلّ الآمن والمستدام والأقل تكلفة بمعنى ترسيخ الضمانات السياسية لبقاء سورية موحدة أرضاً وشعباً وإيقاف استنزاف مواردها البشرية والاقتصادية على المدى القريب، لفتح إمكانية تطويرها اللاحق على المدى البعيد عبر بناء اقتصاد قوي بأعلى نمو وأوسع عدالة اجتماعية مع استعادة كامل السيادة للشعب السوري على جميع أراضيه المحتلة وغير المحتلة.أصحاب هذا المشروع هم اليسار الحقيقي في سورية، في مقابل الأطراف اليمينية في الداخل والخارج ومشروعها في مخرج سياسي تحاصصي طائفي تفتيتي يصنع تغييراً وهمياً واستقراراً هشاً ويحافظ على احتكار طبقة من الناهبين للثروة الوطنية على حساب الأغلبية الشعبية المنهوبة.

اليمين واليسار في الأزمة.

إنّ ما يسبب التشويش حيال هذين المشروعين لدى الوعي الشعبي الاعتيادي، هو توزع أصحاب كل مشروع بين تموضعات مختلفة ظاهرياً، فمكونات اليمين السياسي لها وجودها ضمن النظام والمعارضة وفي جهاز الدولة وداخل المجتمع، متمثلة بقوى الفساد الكبير والقمع، وخارج البلاد أيضاً، متمثلة بمعارضة ائتلاف الدوحة-اسطنبول وبعض المتذبذبين والانتظاريين، ولمعظمهم ارتباطات مباشرة وغير مباشرة مع قطب اليمين العالمي الأعظم، الإمبريالي الصهيوني، كنقيض للقطب اليساري، قطب شعوب العالم والقوى الدولية المناقضة للقطب الإمبريالي.

إنّ مساهمة النظام السوري في التلكؤ بإطلاق الحوار من أجل الحل السياسي بشكل عام يسمح لليمين بإمكانية أن يزداد وزنه وتأثيره في تفاصيل الحل السياسي ووجهته العامة، وهذا الازدياد في وزن اليمين يجري كنتيجة موضوعية لتأخر الحوار من جهة، ولكنه يجري أيضاً كما تجري المياه من تحت بعض الوطنيين واليساريين داخل النظام بسبب إهمالهم أو نقص وعيهم أو ضعف إرادتهم تجاه خطورتها، وفضلاً عن أنها عملية مقصودو ومحثوثة ذاتياً من جانب اليمين في النظام المتحالف مع قوى الفساد والقمع الطبقية البرجوازية الكبيرة في الدولة والمجتمع، لأنّ هؤلاء خائفون من الحل السياسي الحقيقي ومن المحاسبة وخسران مكاسبهم وموارد فسادهم إن جرى التغيير الوطني الشامل المنشود شعبياً ووطنياً، وهذا يشكل أساس دورهم المعرقل عبر تضافر جهودهم مع جهود اليمين الخارجي في تصعيد العنف وإطالة النزيف البشري والإنهاك الاقتصادي والاجتماعي لأقصى درجاته لرفع تكاليف الحل على الشعب والوطن وكسب شروط أفضل لتمرير مشروعهم. والجدير بالذكر أنّ التضخيم الإعلامي للأطراف اليمينية في المعارضة لا يمارسه الإعلام العالمي فحسب، بل ويقع فيه الإعلام الداخلي الرسمي أيضاً، ولو تم ذلك من باب الانتقاد ومحاولة التظهير المستمر للمؤامرة، إنما يلاحظ ترافقه بالمقابل مع تعتيم وتجاهل للأطراف اليسارية والوطنية في المعارضة، الأمر الذي لا يمكن أخذه دائماً على محمل البراءة أو النوايا الصافية أو حتى الجهل السياسي.

لا تضيعوا الفرصة الأخيرة!

هل مَن يتعظ من جميع دروس الفرص الضائعة للحل الوطني للأزمة حتى الآن، والتي ذكرت سابقاً وبالتفصيل على صفحات صحيفة قاسيون وفي خطاب حزب الإرادة الشعبية عموماً: بقاء السطوة الأمنية فوق القانون والمحاسبة رغم رفع حالة الطوارئ، عدم تطبيق مقررات اللقاء التشاوري في 10-8-2011، عدم التراجع عن الليبرالية الاقتصادية رغم الحصار، انتخابات الإدارة المحلية 29-10-2011، بقاء المادة الثامنة الجديدة حبراً حتى الآن رغم إقرار الدستور الجديد في 27-02-2012، ثم انتخابات مجلس الشعب في 7- 05-2012، تحت قانون فاسد وتطبيق أفسد, والحكومة الائتلافية الحالية المهددة بفقدان شرعيتها إن خالفت بيانها ولا سيما في مسألة الدعم، وكل ذلك مجتمعاً كتضييع لفرصة التوازن الدولي الصفري وثلاث فيتوات روسية-صينية مزدوجة منذ الشهر العاشر 2011.

ثمة فرص مازال يمكن تفادي ضياعها إذا وجدت لدى الوطنيين في النظام الجرأة والإرادة الكافية. إنّ إطلاق الحوار الوطني بمن حضر, اليوم وليس غداً، هي أفضل طريقة لكسر مماطلة الأمريكان والغربيين ولعبة الاستنزاف والتدمير ومحاولات فرضهم لأكثر المعارضين يمينية وولاء لهم كممثل «شرعي ووحيد» ليس للمعارضة فحسب بل وللشعب السوري بأكمله! وكل ذلك تحت حجة «توحيد المعارضة»، تلك الحجة التي لم تكن صدفة أن يتذرع بها اليمين داخل النظام أيضاً لتأخير الحوار. فالحوار إن تمثلت فيه قوى وطنية ذات وزن حقيقي لدى جماهير الشعب السوري سيخرج بنتائج لا تتسافل لدرك المصالح الضيقة للقوى المتطرفة واليمينية الرجعية في الداخل والخارج, بل ترتقي إلى حل سياسي على مستوى المصالح الوطنية الأوسع والجامعة لأغلبية الشعب السوري.