الأكثرية والأقلية..
عرفت كلمة «الطائفية» منذ بداية الحراك أقلاماً وألسنة شتى لاكتها وتفتقت في تحليلها وتفسيرها مبررة حيناً وناقدة حيناً آخر. المشترك بين معظم من انتقدوها أو برروها أنهم ظلوا على سطحها، وضللتهم قراءاتهم «الضخمة»، وربما نواياهم، الجيدة منها والسيئة..
درج الدارسون الجديون للظاهرة الطائفية على وضعها، بادئ ذي بدء، في سياقها التاريخي المحدد، وذلك بتحديد طبيعة المجتمع الذي يحملها، ودرجة تطوره المادية بالارتباط مع وضعه ضمن العلاقات الدولية القائمة والاستعمارية منها على وجه الخصوص، وهذا نجده عند مهدي عامل في دراسته للدولة الطائفية في لبنان. الجديد في تناول المسألة سورياً، هو مصطلحا الأقلية والأكثرية اللذان استخدما كاسم حركي لطوائف بعينها، ولا يعدم هذا الاستخدام دهاءً مقصوداً، يراد منه تأمين المخرج الأقل إحراجاً للباحث «العلماني» من الاصطفاف ذي الطابع الطائفي، هذا من جهة. من الجهة الأخرى فإن استخدام «الأقلية» و«الأكثرية» يوحي بفهم ديمقراطي للمسألة ويعطيها صبغةً بهية ودرعاً مضاداً للصدمات..!
يندرج الفهم «الأقلي» و«الأكثري» بشكله السابق، الطائفي في الجوهر، ضمن إطار الحرب المسعورة التي يشنها أعداء سورية في الداخل والخارج، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطائهم غير المباشرين من المثقفين التابعين فكرياً، والذين، والحق يقال، هم نفسهم لا يعرفون ذلك.. حيث يقدم الغرب مفهومه للديمقراطية بهذا الاختزال المقصود (أكثرية وأقلية) تاركاً الباب مفتوحاً على الطرق المتنوعة لتكوين الأقليات والأكثريات، حيث الإنسان متنوع الهوية.. فهو ينتمي لطائفة معينة، ولقومية معينة، ولإثنية معينة، ولمجال دراسي معين، ولطبيعة عمل معينة..الخ. ويمكن تبعاً للظرف حشر الناس حسب أية هوية من تلك الهويات، ومن الديمقراطية أيضاً أن لا تقدم هوية على أخرى، إلا حين يرغب أولو الأمر!!
يظهر جلياً أن (من وهبوك قيدك) لهم كامل المصلحة في فرز الناس أقلية وأكثرية على أساس الهوية الطائفية في الوضع السوري الملموس، وذلك لبعثرة قوة المجتمع السوري وتصفير محصلة قواه، في حين أن الفرز على أساس الهوية الطبقية يجعل السواد الأعظم من الشعب السوري في مواجهة قلة قليلة تستأثر بالثروة، فقراء ضد الأغنياء.. منهوبون ضد الناهبين.. تلكم حربنا وتلك ديمقراطيتنا.. وما سواها فدجل في دجل في دجل..