الإخوان المسلمون.. والثأر التاريخي
يمتلك الإخوان المسلمون اليوم ثقلاً أساسياً في «المجلس الوطني»، وهو الثقل الذي يعطي ذلك المجلس جوهره ووظيفته المتمثلة بكونه البديل المعتمد غربياً عن نظام الحكم في سورية، وذلك بعد المضي قدماً بسيناريو إسقاطه بالقوة الخارجية المباشرة (تدخل عسكري مباشر)، أو غير المباشرة (حرف الحراك الشعبي عن سلميته عبر إحياء النزاعات الطائفية وتسعيرها).
لم يبدأ دور الإخوان هذا مع تشكيل «المجلس الوطني»، ولم يبدأ مع بداية الاحتجاجات في سورية، بل هو دور تاريخي تعزز بشكل كبير مع انتقال مركز ثقل تنظيمهم إلى الخارج، عقب الهزيمة التي أوقعها النظام بهم في أوائل الثمانينيات، واليوم يتعزز أكثر مع انطلاق الانتفاضات الثورية في العالم العربي، وانتهاء صلاحية الأنظمة العربية وعدم قدرتها على الاستمراربالحكم، الأمر الذي دفع الغرب إلى المسارعة بتلميع بدائلهم، بدائل تستمر في حماية المصالح الغربية في منطقتنا والحفاظ على أمن «إسرائيل»، والأمثلة على ذلك أصبحت واضحة في العالم العربي وفي المنطقة، مثل الإخوانية اليمنية «توكل كرمان» التي أُعطيت جائزة نوبل للسلام، وحزب النهضة التونسي وحزب إخوان مصر الحائزين على تزكية إعلامية استثنائية،عربية وغربية، وحزب العدالة والتنمية التركي النموذج الملهم لبقية أحزاب الأخوان- ولإخوان سورية بالأخص- الذي حافظت قياداته على علاقات التبعية السياسية والعسكرية للغرب، على الرغم من العنتريات والتضليل الإعلامي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
لم تخرج مواقف الإخوان، منذ بداية الأحداث في سورية، عن الموقف الأوربي- الأمريكي في مراحله المختلفة، بل يمكن القول إنه كان مطابقاً للإستراتيجية الغربية في التعامل مع الحدث السوري، حتى ولو كان ذلك على حساب شعبيتهم وسمعتهم السياسية، وهم يدركون ذلك جيداً، وقد يكون الإخوان هم الوحيدين في تلك الدرجة من التطابق، ويمكن قراءة ذلك منذ ظهورصدر الدين البيانوني على القناة «الإسرائيلية» الثانية، والتطمينات التي قدمها «لإسرائيل»، ثم مطالبة المنسق العام للحركة «الشقفة»، قبل أكثر من أسبوع، تركيا بإنشاء منطقة عازلة في حدودها مع سورية، وتراجعهم عن هذا الموقف عبر تصريح الناطق الرسمي للحركة بأن الشقفة كان يعبر عن موقفه الخاص وليس عن موقف الحركة!!، وهي حيلة قديمة لديهم فيتبديل المواقف السريع، وفقاً للتوازنات المستجدة والمتحركة.. أي أن هذا الأداء الذي ينفرد به الإخوان عن غيرهم من القوى السياسية يدل على أن الدور المطلوب منهم غربياً، كي يكونوا البديل، لا يحتمل أي قدر من الاستقلالية في التوجه أو حتى المقدرة على ممارسة التضليل الإعلامي كي يكسبوا شعبية مؤقتة على شاكلة إخوان مصر.. ولكن السؤال الأهم لماذا الإخوانوليس غيرهم؟؟
تأتي الإجابة على هذا السؤال في الإجابة على سؤال آخر لا يثار كثيراً وهو: من هم الإخوان في البرنامج الاقتصادي- الاجتماعي والسياسي والوطني؟
ينظر الكثيرون للإخوان من زاوية واحدة وهي صراعهم مع النظام في الماضي، وابتلائهم بهزيمة أخرجتهم من البلاد، وهذه الزاوية لا يرى منها إلا سطح القضية، أما عمقها فيُرى من خلال سياستهم التي كانت تمثل المشروع الأميركي في المنطقة بتجلياتها المختلفة، فهم ليبراليون اقتصادياً ويتبنون اقتصاد السوق المفتوح، بما يعنيه ذلك من تطبيق لوصفات صندوق النقدالدولي، وهذا يتقاطع مع برنامج الفريق الاقتصادي الذي أدخل الليبرالية إلى البلاد، بمعنى أنهم يتفقون في البرنامج مع قوى الفساد في النظام، وهذا يفسر اتفاق الطرفين على عدم إثارة القضية الاقتصادية تحديداً، بالإضافة لتقديمهم التطمينات المستمرة «لإسرائيل» وهذا بقي مستمراً إلى الآن، وهذا يرضي الغرب كنموذج لسورية «جديدة» مزودة بفتيل للتفجير الطائفي عنداللزوم.
تمتلك سورية أهمية جيوسياسية، وهي في منطقة مهمة بالنسبة لجميع الأطراف الدولية الكبيرة، ولا يمكن أن يجري فيها أي تغيير دون محاولة تلك الأطراف التحكم بشكله بما يلائم مصالحها، وفي الوقت نفسه فإنها ونتيجة لفساد بعض قوى النظام والمجتمع أصبحت أمام استحقاقات التغيير، ولم يعد بالإمكان العودة إلى الوراء، وهنا يظهر الإخوان طرفاً لتصفية الحساباتليس مع نظام الحكم المأزوم، بقدر ما هو تصفية للحساب مع ذلك الموقع الجيوسياسي لسورية، فمن الواضح أن القوى الغربية تسعى اليوم إلى تمكين الإخوان في المنطقة ككل، وليس في سورية فحسب، وهي في الوقت نفسه تسعى إلى إعادة رسم خارطة المنطقة، لذا فهي لن تجد أفضل من الإخوان لتلك الغاية، بما يمتلكون من أدوات للتوتير الاجتماعي بأكثر أشكالهتخلفاً.
إن تغيراً آمناً في سورية نحو نظام جديد تشارك في بنائه جميع قوى المجتمع، سيزيد من التهديد للمصالح الغربية في المنطقة أكثر من السابق، وهذا الشكل من التغيير الدقيق الهادئ لا يمكن لأية قوى موتورة ومرتبطة بمصالح دول أخرى أن تشارك فيه.