سورية.. أمراء النفط والغاز العرب يخططون لسيناريو ليبي.. لكن شروط اللعبة تبدلت!
ما الفرق بين مستر همفر وبرنار هنري ليفي؟ الأول عضو في الاستخبارات البريطانية، والثاني يطلقون عليه «فيلسوف»، لكنه صهيوني فرنسي مقيت ومتعصب. ومع أن الفارق بين الاثنين يمتد على مساحة مئتي عام، إلا أن المهمة واحدة، فهمفر مبعوث المخابرات البريطانية أوفدته وزارة المستعمرات البريطانية عام 1710 إلى كل من مصر والعراقوطهران والحجاز، ويروى أنه جاء لجمع المعلومات الكافية التي تعزز سبل تمزيق العرب والمسلمين، حيث يقول:«وبُعث في الوقت نفسه تسعة آخرون من خيرة الموظفين لدى وزارة المستعمرات، ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمس لسيطرة الحكومة على سائر أجزاء الإمبراطورية العثمانية، وقد زودتنا بالمال الكافي والمعلومات اللازمة والخرائطالممكنة وأسماء الحكام والعلماء ورؤساء القبائل».. ويتابع القول: «لم أنس كلمة السكرتير حين ودّعنا قائلاً: على نجاحكم يتوقف مستقبل بلادنا، فأبدوا ما عندكم من طاقات النجاح».. وهكذا نجح يومئذ في مساعيه الشريرة في الدول العربية والخليج، وبث كماً مذهلاً من الأضاليل والأكاذيب التي مانزال نعاني منها حتى عصرنا الحالي.
أما هنري برنار ليفي الذي يبدو كـ«منسق للثورات العربية»، فقد تعمشق بنظرية جديدة أطلق عليها اسم «نظرية القذافي»، التي ترتكز إلى سابقة تدخّل الأطلسي في ليبيا، لتصبح في القرن الحادي والعشرين «قاعدة قانونية».. ووفق هذه النظرية يجزم الصهيوني «منسق للثورات العربية»، أن النظام السوري سيُطاح به وفق السيناريو الليبي، وعليه فقد بدأ قبل ستةأشهر معركة الأبواب السرية، أو ما أطلق عليه «الكواليس»، ولهذه الغاية بدأ اجتماعاته مع «المعارضات» السورية، فكان أولها في لندن مع رفعت الأسد، الذي بدأ يطلق نداءات رفع السلاح في وجه الدولة والنظام السوريين.
ليفي الذي يعتز بصداقة نتنياهو، الذي يفاخر بتأثيره على المهاجر اليهودي نيكولا ساركوزي، يتحدث في مقاله الأسبوعي في مجلة «لوبوان» الفرنسية عن لقاءاته مع معارضين سوريين من دون أن يحدد أسماءهم وكيف أقنعهم بتأييد التدخّل الأجنبي، ليؤكد أن نهج الجامعة العربية في العداء لسورية تقف وراءه قطر، وهو مستوحى من الشراكة في السيناريوالليبي، ليؤكد أن هذا الانحياز من الجامعة العربية ضد سورية لا يهدف إلا لمنح «الشرعية العربية» للتدخل الأجنبي على الطريقة الليبية.
وكأن ليفي ينظر إلى المرآة فيعجب بشكله وبـ«أفكاره» الشريرة، وكيف أنه استطاع أن يغلب مفاهيمه الشيطانية، فيؤكد أن بعض المعارضين «السوريين» كان لا يحتمل مجرد سماع كلمة تدخل أجنبي، وكأن يفضّل الموت على النطق بهذه الكلمة، لكن كل شيء حسب ليفي تغير، وبهذا صار الفرنسي من أصل سوري برهان غليون من المتحمسين للتدخل الأجنبي،وربما صار أخطر من ذلك، حيث تفيد المعلومات أنه دخل على رئيس الوزراء القطري في القاهرة قبيل الاجتماع الثاني في القاهرة، كأنه مبعوث غربي، وسلم مستضيفه رسالة، لم تكن سوى المفردات التي أذاعها باسم ما يسمى مقررات الجامعة العربية، التي شربت على حد تعبير المثل «اللبناني» حليب السباع ضد سورية، ولتتحوّل حسب تعبير العامة، وكأنهذه الجامعة أوجدها الإنكليز من أجل سورية فقط.. خصوصاً أنها أصبحت مجرد شاهد زور، كمحمد زهير الصديق وديتليف ميليس، أو أكل الدهر عليها وشرب، فشاخت وهرمت وأصبحت حيزبون دردبيس كعبد الحليم خدام؛ بطل دفن النفايات السامة في سورية، على طريقة معلميه الأميركيين الذين ملأوا أرض الرافدين بالنفايات السامة، وربما النووية.
ثم أين هذه الجامعة وبطلها نبيل العربي من التهديدت الصهيونية للمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، حتى لا نقول عملية الإبادة الخطيرة التي تقودها قطعان من الصهاينة ضد أطفال فلسطين؟ ثم أين كانت جامعة حمد بن جاسم حينما غزا جورج بوش الابن العراق، وسحق أو قتل مليون ونصف مليون عراقي؟ وأين هذه الجامعة من جوع ملايينالأطفال الصوماليين، وكأنها لا تدرك أن صنعاء أو تعز أو عدن تقترب من مقديشو..؟ ثم أين موقفها من الفيتو الأميركي في حق وجود دولة فلسطينية يرأس سلطتها الهلالمية الآن، شريكهم محمود عباس..؟
قد يكون ضرورياً التذكير أن هذا الشرق الأوسط مستودع العجائب.. والمفاجآت أيضاً، وأن سورية قلب العروبة النابض، هي روح الأمة وعنوان مستقبلها وتقدمها، هكذا تعلمنا من التاريخ.
المغول والتتار أعظم فرسان الأرض في زمانهم، هزموا في بلاد الشام، لكنهم عادوا منها إلى بلادهم وهم يحملون الإسلام، ويحدثنا التاريخ أن دمشق هي أول عاصمة في التاريخ، ويحدثنا التاريخ القريب أن في مشروع سايكس - بيكو كان ثمة مخطط لجعل سورية أربعة أجزاء، لكن إبراهيم هنانو وصالح العلي وسلطان باشا الأطرش ويوسف العظمة.. لكنأهلها وناسها وشهداءهما عمدوا وحدة قلب العروبة النابض بالدم والشهادة.. وربما لا يدري أردوغان - أوغلو أن المشروع الغربي في تلك الأزمنة كان يخطط لأن يحول ما بقي من الرجل المريض إلى أربع دول أيضاً، لكن إفلاس الخزينة البريطانية جعلهم يضحكون على مصطفى كمال الذي لم يعد يرى إلا تركيا الأوروبية - اللاتينية.
يروى أن شارل ديغول حينما جاء إلى المنطقة قبيل استقلال سورية ولبنان عام 1943 شاهد في الفندق الذي كان ينزل به في حلب عامل تنظيفات، يتوقف عن عمله ليقرأ في جريدة وجدها خلال قيامه بواجبه، تأمله بعمق.. وقال: هذا شعب لا يمكن أن يقهر، لأن فقيره يقرأ..
ضعف النظر، وربما سوء الطالع، أو قلة الحيلة والفهم، خصوصاً إذا كان هذا الفهم مصدره هنري برنار ليفي، يجعل «المعارضات» السورية وأسيادهم ومموليهم من أعراب الكاز لا يرون أن شروط اللعبة في سورية تغيرت.. ألم يسبقهم حلفاؤهم وشركاؤهم في لبنان في الاستفادة والتزود من نظريات «العبقري» جون بولتون، فصار قائدهم الميداني ولا يزالجيفري فيلتمان؟
شروط اللعبة في سورية تغيرت، ولم يعد مفيداً النظر إلى التطورات من خلال فبركات الفضائية المضللة والمغرضة، ولا من بيانات الشيخ حمد بن جاسم الجامعة والجاهزة سلفاً منذ نحو شهرين، من دون التطلع إلى اللوحة العالمية، ومن تجلياتها: الانسحاب الأميركي من العراق، والذي تتسارع وتيرته، وهو سينجز في غضون أيام وليس حتى نهاية العام جثثقتلى الناتو التي تحملها الطائرات يومياً من أفغانستان.
أردوغان - أوغلو يبدو أن صراخهما قنابل صوتية، فجرائم الناتو في ليبيا أوقفت عمل مئات الآلاف في هذا البلد، وآلاف الشركات التركية التي كانت تعمل في هذا البلد أقفلت نهائياً.. وتركيا لن يكون لها أي حصة في الكعكة الليبية فدورها ذيلي في الناتو، وهي مجرد قاعدة ليس إلا.
بوتين القادم إلى رئاسة الاتحاد الروسي بعد ثلاثة أشهر، يتذكر أندروبوف، فيسجل لنفسه مجد تحدي الأطلسي وقهره، فأندروبوف خاض المواجهة مع الحلف الأطلسي من لبنان عام 1984 وهزمه وانتصر مع حافظ الأسد، وبوتين لن يقل شأناً، فقد قرر المواجهة أولاً