«نظرية المؤامرة» في خدمة المؤامرة..

«نظرية المؤامرة» في خدمة المؤامرة..

من يصنع أخطاءنا؟ نحن أم أعداؤنا؟! إذا كان العدو قادراً على صنعها، فمن نحن لنكون أنداداً له؟ إذا كان قادراً على فعل الخوارق، ألم يكن حريّاً به حصرنا، وبقية أعدائه، كخراف في حظائر مشروعه؟

في أقصى حالات الصراع التي شهدها التاريخ، لم يكن بوسع أي طرف فيها، مهما عظمت قوته، القضاء على الآخر إلا من داخله، ومن خلال تناقضاته، ولعل مقولة «الرتل الخامس»، لصاحبها نابوليون، جاءت من وحي الضرورة إلى النفاذ في بنية الخصم قبل محاصرته خارجياً، من الجهات الأربع، بالأرتال الأربعة الأولى، كي يتسنّى لرتل خامس داخلي، هوالأول في تنفيذ الهجوم، بدورٍ ضروري في إتمام مراسم الخيانة.

أكثر ما كان يخدم العدو الخارجي هو أن تنسب كل الأخطاء إليه، هو وحده، فلا ينكشف الغطاء عن رتله الخامس، ليس هذا فحسب، فهو يظهر بمظهر القادر الجبار المهيمن على كل شيء، ويظهرنا عديمي الحول والقوة أمام إرادته، وأكثر ما يقض مضجعه هو أن يُفضح مع رتله الخامس، ويُهدد بخسارة النخبة في صفوف مريديه ومرتزقته..

دخلت المؤامرة، بأول فصولها، إلى بلادنا منذ سنواتٍ خلت، عندما بدأ فريق اقتصادي دردري بتنفيذ برنامج «العدو الخارجي» اقتصادياً، وسط  تصفيق الفاسدين، والبائسين المثقلين بشتّى عقد الدونية تجاه الغرب، ودول الرفاه، والديمقراطية التي بدأ الستار ينسدل عنها مع تعاظم الاحتجاجات والأزمات الاقتصادية- الاجتماعية هناك.

لا تقف المؤامرة عند هذا الحد، فالعنف الأمني الذي قوبلت به التظاهرات السلمية، هو فصل جديد من فصولها، وتجلٍ آخر لها، ذلك العنف الذي اتضح أنه يتحكم بمنسوب الدم ويرفعه كلما لاح حل سياسي بالأفق، ممهداً بدوره إلى عنف مسلح مقابل، مناغم له، تمارسه مجموعات تدّعي أنها ظهرت لحماية الحركة الشعبية السلمية، تمارس الدور نفسه في وأد أيحل سياسي، مجموعات يدعمها العدو الخارجي أيضاً بالمال والسلاح، وهكذا لتتصل الحلقة من جديد...

وأمام هذا المشهد المعقد صار تبسيط الأزمة على طريقة ثنائيات الاتجاه المعاكس «مؤامرة أم ثورة؟» هو جعجعة بلا طحن، اللهم إلا طحن كل أمل لخروج آمن نحو سورية جديدة، طحن لترسيخ حالة انقسام في المجتمع السوري على أسس وهمية وثانوية، في حين أن ما يجري هو فصل جديد من الصراع الاجتماعي (شعب - فساد) والوطني (شعب - مشروعأميركي- صهيوني رجعي عربي)، أي تكون محصلته: شعب في مواجهة الفساد كرتل خامس للمشروع الأمريكي في المنطقة، كصانع للفقر والبطالة والقتل والسجن والتعذيب والدوس على كرامة الناس..

العدو الخارجي يبدأ من هنا بالذات، من خامس الأرتال نزولاً إلى الأربعة الباقية..