نحو الاجتماع الوطني التاسع الاستثنائي
يعقد قريباً الاجتماع الوطني التاسع الاستثنائي للّجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، وربما يكون الوقت الذي يفصلنا عن آخر اجتماع قصيراً نسبياً، لكنه هام وغني جداً إنسانياً وسياسياً، لأنه مليء ليس بالأحداث والوقائع فقط وإنما بالتحولات التي يشهدها التاريخ في أحد أهم منعطفاته وأعمقها بعداً، والتي يمكن أن تغير وجه البشرية.. وفي هذا السياق نقدمهنا استعراضاً سريعاً لبعض من عناصر الرؤية التي استندت إليها اللجنة الوطنية في خطابها وممارستها السياسية..
حول الفضاء السياسي
يشهد العالم حركة متسارعة ستؤدي إلى تغييرات عميقة في بنية النظام الاقتصادي- الاجتماعي القائم، وإلى إعادة تشكيل فضاء سياسي جديد، وهذا ما أكدته اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين مراراً وفي كثير من المناسبات، إن فضاءً سياسياً يموت ويولد آخر من رحم القديم، القديم الذي في قسم كبير منه يموت فعلاً لأنه استنفد كل إمكانيات الحياةوالوجود، وفي القسم الباقي قادر على التكيف والانعطاف مع اللحظة التاريخية، إضافة إلى مكون جديد قادم من الشارع للفضاء السياسي الذي حان وقت ولادته.
إذا كانت سمة المرحلة الماضية غياب الفعل السياسي في المجتمعات العربية ووجوده شكلياً فقط، فإن سمة المرحلة القادمة نشاط سياسي حقيقي شامل عالي المستوى، تعبر عنه قوى سياسية فاعلة مازالت في طور التكون في أغلبها. والفعل السياسي هنا في جوهره هو موقف، موقف مما هو راهن وما يترتب عن هذا الموقف من نتائج.
ما يقرر عملية التمايز والمفاضلة وحتى الاختيار بين الجديد والقديم في البنية السياسية، ليس الاعتبارات الأيديولوجية، بل مشروع العمل المقترح للعالم الجديد الذي يتكون. وتصبح المسؤولية هنا أخلاقية وسياسية بالدرجة الأولى تجاه الموقف السياسي الذي يتبناه.
يرتبط الفضاء السياسي الجديد، بكل ما يحتويه أو ما يمكن أن يحتويه، بالفضاءات الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية قيد التشكل هي الأخرى، وما الفضاء السياسي سوى أحد نتاجاتها، هذه الفضاءات تتكون على أنقاض سابقاتها، وأهم ما فيها أنها تجري ضمن عملية متواصلة ومستمرة من التفكيك والتركيب مازالت في بدايتها، حيث تتفكك منظومات قديمةبأكملها لتحل محلها المنظومات الجديدة.
الوعي الاجتماعي والسلطة المعرفية
الوعي العلمي يقدم الإمكانية للنفاذ من المعطى الراهن إلى المستقبل عبر إعادة ترتيب الحاضر وإعادة تشكيله. من يتفوق معرفياً ينتصر في المعركة، لأن الحرب ليست مباراة بين مطلقي النار، إنها مباراة لمن يتغلب بالتفكير ويستطيع التحكم بالوعي الاجتماعي، وهذا ما أثبته التاريخ.
التحالفات
تتسم منظومة التحالفات في مرحلة مخاض الفضاء السياسي الجديد بكونها مؤقتة وخاضعة لحركة الظرف الراهن وتوازنات القوى على الأرض، ذلك أن عملية التطور المستمرة المتحركة ستنتج أشكالاً متعددة ومتغيرة من التحالفات، ولكن هذا يقود نحو السؤال: ما الذي سيحدد مضمون التحالفات ذات الطابع الاستراتيجي؟
التهديد هو الذي يحدد مضمون التحالفات: استعداء الامبريالية العالمية للعالم كله واستشراسها على البشرية تهددها في وجودها الفعلي، وتجعل السمت الفاصل بين القوى المختلفة المتنازعة في ما بينها ضمن صراعات تكون الفضاء السياسي هو موقفها من الامبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني أن التهديد الأمريكي- الصهيونيومحاولة إحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد، وإعادة تقسيم المنطقة على أساس ديني عرقي طائفي ومذهبي..الخ، يجعل أية أكثرية مهددة مثلها مثل أية أقلية، لأن الكل خاضع للتهديد في وجوده ومصالحه، وهذا ما يفترض أو يمهد الأرضية لتحالفات أوسع، تحالفات على أساس وطني يصبح المرجعي فيها هو الحامل الوطني أولاً (ولاحقا تحالفات كبرى قدتصل إلى مستوى إقليمي)، ذلك أن أهم استحقاق نواجهه هو الاستحقاق الوطني والحفاظ على السيادة الوطنية للبلدان المستهدفة، والتي أصبح سيناريو الحرب الأهلية أو أخذ البلد إلى التقسيم أو استبدال النظام فيها، أياً كان شكله، بأنظمة تابعة وخاضعة للأمريكان هو القاسم المشترك بينها جميعاً، وبالتالي يكون عنوان المشروع النقيض هو الوحدة الداخليةوالتماسك الداخلي وتكريس ثقافة المقاومة للمشروع الأمريكي، وهو ما يحتاج أكثر من أي وقت مضى ليس إلى إرادة سياسية حقيقية وإحساس بالمسؤولية السياسية والتاريخية فقط، بل أيضاً إلى صمود القوى السياسية غير الخاضعة للإرادة الأمريكية، عبر تشكيل أكبر تحالف شعبي، يكون أساسه مصالحة شعبية مبنية على برامج تضيق دائرة التهديد وتغلق النوافذالتي تمكن الخارج من التسلل عبرها لتنفيذ أجنداته.