الجامعة.. حاضن سياسي أم مؤسسة حيادية؟؟

الجامعة.. حاضن سياسي أم مؤسسة حيادية؟؟

اعتاد الشباب السوري في الأشهر السبعة الماضية على أخبار التظاهرات والاعتصامات في مناطق مختلفة من البلاد، إلا أنه تفاعل بصورة مختلفة مع الأخبار الواردة عن المظاهرات التي خرجت من الجامعات السورية الحكومية والخاصة.

 

ربما يعود السبب في ذلك إلى وجود نوع من التضامن الخفي لدى الشباب المنتمي إلى شريحة الطلبة الجامعين، نتيجة التقارب في الشريحة العمرية، وتشارك الرؤى والأحلام والمخاوف المستقبلية، والمعاناة من مشاكل متشابهة تتعلق بوضع الجامعات السورية وأساليب التدريس والمناهج ومشاكل الفساد.

لهذا، ولأسباب أخرى عديدة، حملت أخبار التظاهرات الجامعية أبعاداً جديدة، ونالت كغيرها قدراً وفيراً من النقاش والتحليل بين مطالب بإبعاد وتحييد النشاط السياسي أياً كان شكله عن الحرم الجامعي الذي يعتبر مكاناً لنيل العلم، وبين آخرين يرون في الجامعة حاضناً تاريخياً للنشاط السياسي، ومكاناً مناسباً للتجمع والتظاهر وممارسة الحق في التعبير عن الرأي، خاصة وأنالشباب هو الفاعل الأساسي في الأحداث التي تمر بها البلاد والمتأثر الأساسي بتبعاتها أيضاً.

بعيداً عن التعصب وإعلان صحة أحد الاتجاهين دون الآخر، لا بد من الاعتراف أولاً بحقيقة الدور التاريخي الذي لعبته الجامعة كمؤسسة في الحياة السياسية تاريخياً، ولذلك أسبابه الموضوعية التي لا يمكن إنكارها، ويتمثل أهمها في النقلة النوعية في الوعي لدى الطلبة الجامعيين نتيجة طبيعة الثقافة والمعارف التي ينالونها في الدراسة الجامعية مقارنة بالمراحل الدراسيةالسابقة، والتي تساهم في توسيع آفاق تفكيرهم، إضافة للدرجة الكبيرة من التفاعل والاختلاط الذي يؤمنها المناخ الجامعي الذي يشكل نقطة التقاء أفراد من مناطق جغرافية وخلفيات ثقافية واجتماعية واقتصادية متنوعة. ينتج عن ذلك كله نوع من العلاقات الجديدة بين الطلبة تأخذ شكل نقاشات متفرقة حول الأوضاع العامة، تبادل المعارف والخبرات، ليتم أحياناً بعد ذلكالانتقال نحو أشكال سلوكية أكثر تنظيماً مثل عقد حلقات نقاش منظمة، أو تشكيل جمعيات لأغراض علمية أو ثقافية أو سياسية. لتصل في بعض الظروف إلى مرحلة أكثر تطوراً تدفع بالشباب لتشكيل نواة حركة طلابية منظمة، تصيغ مطالبها، وتعمل على اقتراح أساليب وآليات لتحقيقها أو المطالبة بها مثل الإعتصامات والإضرابات والتظاهر، أو توزيع المنشورات وغير ذلك.

وبذلك تكون التظاهرات هي الشكل الخارجي الصارخ الذي يعبر عن تغير عميق -حدث عبر فترة زمنية طويلة- في وعي الطلبة.

الآن وبالعودة للتظاهرات الجامعية في الحالة السورية، لما تظهر حتى الآن اختلافات واضحة بين طبيعة التظاهرات الجامعية والأخرى القائمة في مناطق مختلفة من البلاد، من حيث الشعارات أو أنواع المطالب، ومن هذا المنطلق كانت هذه التظاهرات تابعة للشارع ومتماهية معه، لم تطرح رؤيتها أو مطالبها الخاصة، وهو أمر قد يؤخذ على تلك الحركات ويحول الجامعةإلى مجرد مكان للتجمع والحشد لا يقدم تأثيراً نوعياً على الحركة الاحتجاجية في سورية، لكن في المقابل لا يمكن اعتبار الشباب المنظمين لتلك التظاهرات المسؤولين الوحيدين عن ذلك. بل يتحمل مسؤولية ذلك في المقام الأول قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنظيمية التي أبعدت الجامعة كمؤسسة عن أية أنشطة ذات طابع سياسي طوال سنوات، وجعلت من اتحاد طلبةسورية الجهة الوحيدة والفاعلة داخل هذه المؤسسة، والتي ابتعدت شيئاً فشيئاً عن شريحة الطلاب التي يفترض أن تكون ممثلة لها، ووقفت في الأشهر الأخيرة بشكل مباشر ضد الحركات الطلابية الجديدة، وتجلى أهم مظاهر هذا الأمر في استخدام بعض الشباب المنتمين للاتحاد للمساهمة في التصدي للمظاهرات، وإلقاء القبض على الطلبة المشاركين فيها، أو استخدامالكاميرات في تصوير وجوه المشاركين، إضافة للمشاركة في التأكد من هويات الطلبة الداخلين للجامعات و تفتيش حقائبهم وأغراضهم الشخصية، وهي مهمات لا تمت بصلة لطبيعة النشاط الطلابي الذي يقوم عليه جوهر الاتحادات الطلابية.

كما أن طريقة تعاطي الجهات المسؤولة مع هذه المظاهرات جاء عنيفاً متمثلاً بالإقدام على اعتقال الطلبة وفصل بعضهم نهائياً من الجامعة، وحرمانهم من فرصة متابعة دراستهم، والتضيق عليهم وغير ذلك من الممارسات.

لا تزال تجارب الطلبة في العمل السياسي والتظاهر متواضعة، لكنها تظهر كتعبير عن تغير حقيقي في اتجاهات هؤلاء متمثلاً في العودة إلى الانشغال بالشأن العام، والتأثر بالأحداث التي تمر بها البلاد، بعد أن كان الشباب بعيدين وقتاً طويلاً عن ذلك كله، وهو تغير في غاية الأهمية والإيجابية إذا ما وضع في سياقه الصحيح وتأمن له مناخ مناسب من الحريات والدعم يجعلهيتبلور ويصبح أكثر تنظيماً وعمقاً.

وفي النهاية، إن المطالبين بتحييد الجامعة عن العمل السياسي يجب أن يطالبوا بوضوح بالحياد الكامل والتام للجامعة، بحيث لا يسمح لتيار معين استثمارها لأغراض واضحة ومنع الآخرين من ذلك، ويكون ذلك بإيقاف المسيرات والتظاهرات على حد سواء داخل حرم الجامعات، لمنع تأثر دوام الطلبة ومحاضراتهم وسير العملية الدراسية ككل، إضافة للعمل على تعديلالقوانين التي تحد من حريات الطلبة التي يجب أن يصونها القانون.

بالمقابل لا بد للمدافعين عن الاتجاه الثاني القائل بالدور التاريخي للجامعة كحاضن للنشاط السياسي من العمل على إحداث تغيير نوعي في طبيعة النشاط الجامعي الخارج من مدرجات ومكتبات الجامعات، بحيث لا يجعل من الجامعة مجرد مكان للتجمع وإنما مكان للاختلاف والإبداع وإحداث التغيير الجذري.