لماذا حكومة وحدة وطنية قبل الحوار؟
ماذا فعلت الحكومة الحالية لتأمين مناخ الحوار الوطني؟
بدأت الحكومة الحالية قبل شهرين تقريباً حواراً تناول المسائل السياسية والاقتصادية والمطلبية، وذلك قبل تأمين مناخ حقيقي للحوار عبر اتخاذ إجراءات ضرورية، لمد خيط ثقة بينها وبين الجماهير، كإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث، وإزالة المظاهر المسلحة من المدن والبلدات، ومحاسبة كل من كان مسؤولاً عن إراقة الدماء في صفوف المدنيين والعسكريين،والاعتراف بالحركة الشعبية كشريك وطني وضروري في أي إصلاح...الخ. ومن الطبيعي أن ذلك الحوار لم يستطع أن يكسب ثقة الجماهير، بل لم يلفت نظرها إطلاقاً، واعتبره الكثيرون حواراً للحكومة مع ذاتها، خصوصاً أنه تعامل بكثير من الاستخفاف وانعدام المسؤولية مع كثير من القضايا الجوهرية التي فجرّت الأحداث في سورية مثل اعتبار الليبرالية الاقتصاديةواقتصاد السوق أشكالاً من «الإصلاح» الاقتصادي المبكر التي سبقت الأزمة.. وبما أن الأمور تقاس بنتائجها، وبما أن ذلك الحوار لم يغير في واقع الأزمة شيئاً، كان من الطبيعي أن يتجاهل النظام قبل المعارضة تلك «البروفة» المسماة حواراً، وأن تبحث جميع الأطراف الوطنية في النظام والمعارضة عن حالة حوار جديّة وحقيقية قادرة على إخراج البلاد من الأزمة التيتعصف بها، حتى أصبح الحوار مطلباً على لسان الجميع، ولكن الوقائع أشياء عنيدة كما يقول المثل، والحوار لن يقوم دون توفر المناخ، لأنه ببساطة ما من أحد يثق بحوار طالما أن الوقائع كما هي على الأرض، والوقائع لن تتغير بكلمة سحرية تسمى حواراً، بل عل العكس، يجب تغيير الوقائع أولاً، ثم تتم عملية الحوار الوطني وبعدها نذهب إلى تطبيق نتائج الحوار، فهلالحكومة الحالية قادرة على خلق مناخ الحوار الوطني الحقيقي؟
الجواب قطعاً لا، لأنها لم تقم بذلك خلال الفترة الماضية الطويلة نسبياً، لا بل زادت الطين بلّة، فهي عمقت الأزمة المعيشية للناس عبر الاستمرار في مواصلة السياسات الليبرالية التي شرعت أبواب البلاد أمام الاستثمارات العربية التي تأتينا اليوم على شكل عقوبات بعد أن انتهت من المضاربة العقارية والسياحية..، كما أن الحكومة الحالية واصلت الاعتماد على الحل الأمنيوالاقتصار عليه، لدرجة أنها كانت شبه غائبة إعلامياً منذ تكليفها حتى الآن، فيما يخص الأزمة، إذا استثنينا وزير الخارجية، لذا فهي بالمحصلة غير قادرة على خلق مناخ الحوار لأنها ليست مصدراً للثقة.
أية حكومة هي القادرة على توفير مناخ الحوار؟
الجواب ببساطة: حكومة وحدة وطنية، مكونة من شخصيات وطنية معروفة من المعارضة والنظام، حكومة ذات صلاحيات واسعة، حكومة تَحكُم ولا تُحكَم، حكومة تفتح المعركة مع قوى الفساد داخل جهاز الدولة وخارجه بغرض اجتثاثه، حكومة تقوم بالقطع الكامل مع السياسات الليبرالية الاقتصادية وتعتمد على الموارد الداخلية لتحقيق أعلى نمو ممكن وأعمق عدالةاجتماعية، حكومة توقف نزيف الدم عبر إعلانها عن برنامج واضح لحل الأزمة سياسياً، لكسب ثقة الجماهير في مختلف المواقع، ولإنهاء حالة الانقسام في المجتمع بكل أشكالها، وصولاً إلى عزل المليشيات الطائفية المسلحة، من كل شاكلةٍ ولون، عن البيئات الاجتماعية الحاضنة لها، حتى تسهل على الجيش الوطني، مدعوماً من الجماهير، مهمة مواجهة خطر العدوانالخارجي والمليشيات المسلحة على حد سواء. هذا ما يمكن أن يحفظ للبلاد وحدتها الوطنية، وهذا ما يكفل زيادة مناعتها في مواجهة أعدائها في الداخل والخارج...