الرفيق د. قدري جميل لـ«شام FM»: الزخم والقوة في الحركة الشعبية سيمكنانها من تنظيف نفسها!
لنبدأ بالتقرير الصادر عن مؤسسة الأبحاث الأمريكية (غلوبال ريسيرش) الذي يقول إن الربيع العربي وما شهده من ثورات هو مجرد خدعة، وإن الولايات المتحدة هي الراعي الأساسي لهذه الثورات.. الباحث الذي قدّم التقرير «طوني كارباروتشي» اتهم الرئيس التونسي منصف المرزوقي ورئيس الحكومة الانتقالية الليبية عبد الرحيم الكيب بأنهما يتعاملان مع الولايات المتحدة، وقال إن وكيلي التحالف الغربي ضد المنطقة بمصر هما محمد البرادعي وممدوح حمزة اللذان يتنافسان على السلطة ظاهرياً، وأضاف أن أصابع النيتو تتسلل لدفع تركيا لضرب سورية.. ما رأيك بهذا الكلام؟
هذا الكلام هو تذاك، فالقصة ليست بهذه البساطة، بل هي أعقد مما يقولون بكثير، فأولاً يجب أن نلاحظ أن هناك ظروفاً موضوعية خارجة عن إرادة الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر نفسها خارقة القدرة، وقد أدت هذه الظروف إلى النهوض الشعبي الذي رأيناه في كل مكان، ولكن من جهة أخرى يجب ألاّ نستخف بمراكز الأبحاث فقد كان بإمكان هذه المراكز أن ترى أن هذا النهوض الشعبي آت، ولاسيما أنها ساهمت تاريخياً عبر عشرات السنين بصناعة الظروف التي دفعت إلى هذا النهوض، وتتعلق هذه الظروف بمستويات الفقر والبطالة وانخفاض الحريات السياسية، فهذه الخلطة خطيرة جداً وتؤدي إلى انفجار، وكانت المراكز تتوقع هذا الانفجار، فعلم الاجتماع تقدم كثيراً وهو قادر على التنبؤ، على الأقل بالاتجاه العام لتطور الأحداث.
هناك أمر طبخوه هم أنفسهم، وسوف تفلت من أيديهم في حال حدوث نهوض شعبي وانفجارات ثورية في العالم العربي، فما الحل؟ الحل يكون بركوب الموجة واستباق الأمور، وهذا الذي حاولوا أن يصنعوه، وفي البداية حاولوا إيهام الجماهير بأن أهدافها تحققت ليعيدوها إلى منازلها، ومثال ذلك مصر وتونس.
محمد البوعزيزي لم يحرق نفسه لأن الولايات المتحدة قالت له احرق نفسك، لقد نهضت الشعوب لأن هناك ظروفاً دفعتهم إلى الشارع للاحتجاج بأقسى أشكال الاحتجاج.
ما الهدف من هذا التقرير إذاً؟
يريدون القول لنا إن رقابنا بأيديهم، وإنهم الآمر الناهي، يريدون القول إننا ومهما فعلنا سيقررون هم مصيرنا.. علماً أن وضعهم سيَّئ جداً، فوضعهم الاقتصادي السياسي الاجتماعي الداخلي سيَّئ جداً، فالموجة امتدت إليهم، أم أنهم صنعوا الموجة التي تجتاحهم أيضاً، موجة الوول ستريت!.
إن الموجة قادمة لا شك في ذلك، ومن يعرف السباحة يحاول تجنب الموجة، ومن لا يعرف سيغرق، وإذا كان السباح قوياً فمن الطبيعي أن يحاول التحكم بالموجة، هم حاولوا التحكم بالموجة لإعادة توجيهها بغية تحقيق أهدافهم التي لم يستطيعوا تحقيقها في السابق، أما الأدوات التي يستخدمونها للتحكم بالموجة فهي أزلامهم من أمثال البرادعي كما جرى في تونس ومصر حين ظهور الموجة الأولى، ولكن من الواضح أن الشارع المصري مثلاً لا يعطي دعمه الكبير للبرادعي وأمثاله، لذلك نحن اليوم بحالة مخاض، فالموجة الأولى من الحركة الشعبية حاول البعض أن يأخذها إلى مكان آخر، وحاول البعض الآخر أن يؤرضها، ولكن أنا أعتقد أن الزخم والقوة الموجودين فيها سيمكنانها من تنظيف نفسها، وهذا الأمر ينسحب على سورية مع زيادة مستوى التدخل الخارجي الذي يحاولون عبره ركوب الموجة لحرفها عن أهدافها وتشويهها وتأريضها في نهاية المطاف، وهذا عقد الأمور في سورية ومع الأسف فإن النظام لم يفهم الأمور منذ اللحظة الأولى، ولم يفهم أن هذه الموجة ليست عابرة ومؤقتة وإنما عميقة الجذور ومديدة، وأنا أقول منذ الآن يجب علينا أن نعتاد على حركة الشارع على أنها ستستمر لعقد أو عقدين، ولكنها ستتعقلن، وستنضج.
ما قصدك بأن النظام لم يفهم ذلك؟
النظام بذاكرته الحية معتاد على قمع الاحتجاجات في حال ظهورها على اعتبار ذلك كفيلاً بحل الموضوع، وهذا صحيح طالما أن ذاكرته الحية وتجربته تقول له ذلك، ولكن إذا كان المرء قارئاً للكتب ودارساً للتاريخ على مدى مئة أو مئتي عام سيخرج بنتيجة أخرى، فأحياناً الاحتجاجات في حال قمعها تزداد قوةً، أو تتشوه، أو تذهب إلى أهداف أخرى، ولذلك فإن طريقة التعامل البدائية الأولى مع الاحتجاجات كانت خاطئة من حيث المبدأ ويجب على النظام أن يعترف بذلك الآن، لأنه دون ذلك الاعتراف بالخطأ الذي جرى حين التعامل مع الاحتجاجات منذ اللحظة الأولى لا يمكن إيجاد المخارج الحقيقية للأزمة.
كيف كان على النظام أن يتعامل مع الاحتجاجات؟
محاسبة الذين تعاملوا بالعنف الأول مع الحركة، فلو تمت محاسبتهم بشكل قاس منذ اللحظة الأولى لكانت الأمور أخذت منحى آخر، وأقول إن ما فات مات، ولكن التذكير واجب لأن على القوى الشريفة والنظيفة في النظام أن تعي طرق الخروج من الأزمة، فهذا الدرس في حال لم يتم استيعابه فسيتكرر الغلط نفسه، وفي حال تكرار الغلط ستزداد الأمور تعقيداً، وأنا منذ الأيام الأولى قلتها: إن كلفة الإصلاح ستزداد إذا تأخرنا به.. وفي النهاية إذا تأخرنا كثيراً بالإصلاح فإن الكلفة ستكون مرتفعةً جداً بحيث لا يمكنني الجزم بإمكانية دفعها أصلاً، ولكن إلى هذه اللحظة يمكن دفع الكلفة.
بالعودة لتقرير (غلوبل ريسيرش) أنت تتفق مع الرأي الذي يقول إنه ليس هناك تصريح أو موقف رسمي أو غير رسمي يخرج من الولايات المتحدة بشكل اعتباطي، أي إن هذا التحليل مقصود به توجيه رسالة إلى العالم مفادها أن أمريكا ما تزال مسيطرة وممسكة بزمام أمور العالم وليس كما يقال إنها فقدت وزنها العالمي؟
تماماً، هذا هو المقصود، ومثلهم كمثل لاعب البوكر الذي يخادع، ويحاول إيهام اللاعبين على الطاولة نفسها بأن أوراقه هي أعلى الأوراق في حين أوراقه ضعيفة.. وأنا أؤكد أن وضع اللاعب الأمريكي سيئ جداً، وبقليل من الصمود والذكاء في معالجة المخططات التي يوجهونها ضد المنطقة وضد سورية سنعيد الأزمة إلى أحضانهم.
دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المجتمع الدولي لتحرك عاجل بشأن سورية، وكذلك طالبت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن بتحويل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، كل هذا يجري في وقت يرى فيه المراقبون تراجعاً بزخم دور الجامعة العربية، فهل ترى أن ما يجري هو لعبة تبادل أدوار بين العرب والغرب؟
عندما نقول إنها لعبة تبادل أدوار يكون ذلك إشارةً إلى وجود مخطط أدوار، بينما أنا أرى على الأرض تخبط أدوار، وبالحقيقة مشكلتهم أنهم ليسوا مبدعين بل يعملون على الرسمة التي سبق ورسموها، فقد عملوا على سورية وفق الرسمة اليوغسلافية العراقية الليبية، فاصطدم ذلك بالحاجز الصيني الروسي في مجلس الأمن، وهذا كان مفاجئاً لهم، ظنوا أن هذا الحاجز شكلي ويمكن تجاوزه، فعادوا إلى الجامعة العربية لاستصدار قرار بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن للتجريب مرةً أخرى، آملين بتغيير الرأيين الروسي والصيني، ولكن أيضاً في الجامعة العربية لم يفلحوا لأنهم بنوا السيناريو استناداً إلى احتمال الرفض السوري في حين وافقت سورية، والآن يجري النقاش حول البروتوكول.
الجامعة العربية دورها مخز منذ عام 1991 حين أصبحت جزءاً من النظام الدولي الجديد الذي يحاول فرض القطبية الأحادية، وعندما رأى مشغلو الجامعة العربية أن الدور المرسوم للجامعة غير مضبوط هاهم الآن يبحثون عن طريقة للخروج من المبادرة العربية التي اقترحوها هم بالأصل، والتي وافقنا عليها نحن في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، والتي وافقت عليها سورية بعد ذلك، وها نحن وصلنا إلى البروتوكول فراحوا يحاولون التنصل من المبادرة كلها، ففي حال جاء مراقبون إلى سورية وتم تنفيذ المبادرة ستتم بالتالي التهدئة في سورية- وهو ما لا يريده المشغلون الأساسيون في الجامعة العربية بطبيعة الحال.
والآن بعد فشل مناورة الجامعة العربية نراهم يهرولون إلى مجلس الأمن ظناً منهم أن باستطاعتهم تجاوز الفيتو الروسي- الصيني، ولكنهم لن يتجاوزوه، فبرأيي إن الموقف الروسي- الصيني تجاوز حدود التأييد الديبلوماسي السياسي لموضوع منع التدخل الخارجي، أي إنه تصلب ونحن نشهد ولادة عالم جديد، وهذه الحقيقة لا يريد الأمريكيون أن يعوها، تماماً كما أن أصدقاءهم الفرنسيين والإنكليز لم يستطيعوا عام 1956 أن يعوا أن قصتهم انتهت وأنهم أصبحوا في مزبلة التاريخ، وأن هناك قوى جديدة ناشئة ستحلّ محلهم.. من الصعب عليهم أن يتفهموا انتهاء دورهم.
وهاهم الآن يذهبون إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار بأي شكل من الأشكال، وليكن، وليصدر القرار، ما الذي سيترتب عليه؟ هل سيكون هناك تدخل عسكري مباشر؟ إن التدخل العسكري المباشر اليوم ضد سورية في المنطقة سيعني صداماً دولياً لا محالة، إذ هناك خطوط حمراء وضعها الروسيون والصينيون بالنسبة لسورية، ولكن رغم ذلك أرجو من النظام السوري أن يعي أن الموقف الدولي هذا الملائم له لا يعني أن لديه وقتاً طويلاً يستطيع استنفاذه من أجل القيام بتلك الإجراءات الضرورية للخروج من الأزمة.
بعد كل هذا الزخم في الجامعة العربية، ودور الوزراء العرب خلال الشهر الماضي، نرى أن القصة خبت خلال الأيام الأخيرة، ما السبب برأيك؟
بالأصل كان المقصود من القرار العربي هو إحراج السوريين، وقد أصبح هذا القرار يمكن أن يستخدم حالياً للخروج من الأزمة، وهم لم يكونوا ينتظرون هذه النتيجة، ولذلك فإنهم اليوم يبحثون عن مخرج من الموضوع برمته، فتنفيذ القرار لم يكن ضمن الرسمة التي رسموها لسورية، وإنما كان القرار العربي لعبةً مبنيةً على احتمال الرفض السوري للوصول إلى مجلس الأمن.
ماذا تتوقع من الاجتماع القادم للجامعة؟
أتوقع أن ميزان القوى في الجامعة العربية يتغير شيئاً فشيئاً مع الانسحاب الأمريكي من العراق، ومع تعاظم الدور الجزائري المصري العراقي السوداني، وهذه الدول تشكل أكثر بكثير من نصف العالم العربي، ولعل الأكثرية الصوتية اليوم هي مع «حمد» وهي تعتمد على الدول التي لا تشكل ثقلاً حقيقياً في العالم العربي، ولكن الثقل السكاني الاقتصادي السياسي موجود في مكان آخر ولا يمكن تجاوزه، فالقصة لا تحل بالجامعة العربية بأكثرية الأصوات، فالقضية ليست قانونية حقوقية لتحل بالتصويت، إذ هناك أوزان حقيقية في الجامعة، فصحيح أن لمصر صوت واحد ولكن إذا قالت مصر إنها لن تنفذ قرارات المقاطعة الاقتصادية فهذه القرارات لن تجدي نفعاً، خاصةً إذا أضفنا إليها العراق والجزائر.
إذا اتخذوا قراراً حقوقياً شكلياً لا يعني هذا أن التنفيذ سيكون مثل القرار، ولاسيما أن الوضع يتغير في المنطقة كما في العالم.
هناك سؤال موجه إليك عبر فيس بوك: تطالعنا بعض المواقع الإلكترونية بقبول النظام السوري بالجلوس والتفاوض مع حزب الإخوان المسلمين بوساطات عربية وإقليمية لإنهاء الأزمة السورية، فإذا كان هذا الكلام صحيحاً فهذا يعني أن الإخوان المسلمين سيكون لهم حصة في المقاعد القيادية أو الوزارية وهذا يمثل اعترافاً بحزبهم، وبالتالي على الدولة السماح بتشكيل أحزاب أخرى لطوائف أخرى، أي بالمحصلة تقسيم البلد طائفياً، ومن جهة أخرى من سيقوم بمحاكمة الإخوان المسلمين على جرائمهم الطائفية التي ارتكبوها في سورية منذ بداية الأحداث وأهمها جرائمهم في حمص؟
هذا السؤال افتراضي، ولا أعتقد أن هناك أساساً لمعلوماته لأن الأخوان المسلمين مع الجيش السوري المسمى بالحر، ومع المجلس اللا وطني ومع المخابرات التركية ومع حلف الأطلسي يخططون لإقامة منطقة عازلة، فكيف ستجري مفاوضات تحت ضرب الرصاص الجاري في المناطق الشمالية؟ هذا غير معقول.
ومن جهة أخرى هناك قانون أحزاب صدر بمرسوم وهو يمنع نشوء أحزاب على أساس ديني طائفي أو إثني، وبالتالي فإذا كان النظام بصدد مفاوضة الإخوان المسلمين لسبب أو لآخر فهذا سيكون لقوننة وضعهم السياسي، وهذه قصة أخرى وكبيرة وتحتاج إلى الكثير من العمل، فهناك أمران يجب حلهما مع الشعب السوري؛ عليهم أن يقنعوا الشعب السوري بمختلف مكوناته السياسية بأنهم تخلوا عن العنف والعمل المسلح، فها نحن نراهم بعد أن أقسموا مئات المرات على عدم العودة إلى سلوك الثمانينيات يعودون إلى السلوك نفسه، وبالتالي فقد أصبحت مصداقيتهم تحت الصفر بكثير، ونحن نريد التعامل مع أحزاب سياسية وليس مع تنظيمات أو ميليشيات مسلحة، وهم لم يعطونا مصداقية في هذا الموضوع، ولم يستطيعوا أن يبرهنوا بسلوكهم العملي على أنهم قادرون على التحول إلى تنظيم سياسي بحت يعمل بالوسائل السلمية، فسلوكهم السابق واللاحق لا يؤكد ذلك، أما الأمر الثاني فنحن كحزب الإرادة الشعبية الذين نعتبر أنفسنا وريثين للحركة الشيوعية ولتاريخ الحركة الثورية في سورية، فبيننا وبين الإخوان المسلمين هناك دماء، فهم قتلوا العشرات من رفاقنا في الثمانينيات، ورفاقنا الذين قتلوا في الثمانينيات لم يكونوا في مراكز دولة، وكان الإخوان يتحاربون مع النظام وكنا نحن ضدهم سياسياً ولكننا لم نكن يوماً في مواقع مسؤولية بالدولة، وكان الرفاق الشهداء الذين قتلهم الإخوان جميعهم أطباء ومهندسين ومحامين، وقتلوا فقط لأن لديهم موقفاً سياسياً، وبالتالي فهناك دية لم يدفعها الإخوان، وعلى الأقل لم يعتذروا عن هذه الأفعال، ونحن أولياء الدية في حزب الإرادة الشعبية نقول للإخوان: إننا لن نسمح بتحولهم إلى حزب سياسي في البلاد، لأن هذا الأمر أصبح غير دستوري من جهة، ومن جهة ثانية هذا يناقض عملياً مبادئ الوحدة الوطنية، ويجب عليهم أولاً أن يثبتوا لنا أنه ليس لديهم علاقة بمراكز دولية على اعتبار أن مركزهم الذي يشغلهم موجود في القاهرة تحت قيادة مرشدهم العام، فهم تنظيم أممي ومركزهم أممي ويأخذون أوامرهم من وراء الحدود السورية، وهذا أصلاً ممنوع في القوانين السورية وبالمنطق السليم.
لنتحدث عن الدور التركي، ذكرت مسألة إنشاء المنطقة العازلة، لقد عدنا لنشهد تذبذباً وتناقضاً بتصريحات المسؤولين الأتراك، وكان آخرها تصريح لوزير الخارجية التركي قال فيه إن بلاده لا تضع أي خطط لغزو سورية لا وحدها ولا إلى جانب أي دولة أخرى، وإنها حريصة على الوحدة السورية وما إلى ذلك.. ما سر هذا الصعود العنيف والهبوط العنيف بالخط البياني المتعلق بالموقف التركي؟
هذا عائد لتغير الوقائع على الأرض، والتي تغير الآمال والأحلام، فبادئ الأمر كان هناك أمل بقرار دولي لمنطقة عازلة تكلف بها تركيا وهذا راح مع الريح ولم يعد ممكناً، ولكن الأتراك لم يتخلوا عن الهدف، فعندما نقول إنه لن يكون هناك تدخل خارجي عسكري غربي مباشر في سورية فهذا لا يعني انتهاء التدخل غير المباشر، والهدف ما يزال مستمراً فهم يريدون منطقة عازلة اسمها اليوم ممرات آمنة، أو منطقة محررة بين قوسين، ولكنهم يريدون ذلك، وقد وضعوا المخططات التدريجية لتوسيع مساحة هذه المنطقة العازلة وصولاً إلى حمص وحماة وغيرهما، ومن هنا أقول: إذا ما عاد بإمكانهم تنفيذ منطقة عازلة بغطاء جوي أطلسي فسيحاولون أن يقيموها بوسائل أخرى، وهذا يفسر ارتفاع مستوى العنف في مناطق بعيدة عن الحدود السورية التركية.
ففي حمص مثلاً أتساءل لماذا ارتفع مستوى العنف الآن؟ أفهم أن هناك أسباباً لها علاقة بحمص وبسكانها، وأفهم أن النظام أخطأ وأن المسؤولين في حمص لم يكونوا على قدر المسؤولية.. ولكنني أرى أن هناك قوى خارجية تريد إشغال جميع المناطق السورية الداخلية بحمام من الدم لكي تتفرغ لإقامة المنطقة العازلة على الحدود، وهم إذا استطاعوا إقامة كيلو متر مربع واحد فبرأيهم إن ذلك كفيل بتكرار السيناريو الليبي، ويصبح لدينا بنغازي في منطقة ما من سورية ويتحقق انقسام سورية، إلخ..
الأتراك لم يتخلوا عن مخططهم ولكن تخلوا عن دورهم المباشر فيها بهذه المرحلة.
سؤال عبر فيس بوك: هناك ما يسمى بالتدخل الإنساني في سورية، ما نوع هذا التدخل الذي تحدث عنه بشار الجعفري؟
بالعموم، وعلى اعتبار أنني لم أطلع على كلام الجعفري، إن حماية المدنيين تندرج تحت إطار التدخل الإنساني، وكل رايات التدخلات الخارجية كان عنوانها التدخل الإنساني، ومنها التدخل لحماية المدنيين، والتدخل الإنساني بالمعنى الآخر لدعم المدنيين وتحسين ظروفهم يقصد به تدخل المؤسسات الدولية من صليب أحمر وهلال أحمر وغيرهما، ولكن بكل الأحوال هذه المؤسسات إذا كانت اليوم مرتبطة بالأمم المتحدة والتوازنات الموجودة فيها، فإننا لن نكون بعيدين عن خطر التدخل نفسه، وبالمناسبة قرار التدخل في ليبيا لم يكن يتضمن قصفاً جوياً.
إن روسيا عندما وقفت ضد قرار التدخل بسورية فكان ذلك لأن أي قرار بالأمم المتحدة يمكن أخذه وتفصيله على حسب الضرورات، أو المصالح، وبالتالي ابعد عن الشر وغن له، فلا روسيا ولا الصين تريدان اتخاذ قرار في الأمم المتحدة لأن أي قرار يؤخذ هناك تستطيع القوى الدولية ضمن التوازنات الموجودة إعادة صياغته على أرض الواقع وتحويله إلى شيء آخر تماماً، ومن هذه الزاوية ابتعد الروس والصينيون عن التصويت على أي قرار، وهنا يجب التذكير بأن القرار الذي استخدمت روسيا والصين الفيتو ضده سبقه اشتراط روسي صيني للتوقيع هو أن ينص القرار صراحةً بأن هذا القرار لا يعني بأية حال من الأحوال التدخل العسكري، ولكن الأمريكيين رفضوا هذه الصيغة.. فماذا يعني هذا؟.
قالت مصادر لـ«شام إف إم» إن السفارة التركية بدمشق اتصلت بالهيئة الوطنية وبحثت معهم ترتيب لقاء للتشاور، وأيضاً هناك معلومات عن أن الوفد العراقي الشعبي الذي زار سورية مؤخراً حمل الهيئة مسؤولية فشل هذا اللقاء لأنها تمسكت بالمبادرة العربية.. هل ترى أن هيئة التنسيق الوطنية بدأت تنشط مؤخراً كطرف من أطراف المعارضة؟
نتمنى لهيئة التنسيق أن يتوضح موقفها وتزداد نشاطاً، فبالنهاية قوة أي تحالف سياسي تأتي من قوته على الأرض وقوته بين شعبه، ولا تأتي قوته من المناورة بين المشاريع الخارجية المختلفة، وقوته لا تأتي من أي دعم خارجي، حتى لو كان هناك دعم خارجي فهذا الدعم كما بينت التجربة هو دعم مؤقت، يستخدمون أزلامهم عادةً لمرة واحدة ثم يرمونهم في ما بعد، ومن هذه الزاوية نتمنى على هيئة التنسيق أن تكون مواقفها واضحة وأن تنتهي من قصة التأويل الذي تسمح به مواقفها في كثير من القضايا.
أنت ترى أن مواقفها قابلة للتأويل؟
عندما يقولون إنهم ضد التدخل الخارجي فإننا نحيي هذا الموقف، ولكن عندما يقول في اليوم الثاني إنه ضد الفيتو الروسي الصيني فلا يمكننا متابعة فهمه.. فكيف يكون ضد التدخل الخارجي وضد الفيتو في آن معاً؟ لا يمكن فهم هذا الموقف.
هناك تواصل مع الهيئة، وعلاقتنا جيدة رغم أنهم يقسون علينا أحياناً ويتهموننا اتهامات ليس لها أساس، ولكننا نعتقد أنهم في النهاية سيكونون في الصف الوطني.
سؤال عبر فيس بوك: الجماعات المسلحة والتكفيريون ومن يطعنون بالسلطة حتى لو على الدم السوري هم أكثر المستفيدين من هذا الشقاق بين السلطة والمعارضة الوطنية، فكيف الحل لعزل المنتفعين من الطرفين والذين سيأخذون البلد للجحيم؟
هذا الموضوع شديد الأهمية، وهو موضوع الافتتاحية التي كتبتها لجريدة قاسيون وحملت عنوان «الاستعصاء والفرز سورياً».. هناك استعصاء ولكن أين؟ بين النظام والمعارضة والحركة الشعبية على الشارع.. فكيف نحل الاستعصاء؟ لن يحل إلاّ بأن يفرز كل طرف نفسه للنهاية، النظام أولاً مطلوب منه أن يقوم بعملية الفرز بين صفوفه ويتخلص من قوى الفساد الكبرى التي لا تريد الإصلاح عملياً بل تتظاهر بذلك، وهذه القوى معادية للشارع ولأية حركة فيه حتى العظم، لأنها تخاف من هذه الحركة على مصالحها وعلى رقابها لأنها ستحاسب، وأكبر معيق أمام النظام للسير في طريق حل الأزمة والإصلاح هو القوى الموجودة في داخله، فإذا لم يفرزها ويعزلها ويحاصرها ويخرجها لن يكون بإمكانه المضي قدماً؛ المعارضة الوطنية ثانياً يجب أن تقوم بالقطع الكامل مع المعارضة غير الوطنية، وأن توقف كل أشكال الغزل معها.
هل ترى أن هناك شكلاً من أشكال الغزل مع المعارضة غير الوطنية؟
طبعاً، فأصحابنا في هيئة التنسيق الوطنية، وهم أصحاب مواقف وطنية، أخذوا وأعطوا كثيراً مع المجلس الوطني ذي المواقف اللا وطنية، وكأن اللا وطنية هي وجهة نظر يمكن النقاش حولها اليوم؟.. أنا لا أراها وجهة نظر يمكن النقاش حولها، ويجب القطع تماماً وإيقاف كل أشكال الغزل، والانتهاء من سياسة الكيل بمكيالين تجاه الأصدقاء والأعداء، وإلاّ فإن هذه المعارضة ستتحمل المسؤولية التاريخية وستخرج من المعادلة نهائياً؛ والحركة الشعبية ثالثاً يجب أن تجري الفرز المطلوب، فالحركة الاحتجاجية الشعبية المشروعة يجب أن تأخذ موقفاً حازماً وقاسياً من المتطرفين الذين نموا على أطرافها وحواشيها، وإلاّ ستكون هي المتضرر الأول وستذهب تضحياتها الجليلة الكبيرة سدى، ولن تغفر لها الأجيال القادمة الفرصة التي أضاعتها على الشعب السوري.
الآن، إذا النظام فرز نفسه، وتنظّف، والمعارضة الوطنية فرزت نفسها وتنظّفت، وكذلك الحركة الشعبية إذا أخذت موقفاً نهائياً وحاسماً وفعالاً ضد القوى المتطرفة والمتشددة والمسلحة أحياناً، فهذا يعني أن الأرضية ملائمة لبناء حكومة وحدة وطنية.
ما الموانع من تشكيل حكومة وحدة وطنية من وجوه المعارضة الوطنية مع بعض ممن ترشحهم الدولة، وما رأيك بالسيد هيثم مناع الذي أثبت خلال هذه الأزمة وطنية نادرة؟
أولاً، بالنسبة للحكومة، يجب أن تتشكل بأسرع وقت ممكن، وهذا الكلام أجدده، وصلاحية هذا الاقتراح محدودة الزمن، فإذا تأخر تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لفترة مديدة أكثر من الأسابيع القادمة، فإن هذا الاقتراح بعد فترة لن يكون صالحاً كمدخل لحل الأزمة، ولذلك فله صلاحية زمنية، ثانياً يجب أن تحظى هذه الحكومة بصلاحيات واسعة، ولتحقيق ذلك يجب أن يكون رئيس الحكومة هو رئيس الدولة ورئيس الجمهورية، وهي حالة استثنائية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لأن الحكومة التي يجب أن تحكم بصلاحيات واسعة يجب أن تحكم ولديها صلاحيات رئيس الجمهورية عملياً، فهي التي تستطيع أن تخرج سورية إلى بر الأمان، وهي حالة استثنائية ومؤقتة وضرورية، وفي حال لم يتم ذلك فيجب بكل الأحوال أن يكون لدى هذه الحكومة صلاحيات استثنائية وواسعة، وبكل الأحوال حتى إن لم يكن رئيس الجمهورية هو رئيسها فهو يديرها ويقودها ويشرف عليها بشكل لصيق، فهي ليست حكومة إدارة محلية بل حكومة سياسية باستحقاق، تكون صغيرة وتدير الأزمة وتخرج البلاد منها، وتبدأ بتنفيذ الإصلاحات وتنهيها وتنقل البلاد إلى ضفة الأمان، ولذلك يجب أن تمثل في هذه الحكومة المعارضة الوطنية بشكل مكثف.
ولا أرى مانعاً من أن يكون الأستاذ هيثم مناع أحد وجوه هذه الحكومة الوطنية ذات الصلاحيات الواسعة لأنه شخصية فعلاً وطنية، رغم أنني قد أختلف معه حول هذه القضية أو تلك التفاصيل، ولكن هذه هي ظروف سورية اليوم تقتضي التعددية وتقتضي كذلك من المعارضة أن تكون تعددية لديها وجهات نظر، ومشكلتنا بالمعارضة أننا كلما تحدث أحد برأي مخالف لنا نلقي عليه صفات التخوين وأنه مع النظام وغير ذلك.
بماذا يمكن أن تختلف مع هيثم مناع؟
مثلاً في انتقاده ومعاتبته للروس على موقفهم، نحن حييناهم، هو ضد التدخل الخارجي وقد فضح المجلس الوطني الذي يقبض من الخارج، وفضح سلوك المجلس الوطني ولكن عندما ذهبنا إلى الموقف الروسي كان موقفه غير مفهوم، فما الذي يريده؟ هل يريد من الروس الالتحاق بالموقف الأمريكي ليصبح موقفهم واضحاً؟ لقد أخذ الروس موقفاً متميزاً وهذا يجب أن يستمر، ولولا ذلك لكانت سورية دمرت بالقصف الجوي الآن.
لهذا كله أقول إن حكومة الوحدة الوطنية ضرورية جداً في هذه الظروف، ولكن لماذا هي ضرورية؟ إن البعض يقول لنا عندما يسمعنا نتحدث في هذه المسألة بأننا نعمل لمصلحة النظام، ولكن لا أعتقد من حيث الامتداد الزمني أن يكون أحد مثلنا ضد النظام، فنحن منذ 2002 ضد النظام بشكله الحالي، ونحن أيضاً ضد شعار إسقاط النظام، وذلك لأن سورية دولة مواجهة وممانعة، وإسقاط النظام يعني ضمناً إسقاط المؤسسة العسكرية، وهذا يعني إسقاط الصواريخ السورية الموجهة لإسرائيل، وهذا يعني إنهاء دور سورية المقاوم والممانع.. وأريد هنا أن أسأل الذين يريدون إسقاط النظام: هل قصدكم إزالة الصواريخ السورية ضد إسرائيل؟ إذا كان هذا قصدكم فلهذا حديث آخر، أما إذا كانوا واعين إلى أين قد يؤدي هذا الشعار بالظرف الدولي الحالي فأقترح عليهم التأني والتفكير جدياً بمآلات هذا الشعار.
نحن مع تغيير النظام، وضد شعار إسقاطه ليس لأننا مع النظام وإنما لأننا ضد النظام، فنحن نريد تغيير النظام تغييراً جذرياً ديمقراطياً شاملاً اقتصادياً اجتماعياً سياسياً، ولكن تغيير سلمي تدريجي بحيث أن نحافظ على السلم الأهلي وننقل سورية إلى فضاء جديد، بينما الذين يريدون إسقاط النظام ويرفعون شعار إسقاط النظام، وإذا أردت أن أنسخ التجربة التونسية والمصرية عليهم يتوضح لي أنهم لا يريدون إسقاط نظام، بل يريدون تغيير رؤوس نظام لكي يحلوا محلها رؤوساً جديدة تبقي على النظام الاقتصادي الاجتماعي نفسه، ولذلك بيننا وبينهم خلاف عميق، هم يريدون تغيير النظام صورياً من خلال الشعار، ونحن نريد تغييره فعلياً.
أما فيما يخص من سيقود هذا النظام، ومن سيكون رئيسه، فعندما يأتي الصبي سنصلي على النبي، سنغير الدستور ونجري انتخابات يربح فيها من يربح ويخسر من يخسر.
لماذا لا تضغطون على القيادة لإقالة الحكومة الحالية؟
ماذا أفعل أنا؟ وما هي وسائل الضغط التي أملكها؟ إن وسائل الضغط الحقيقية هي الناس، فالفكرة تتحول إلى قوة مادية عندما يتبناها الناس، كلامي عبر إذاعتكم وعبر جريدة قاسيون هدفه هو أن يتبنى الناس هذه الأفكار إذا اقتنعوا بها، وعندها يصبح للأفكار قوة مادية، ولا يظنن أحد أن كلامي في هذا الموضوع يدل على أن بإمكاني الهمس بأذن أحد ما لإقناعه بالموضوع وتحقيق التغيير، هذا غير ممكن، والتغيير يتحقق عند تغير تناسبات القوى في المجتمع.
وبصراحة، أريد توجيه رسالة إلى أنصار ما يسمى بـ«المجلس الوطني» الذي يأخذ مواقف غير وطنية، وإلى أنصار ما يسمى بـ«الجيش السوري الحر»، وخاصةً الذين يبعثون بالتهديدات إلي بعد كل حوار إذاعي أجريه: أولاً يجب أن يعلموا أنه ما من شيء يخيفنا، فنحن نعمل بقناعاتنا، وسلامتنا الشخصية هي آخر ما نفكر به، وثانياً أريد أن أنبههم وأصحيهم، هل أنتم منتبهون إلى أنفسكم حين تعملون مع الأمريكيين؟ والذي يعمل مع الأمريكيين لا يعرف مع من يعمل في نهاية المطاف؟ إنه يعمل مع إسرائيل، ولذلك فإن موقفنا واضح منهم على هذا الأساس، وهذا خط أحمر، ولا شيء يبرر الموقف الذي اتخذوه هم، لا حديثهم عن الثأر للقتلى الذين قتلهم النظام، ولا مواقفهم التاريخية تجاه النظام، ولا مواقفهم الشخصية من شخص الرئيس الحالي أو السابق، كل هذه المواقف التي يتحدثون عنها لا تبرر عملياً التعامل مع العدو الإسرائيلي.
وأقول في النهاية التغيير في سورية قادم وحتمي ولا يمكن إعادة العجلة إلى الوراء.