لماذا حزب الإرادة الشعبية؟
وقفت العديد من القوى السياسية في سورية مشدوهة خلال الأيام الأولى لانفجار الأزمة السورية، فدخول الجماهير في حيز النشاط السياسي العالي لم يكن، متوقعا على الأقل، في حساباتها السياسية. هذا ما جعلها فيما بعد إما عاجزة عن الارتقاء إلى مستوى مقاومة المحاولات الحثيثة التي رمت إلى حرف الحراك الشعبي السلمي عن سكة الشعارات التي تعبّر عن جوهر أهدافه ومصالحه، وإما مشاركة في هذه المحاولات قصدت ذلك أم لم تقصده..
إن درجة النشاط السياسي العالي للشعب السوري أعادت تسليط الضوء على الحقيقة القائلة بأن فضاءاً سياسياً قديماً أخذ يتلاشى، وآخرٌ جديد بدأ يتكوّن. فالقديم لم يزل يصارع الموت، والجديد لم ينتهي مخاضه بعد. وفي ظلّ هذا الصراع، وفي ظلّ الأزمة السورية، ما انفكت مستجدات الواقع تؤكد على صحة طرح وأداء حزب الإرادة الشعبية، اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين سابقاً، قبل الأزمة وخلالها. فمن أين يستقي خطه السياسي صحته هذه؟ وما هي المقومات التي أسست لصموده وتطوره؟ خصوصاً أنه بات اليوم على أعتاب مؤتمره العاشر، الأول بعد الترخيص الرسمي..
الأحزاب والواقع السياسي:
للحزب السياسي القادر على الاستمرار والتقدم مقومات عدة، يتجلى أهمها في امتلاكه للمنصّة المعرفية التي تحدد هويته وخطه العام وتقوّم أداءه في سبيل تحقيقهما وامتلاك القدرة على تطوير منصّته المعرفية هذه، ومقاربته الدقيقة للواقع السياسي الدولي والإقليمي، وموقفه الواضح من القضية الاقتصادية الاجتماعية، ومدى استطاعته على المواءمة ما بين طروحاته وعمله على أرض الواقع، وبالتالي مدى اتصاله وقاعدته الشعبية التي لها المصلحة المطلقة في برنامجه وتشكّل الرافعة الأساسية له في أي استحقاق سياسي قادم..
إذا ما أردنا البحث في أنواع وسمات الأحزاب والتكتلات السياسية الموجودة في سورية، لفندنا ما لا يقل عن ثلاثة اتجاهات رئيسية لهذه الأحزاب:
ــ أحزاب سلطة، لا تقتصر على «الحزب القائد» فقط، وقد انسلخت عن قاعدتها الجماهيرية، وانتقل مركز ثقلها من «تحت» إلى «فوق» معتمدة في ذلك على كسبها لبعض المواقع داخل جهاز الدولة، مما جعلها عاجزة عن الاتصال الحقيقي بقاعدتها، مستعيضة عن الوزن الشعبي بالوزن الذي أمنه لها نفوذها في جهاز الدولة. وتدفع اليوم ثمن اعتمادها على هذا الوزن الذي أثبت أنه قاصر عن حمايتها من خطر التلاشي مع الفضاء السياسي القديم الآخذ بالموت..
ــ أحزاب وتكتلات خارج السلطة، تشترك مع الأولى بانتمائها من حيث البنية والعقلية إلى الفضاء السياسي القديم. سواء عبر انفصامها عن حركة الشارع حينا، أو عبر ذيليتها في الحراك الشعبي أحياناً، فهي بالتالي تتأثر ولا تؤثر، تدافع دفاعا أعمى عن مزاج الجماهير، لا عن مصالحها..
ــ الأحزاب السياسية التي حافظت على مستوى تأثرها وتأثيرها بقاعدتها الشعبية، وابتعدت عن أمراض الفضاء السياسي القديم، وعمدت إلى صياغة موقفها الواضح على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي والوطني، واعتمدت مبدأ الربط ما بين النظرية والممارسة.
حزب الإرادة الشعبية.. في أي المواقع؟
على صعيد المرجعية الفكرية والنظرية، لم يكتفي الحزب بالاستناد على الماركسية اللينينية فقط، بل ذهب حد البحث عن سبل حمايتها من التيارين الساعيين لتقويضها، العدمي الرامي إلى نسفها تحت غطاء «التجديد»، والنصوصي الهادف إلى شلّها متمترسا خلف شعارات «حماية النظرية». وقد حدد لهذا مبدأ التعامل مع الماركسية اللينينية كعلم متطور، هو أساس لفهم الواقع الذي بدوره يساهم في تطوير النظرية..
أما على صعيد مقاربة الواقع الدولي والإقليمي، فقد انطلق الحزب في تحليله من قناعة راسخة بأن الصراع الحقيقي في العالم اليوم هو صراع «إمبريالية - شعوب»، وهو ما أتاح له الوصول لرؤية تراجع النفوذ الأمريكي في العالم عبر البصيرة، قبل البصر. وهذا ما لم تزل العديد من القوى السياسية قاصرة عن فهم أسبابه والتنبؤ بحركته اللاحقة..
وعلى الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، فقد كان الحزب من أوائل المعارضين للسياسات الليبرالية التي مهدت الأرضية لخلق البيئة الحاضنة للتطرف في البلاد، ووضع أسس صياغة النموذج الاقتصادي الجديد، وقد كان واضحا في تمثيله لطبقة الأكثرية الشعبية المسحوقة، وهذا ما ساعده على الرؤية المتقدمة حول بطلان الثنائيات الوهمية التي ساهمت قوى الفساد في الطرفين بترسيخها..
ولطالما حصّن الحزب نفسه ضد خطر الانزلاق إلى أمراض الفضاء السياسي القديم، وذلك عبر الانخراط الدائم والفاعل في العمل الجماهيري، والنضال في سبيل الوصول إلى «ذلك الحزب القوي والذكي، المبدئي والمرن، الثابت على المبادئ والمبدع للحلول، والقادر على القيام بدوره المطلوب منه».
إن عمل الحزب على جميع هذه الجبهات وغيرها، هو ما جعل من خطه السياسي متقدما ويملك مقومات واسس الصمود والتطور. وإن تقدمه هذا هو ما جعله في نقطة تقاطع النيران ما بين المختلفين في الشكل، والمتفقين في الجوهر على مقاومة أي نزعة تتجه نحو العمل على إعادة فرز المجتمع السوري على أساس التناقضات الحقيقية التي لن تلبث أن تعرّي هذا التشابه ما بين قوى التشدد التي جعلت من السوريين وقوداً لنار الأزمة.