مرةً أخرى.. أمريكا تدعم الحل الأمني!!
تطرقنا في مقال سابق بعنوان «أمريكا تدعم الحل الأمني»، إلى فكرة تبدو للوهلة الأولى هرطقةً من خارج السياق. قلنا ما ملخصه أن هيلاري كلينتون إذ تدعو المسلحين إلى عدم إلقاء سلاحهم فهي لا تنشد من ذلك دعمهم، وهي أقدر على ذلك في الكواليس، لكنها بذلك تدعم وتشجع الاستمرار بالحل الأمني البحت، من خلال تأمين رأي عام لدى قواعد النظام يشرعنه، الأمر الذي من شأنه أن يغلق الباب أمام الحل السياسي الذي لا حل حقيقياً للأزمة دونه، وبالتالي استمرار الاقتتال وارتفاع منسوب الدم وتشريع الأبواب السورية على كل الاحتمالات الخطرة..
يبدو من خلال تفجيري يوم الجمعة أن أمريكا ما تزال مصرة على دعم الحل الأمني، سيقفز الآن أحدهم ليقول: ارحمنا من الاتهامات التي تلقى جزافاً، وكفى كلاماً خشبياً عن «الهجمة الامبريالية الشرسة»، وله في ذلك كل الحق.. فقد أسيء لهذه الكلمات لكثر ما لاكتها ألسن المتشدقين والفاسدين منهم خصوصاً، لكن أملنا أن يتسع صدره ليسمع الكلام حتى نهايته..
كلمة السر.. من المستفيد؟
سيقول البعض: (إن المستفيد هو النظام، فقد أمن له هذا الحادث دعاية إعلامية واسعة في تزامن مع وصول بعثة المراقبين العرب). ولكن على الضفة الأخرى، فقد أسهم هذا الحادث وما رافقه وتلاه من تفجير باص العمال على طريق (..) والجريمة البشعة في كلية الهندسة، في تعميم سيناريو الفوضى وتشجيع المتطرفين من كل شاكلة ولون على إعلان «الجهاد المقدس» وترهيب قواعد النظام، الأمر الذي لن يغير موقفها ولكنه سيضغط عليها ويرهقها.. ويقودها نحو الدخول في دوامة فوضى «خلاقة» من العنف والعنف المضاد تجعل من فرض سلطة الدولة على مناطق التوتر أمراً مستحيلاً، ثم إن تفجيراً في وسط دمشق هو ضرب لمقولة «سورية بخير»، وهو عملياً تمديد لمناطق التوتر لكي تشمل سورية كلها، الأمر الذي من شأنه ضرب إمكانية استمرار النظام، وحتى استمرار سورية كدولة..
أصبح واضحاً منذ شهر على الأقل أن إمكانية التدخل العسكري الغربي المباشر قد توقفت بفعل الفيتو الروسي- الصيني، وما تلا ذلك من تثبيت للموقفين وخاصة الروسي، لذا فإن استماتة أمريكا على إسقاط سورية، وليس النظام، كباب لفتح المنطقة والخروج من أزمتها المستعصية، دفعتها إلى تبني سيناريو التفتيت الداخلي من خلال المحافظة على الاستعصاء القائم وتحويله إلى استنزاف ينهك الجسد السوري بالتفجيرات والاقتتال الأهلي.. وأياً كان الفاعلون المباشرون فهم ليسوا أكثر من أدوات، وهذا الكلام يتعدى الحديث عن القاعدة وغيرها من المنظمات «الجهادية» إلى الحديث عنها جنباً إلى جنب مع الاختراقات الموجودة ضمن جهاز الدولة السوري..
ما ينبغي الوقوف عنده هو محاولة الفاسدين الكبار الاستفادة مما جرى لكي يذهبوا نحو تكريس الحل الأمني البحت، وهم بذلك سواء وعوا أم لم يعوا، فإنهم يقعون في الشرك المنصوب ويتصرفون كما يخطط لهم الأمريكان، أي أن أمريكا تصنع الفعل لتتلقى رد فعل من النوع الذي يناسبها.. ولعل من المثير للغضب وللريبة حقاً أن تسارع قناة مثل الدنيا مساء وقوع الحدث إلى طرح سؤال للتصويت: أنت مع (الحل السياسي، أم الحل الأمني)، وتأتي النسب لتؤكد رأي القناة الذي تعلنه بطرق متعددة بأنها مع الحل الأمني البحت، وكأن الحل الأمني استطاع تقديم أية نتيجة طوال تسعة أشهر سوى أنه عمق المشكلة وزادها تعقيداً..
هناك من سيعلو صوته بحجة الدفاع عن دماء السوريين، لكي يكرس الحل الأمني البحت.. لكي نحمي سورية علينا تحديد أعدائنا الحقيقيين كشعب سوري بحاجة ماسة للتخلص من الفساد والقمع، وبحاجة ماسة للقضاء على الفساد الذي امتص دماءه.. عدونا كان وما يزال الأمريكي- الصهيوني وعملاءه الداخليون من عصابات مسلحة وقوى فساد كبرى تخترق بنية النظام، هذا صراطنا.. ولذا فإن ما تريده أمريكا هو إيقاف الحل السياسي ومصلحة الشعب السوري هي في تمكين الحل السياسي والذهاب فوراً نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة، تبني تحالفاً حقيقياً بين الحراك الشعبي السلمي والمعارضة الوطنية والوطنيين داخل النظام..