من هوامش الديمقراطية

من هوامش الديمقراطية

اليوم، وضمن جلبة المهاترات السياسية تتفاوت درجات التخوين للجامعة العربية قياساً مع أداء هذه الأخيرة (المتفاوت) بدورها لمحاصرة وإسقاط النظام السوري.

 

بنفس المنطق والأسلوب تتفاوت تطمينات الكثير من المحللين العرب، وخاصةً (المعارضين السوريين) للكيان الصهيوني، وذلك عبر درجات متفاوتة من سيل الاتهامات والوعيد لحركات المقاومة، بدءاً من اتهامها المستمر بالضلوع في قمع المتظاهرين السوريين وانتهاءً بالوعود بقطع العلاقات الاستراتيجية مع حزب الله . هنا نفهم وبكل بساطة (حماسة) هؤلاء عند معاتبتهم للنظام السوري لعدم إطلاقه رصاصة واحدة في الجولان المحتل.. نفهم من عتبهم أن المهم هو التقليل من شأن الممانعة (يكفي أن نرى عضواً في كتلة المستقبل النيابية تنذرف دموعه على الأراضي السورية المحتلة ليعود ويشتد (نباحه) على حزب الله الذي اعتدى على الاحتلال الإسرائيلي في حرب تموز متفرداً في قراره جالباً الدمار للبنان _من الحكمة على السيد نصر الله آنذاك انتظار الإمداد الحريري لدعم هكذا خيار_...!؟) هنا يغدو الحديث عن تخوين هؤلاء المحللين وللأسف ضرباً من العقائدية والجمود! بينما تناقضاتهم التي تتناول الأنظمة الممانعة كسورية وإيران ودعمهما لحركات المقاومة تصبح ضرباً من المرونة والاستجابة لمتطلبات الديمقراطية المنشودة.. ديمقراطية (انتقائية) وضعت نصب أعينها هدف إسقاط الأنظمة (الممانعة) لا الأنظمة (الليبرالية)..

ديمقراطية ينبغي على الجميع الدفاع عن عذريتها من فحولة المقاومة الشرسة... ديمقراطية وحرية تحترم منذ اللحظة الكيان الصهيوني باعتباره (الآخر ) بينما حقوق الشعب الفلسطيني تؤجل حتى إشعار (آخر) أو حتى إشعار إسقاط الأنظمة، متناسين بذلك دعاة هذه الديمقراطية بأن المقاومة مفهوم استراتيجي يحتاج تكريسه إلى عشرات السنين وتراكمات لطالما كان الجيل الناشئ (والذي لم يشهد أية حرب مع هذا الكيان باستثناء انتصار تموز –المشكور-) بحاجتها...هل يتناسون بأن حزب الله والمتهم حالياً من قبلهم بـ(اغتصاب نساء حمص وإدلب) هو الذي قام بحرب تموز التي أعادت إحياء مفهوم المقاومة عند الأجيال اليائسة وأشعلته عند الأجيال الشابة؟  هذه التساؤلات المريرة ما كنت لأضعها برسم قوى 14 آذار أو نظرائهم السوريين في المجلس اللاوطني الذي باتت حتى تسميته بالمجلس رفعاً من شأنهم التكتيكي (البائس طبعاً) وذلك نظراً لتعدد المجالس ضمن هذا المجلس (علماً أن هذا التعدد ليس مرده الديمقراطية التي يتبجحون بها أو يدعونها، وإنما نظراً لتعدد مصادر الأموال المتدفقة عليهم من كل حدب وصوب)، ولكن رغبتي تكمن في وضع هذه التساؤلات برسم المفكر عزمي بشارة الذي أطل علينا من على منبر الجزيرة مع «علي» في برنامج «في العمق» الأسبوع الفائت (ربما من الأجدر للسيد علي تسمية البرنامج «على السطح» نظراً للسطحية (المقصودة) في تناول ثورات الربيع العربي).

هذه السطحية وإن خفت على الجمهور العربي المشاهد فإنها حكماً لا تخفى على محلل لطالما اتفقنا على تسميته بـ(المفكر الاستراتيجي_القومي) والذي ما أن شعرت بحسرته في هذا اللقاء الأخير من أداء الجامعة العربية اتجاه الثورات هنا وهناك، حتى أدركت بأن له (وله فقط) كامل الحق بالاحتفاظ بلقبي (الاستراتيجية والقومية) واللتين لم تتوافرا مطلقاً أثناء تطرقه لموضوع الجامعة العربية وتوقيع البروتوكول من قبل النظام السوري قائلاً (بأن الجامعة العربية لم ولن تساند الشعب السوري مذكراً أنها لم تتدخل إلا في الحالة الليبية فقط - وقد فشلت-) هل يتوقع عزمي بشارة أنها ستنتصر مثلاً؟ هل يتناسى أن الاستراتيجية والقومية بآن واحد تستوجب عليه عند تناوله الجامعة العربية وضعها في سياق خيانتها التاريخية لحقوق الشعوب العربية قاطبةً وللشعب الفلسطيني خاصةً؟ أم أن الحاجة الحالية إلى –الديمقراطية- (التي لا يستهزئ بها طبعاً) أجبرته على القطيعة مع التاريخ؟ هل نستطيع أن نتساءل عن سبب غياب هذا المفكر في المراحل التي وصلت فيها الحركة الشعبية في سورية إلى انحرافات خطيرة طفت فيها ظاهرة التسلح لتطغى حتى على شكلها السلمي؟ هل لاحظ المفكر أن رؤيته (الاستراتيجية) حتى ما قبل بروز الانحرافات المذكورة (فترة ما قبل جمعة الحماية الدولية) لم تكن كافية لتفسير هذه الانحرافات «هذه الاستراتيجية» التي وعلى ما يبدو بدأت تستند إلى واقع متخيل أكثر مما هو واقع فعلي؟.

وأخيراً، أضع تساؤلي برسم كل الديمقراطيين الحداثويين (إذا لم تستند الديمقراطية المنشودة على ثلاث ركائز _الحرية في التعبير والعدالة الاجتماعية والتمسك بالثوابت الوطنية_ فمن سيتمتع بهوامشها!؟).