«التغيير السـلمي» من موسـكو: ثمن تأخير «جنيف» ساعة واحدة سيدفع من الدم السوري
قبيل اجتماعه في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عقد وفد قيادة ائتلاف قوى التغيير السلمي المعارض في سورية مؤتمراً صحفياً يوم الاثنين 20/1/2014 في مقر وكالة نوفوستي للأنباء، عارضاً فيه رأي الائتلاف بسير التحضيرات الأخيرة للمؤتمر الدولي حول سورية، «جنيف2»، وضرورة إنجاحه لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية، وإنهاء الوضع الإنساني الكارثي الذي يعاني منه الشعب السوري. وشارك في المؤتمر الصحفي كل من د.قدري جميل، وفاتح جاموس، وعلاء عرفات، وتنشر «قاسيون» فيما يلي مقاطع مطولة من هذا المؤتمر الذي نشر كاملاً على موقع قاسيون:
د. قدري جميل:
أولاً، اسمحوا لي أن أشكر «ريانوفوستي» على هذه الدعوة لوفدنا الذي كان يجب أن يكون أكبر عدداً من الموجودين هنا، ولكن بسبب الأوضاع المعقدة في البلاد لم يستطع أحد أعضاء الوفد منذ أسبوع أن يصل من القامشلي إلى دمشق، بسبب تعذر الطيران، وكذلك عضو آخر من الوفد لم يستطع الوصول في الوقت المناسب إلى بيروت للطيران إلى موسكو، لأنه لم يسافر على طائرة السبت فتلقى عقابه العادل، كان يجب أن يأتي يوم السبت من الشام..
نحن اليوم في لحظة تاريخية هامة، هي لحظة اقترابنا من انعقاد مؤتمر جنيف، لا أبالغ إذا قلت إن الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وائتلاف قوى التغيير السلمي، هما أول القوى السورية التي دعت إلى الحوار لحل الأزمة السورية على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، ولذلك اليوم نحن مسرورون أن كل القوى الدولية والإقليمية قد توافقت على عقد هذا المؤتمر، ورغم كل التشاؤم. البعض يذكر في مؤتمري الصحفي الماضي كان هنالك تشاؤم من البعض بما يخص انعقاد جنيف، لكننا أكدنا أنه سيعقد بنهاية المطاف رغم التأجيلات المختلفة التي حصلت، وصلنا إلى لحظة انعقاد هذا المؤتمر الهام الذي يجب، وهو مدعو، أن يلعب دوراً هاماً في حل الأزمة السورية وإيجاد المخرج الآمن منها. ونحن كنا مع جنيف قبل أن تطلق الفكرة في جنيف-1 من حيث الجوهر، وحينما أطلقت كنا معها ولم نتردد، وحينما عرقلت دفعنا بنشاط وكرسنا كل جهودنا باتجاه إنجاح فكرة مؤتمر جنيف. وحتى قرار الائتلاف الذي علق اليوم صباحاً، قرار أمس بالذهاب إلى جنيف هو قرار هام جداً في لحظته، ونأمل من الائتلاف التراجع عن موقفه لأن قراراُ كهذا منه هو هام جداً لأنه يعكس موقف السعودية ودول الخليج من حل الأزمة السورية، هذه الدول كانت مصرة على المواجهة العسكرية كمخرج وحيد لحل الأزمة، وانتقالها إلى تأييد جنيف والمشاركة فيه، يعني بداية انتقالها باتجاه الالتزام بالحوار كمبدأ للخروج من الأزمة السورية.
ماذا نريد من جنيف؟
هناك قوى كثيرة من تلك التي كانت لا تريد جنيف، عندما اقترب وآن أوانه، بدأت تبث أفكاراً لها علاقة بالتشاؤم من انعقاده، واليوم عندما ينعقد، هذه القوى نفسها تحاول إفشاله، لذلك فإن ما يهمنا اليوم ليس انعقاد المؤتمر فقط– مع أن مجرد انعقاده هو نجاح- وانعقاده هو شرط لازم ولكن غير كاف لإنجاحه، ونجاحه له شروط يجب أن تتحقق، أهم هذه الشروط هي التالية:
أولاً، وقبل كل شيء، وبغض النظر عمّن سيحضر، لأن المؤتمر في نهاية المطاف سيعقد بمن حضر، على المؤتمر أن يتصدى لمسؤولياته في حل الكارثة الإنسانية الكبرى التي حلت بالشعب السوري، فهي لا تتحمل الانتظار ولا يوماً واحداً، لأنه في كل يومٍ يسقط المئات من الضحايا قتلاً وجوعاً وبرداً ومرضاً، لذلك فإن الجزء من المجتمع الدولي الذي غض النظر خلال السنوات الثلاث الماضية عن التدخل الخارجي في الشؤون السورية، والتدخل المسلح الخارجي بالشؤون السورية، عليه اليوم أن يتحمل مسؤولياته وأن يراجع مواقفه وأن يصحح أخطاءه. الكارثة الإنسانية في سورية قضية كبرى وهي المهمة رقم واحد، وتخضع لها كل الاعتبارات السياسية الأخرى. إنّ 95% من الشعب السوري يريد حلاً لهذه المشكلة، ولم يعد مهتماً كثيراً بمسار الحل السياسي بسبب حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها.
المهمة الثانية، إيقاف التدخل الخارجي بكل أنواعه وأشكاله ضد سورية وخاصةً المسلح منه، لأنه لا يمكن إيقاف العنف في الداخل دون إيقاف العنف من الخارج، وهو أحد الأسباب الرئيسية لتدهور الأوضاع في سورية. يوجد اليوم مقاتلون من أكثر من ثمانين دولة من العالم يعملون في سورية، ويجب إنهاء هذا الموضوع، فهذه القضية خطيرة وإذا لم يتم محاصرة بؤرة المتطرفين التكفيريين وإنهاؤها، فإن المنطقة كلها وجنوب أوروبا أيضاً وروسيا ستتعرض لخطر كبير في المستقبل القريب المنظور..
المهمة الثالثة، في حال نجحنا في إيقاف التدخل الخارجي وفي قضية الإغاثة– وجنيف مدعو لإيجاد توافق دولي حول ذلك- هي إيقاف العنف في الداخل، وبتحقيق المهمتين الأولى والثانية سنصل إلى تخفيض مستويات العنف في الداخل ضمن الفترة القريبة القادمة.
المهمة الأخيرة لمؤتمر جنيف، هي وضع أسس الحل السياسي بين السوريين، فالحل السياسي والحوار لا يمكن أن يكون إلا بين السوريين أنفسهم، ولكن السوريين لا يمكن أن يصلوا لحلول سياسية لمشكلاتهم الداخلية في ظل التدخل الخارجي المسلح الذي يجري من دول عديدة، وإقليمية خاصةً. وبهذا المعنى فإن جنيف هو نقطة الانطلاق لكي يتحاور السوريون فيما بينهم لإيجاد الشكل الضروري الذي يقتنعوا به لسورية الجديدة.
أخيراً أقول، نحن في الجبهة الشعبية وفي ائتلاف قوى التغيير السلمي نؤيد جنيف، إن ذهبنا وإن لم نذهب. ولكن كي ينجح جنيف يجب أن يؤمن تمثيل متوازن وعادل لجميع أطياف المعارضة السورية. لأن التمثيل المختل والأحادي الجانب للمعارضة السورية لن يؤمن كل أسباب النجاح الضرورية لمؤتمر جنيف، لذلك نحن لا نفهم حتى الآن إصرار بعض القوى على تمثيل أحادي للمعارضة السورية، وإصرارها على إعطاء عصا القيادة لإحدى القوى المعارضة، مع أن المعارضة السورية تعددية ومختلفة الآراء ولا يمكن أن تجمع بإطارٍ واحد. من الممكن أن يكون وفد المعارضة واحداً من حيث الشكل، ولكن من حيث الجوهر هو عبارة عن تيارات متمايزة، وعليه فبأي حق يعطى موقع القيادة لطرفٍ من الأطراف في المعارضة؟! نحن لا نطالب بهذا الأمر ولكن في الوقت نفسه لا نسمح لأحد أن يقود المعارضة السورية كلها في وقت لم يسأل الشعب السوري فيه، ولم يسأل أنصار المعارضة في الداخل عن رأيهم بمن يمثلهم.. وفي الأحوال المشابهة يجري توافق بين الأطراف المختلفة، ولا يمكن لأحد أن يقرر نيابة عن الآخرين.
في النهاية، جنيف يجب أن يعقد بكل الأحوال، وبمن حضر، وأنا أعتقد أن الكثيرين اليوم ممن يتكلمون عن حضور أو عدم حضور جنيف، لو كان أقاربهم في الداخل يعيشون في ظل الجوع والحصار والقتل والبرد والمرض، ما كانت مواقفهم بهذا الشكل.. وأستغل هذه الفرصة لأقول إن دور روسيا الاتحادية والصين الشعبية كان هاماً ومفصلياً في منع التدخل الخارجي المباشر العسكري في الشؤون السورية، وأؤكد أن جنيف هي فرصة انتصر فيها عملياً أنصار الحل السياسي، ولكني أحذر الآن من أن عدم نجاح جنيف سيقوي أنصار التدخل العسكري في العالم كلّه وسيحدث ارتداداً كبيراً ولن يكون هنالك أية ضمانة ألا تعاد مرةً أخرى محاولة التدخل العسكري المباشر في الشؤون السورية، لذلك فإن مصلحة جميع السوريين، نظاماً ومعارضةً، هي إنجاح جنيف.
فاتح جاموس:
من المؤسف القول إن لا شيء في سورية يبعث على الفرح أو السعادة، لكن نحن في ائتلاف قوى التغيير السلمي سعداء من منظور فكري وسياسي وأخلاقي بأن منظومتنا قد ثبتت على الأرض، وإن كان الأمر يتعلق أساساً بالوقائع السياسية لمستوى الانقسام الوطني السوري الثلاثي. النظام يعتقد أن المسألة هي مؤامرة خارجية من حيث الجوهر، ونحن نعتقد أن المسألة هي مسألة أزمة وطنية عميقة مستعصية على العنف بسبب الاستقطابات والتوازنات الداخلية والخارجية. وطرف آخر يعتقد أن الأمر برمته هو ثورة. هذه الإشكالية الثلاثية خلقت كل تعقيدات الأزمة السورية. كنا نرغب ألا تتحول مسألة التدخل الخارجي إلى هذه الدرجة من الأهمية الشديدة في الوقائع السورية، وحاولنا المستحيل مع النظام منذ أشهر طويلة، وكذلك مع هيئة التنسيق حاولنا أن نجري جهداً وطنياً داخلياً، وأن نجعل من شعار مؤتمر حوار وطني شامل خطوةً عمليةً على الأرض، ولكن النظام لم يعط حتى أي جواب ولا نعرف أسبابه إلا في إطار المقاربة السياسية، وأما هيئة التنسيق فهي بصراحة تعول على الخارج ودوره في فرض حلول على الحالة السورية. وهكذا فقد أتينا من سورية لأن الأمر قد تحول تقريباً إلى الخارج وبدرجة عالية. وسنسعى جهدنا لفتح العملية السياسية المعطاة للمعارضة السورية والنظام، وسنحاول بدورنا إن وصلنا إلى جنيف ألا نسمح للعملية السياسية بالانغلاق وسنبقى نشد باتجاه نقل الحوار إلى الداخل، ووضع العملية في أيدي السوريين.
هنالك تحول جديد في سورية، ليس فقط على الصعيد الإنساني وعلى صعيد الدمار، وإنما أيضاً بتقدم جبهة تكفيرية ظلامية حقيقية على الأرض. وإن استمرار النظام بأسلوب إدارته السابقة لا يسمح بمواجهة هذه الجبهة إطلاقاً، لكن مواجهتها تحتاج إلى جانب الجهد الذي يبذله الأصدقاء الروس تحت شعار مكافحة الإرهاب، تحتاج إلى جبهة وطنية واجتماعية داخلية عريضة، لاحتضان وتعزيز دور الدولة ودور الجيش العربي السوري، لأن هنالك أطرافاً في المعادلة السورية لا تزال ترفض العملية السياسية وستستمر في رفضها، وستحاول الاستمرار باستخدام الوسائل العسكرية و«استراتيجية الحسم العسكري».. هنالك جبهة ظلامية تطرح أشد الأفكار تطرفاً وقصوية، وتختار أسوأ الوسائل، وتحديداً محاولة جر البلد باتجاه الحرب الأهلية ذات الطابع الطائفي والأقلّي، وبالنتيجة إلى تدمير سورية ذاتياً، وتدميرها كساحة تلاقي وتعايش هامة جداً في الشرق الأوسط، وبتدميرها ينتهي هذا التعايش في كل منطقة الشرق الأوسط.
نحن مطمئنون لدور الأصدقاء الروس في محاولة الوصول إلى تمثيلات سياسية حقيقية للانقسام الوطني الثلاثي آنف الذكر كما هو حقيقةً على الأرض السورية، ونعتقد بالمقابل أن الدور الأمريكي لا يزال يعمل على فرض خط أحمر بما يخص تمثيل المعارضة، الأمر الذي يخل في شكل تمثيلها النهائي، ولا سيما أن أمريكا تركز على أطراف من المعارضة تتلاقى مع الإرهاب في نهاية المطاف مهما حاولت واشنطن التغطية عليها وتزييفها وتسويقها بصفة معارضة مسلحة معتدلة.
علاء عرفات
الحقيقة أن منظومة ائتلاف قوى التغيير السلمي تنتصر على الأرض، وهذا الاتجاه أصبح اتجاهاً كاسحاً ضمن صفوف السوريين، وفي صفوف جميع القوى السياسية الجدية، وهذا الائتلاف مرشح للاتساع بشكل يومي وهو يتسع سواءً بالعمق بين الناس أو بانضمام قوى سياسية جديدة ومجموعات اجتماعية جديدة إليه. إن التسارع الكبير للأحداث السياسية في سورية، جعل العديد من القوى السياسية الموجودة في الطرفين والمنتمية إلى عصر سابق غير قادرة على التعامل مع مجريات الأزمة، وهي تدخل وتدخل البلاد معها في مآزق كبرى نشهد الكثير من نتائجها. التوجه الآن على الأرض هو نحو ولادة قوى سياسية جديدة، أي أننا نشهد في سورية ولادة فضاءٍ سياسيٍ جديد على أنقاض الفضاء السياسي القديم المتهتك.
وحول الصراع الدائر بين ما يسمى «الجبهة الإسلامية» وتنظيم «داعش»، الذي تعمل بعض الأوساط الغربية على تصويره كما لو أن «الجبهة الإسلامية» وأنصارها وحلفاءها يخوضون نضالاً جدياً ضد الإرهاب... نحن نقول إن هذا الكلام غير صحيح، فالتنظيمات المتقاتلة لا تختلف عن بعضها كثيراً لا من حيث النشاط ولا التفكير ولا الأداء ولا الارتباطات. إنّ هذا النوع من «التسويق» الذي تعمل عليه أوساط غربية يستهدف في النهاية التأثير بشكل ما على الحل السياسي. إن الحديث عن محاربة الإرهاب في سورية، هو جديٌ بلا شك، ولكنه غير قابل للتحقيق دون توفر الحد الأدنى من الوحدة الوطنية الداخلية التي عانت الكثير من التشققات، لذلك لا نعتقد أن هنالك إمكانية لمحاربة الإرهاب والانتصار عليه دون السير قدماً في توحيد السوريين عبر البدء بالحل السياسي الذي يسمح بتحالف القوى السورية المختلفة ضد الإرهاب. إن الجهات الموجودة ضمن ائتلاف قوى التغيير السلمي تتقاطع في رؤيتها لمسألة محاربة الإرهاب في نقطتين على الأقل.. فنحن إذ نقول بأن لجنيف مهمة إيقاف التدخل الخارجي ووقف العنف وبدء العملية السياسية، فإنّ محاربة الإرهاب تتقاطع مع النقطة الأولى والثانية بشكل مباشر، آخذين بعين الاعتبار أن الإرهاب ليس موجوداً في طرف واحد. وثانياً فإن عملية محاربة الإرهاب لا يمكن أن تتم إلا بعد الوصول إلى مستوى أدنى من التفاهمات السياسية بين القوى السورية يسمح لها بالتوحد في مجابهة الإرهاب.