مناع.. قليل من التباكي كثير من المراوغة
يذّكر السيد هيثم مناع «كل قصير ذاكرة» بمواقفه ومواقف هيئته «الثابتة» طوال الأزمة السورية، وذلك في مقال له نشره موقع «رأي» الالكتروني يوم الأربعاء 25 كانون الأول الجاري حمل عنوان «من أجل إنجاح جنيف2»..
يدّعي السيد هيثم في مقاله المذكور أن: هيئة التنسيق الوطنية كانت «أول من دعا لحل سياسي للأزمة السورية»، ويمحو بجرة قلم جميع مواقف الهيئة ومواقفه هو شخصياً ما قبل جنيف1.. ويظن أن البداية بالهجوم على «كل قصير ذاكرة» ربما ينجيه من قصر ذاكرته المتعمد.. فالرجل الذي يدّعي أسبقيته وهيئته في الدعوة إلى الحل السياسي هو ذاته الذي رفض الفيتو الروسي- الصيني الذي منع التدخل العسكري الخارجي في سورية، وهو ذاته الذي وقع مع غليون وثيقة التفاهم الشهيرة في القاهرة يوم 30/12/2011 والتي تراجع عنها غليون سريعاً. وكان البند الأول الذي تضمنته الوثيقة التي وقع عليها «رافض التدخل الخارجي» هيثم مناع: «رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة واستقلال البلاد، ولا يعتبر التدخل العربي أجنبياً»..! كما استندت رؤية مناع في حينه إلى أن « بدء المرحلة الانتقالية يكون بسقوط النظام القائم بكافة أركانه ورموزه، الأمر الذي يعني سقوط السلطة السياسية القائمة مع الحفاظ على مؤسسات الدولة ووظائفها الأساسية». وهذا يختلف عن التفاوض مع السلطة القائمة أو الحوار معها كما ينادي الآن ضمن رؤيته الجديدة للحل السياسي!!
من المقاطعة إلى اللهاث..
لا يتوقف الرجل عن الندب والنواح على الدم السوري الذي ينزف يومياً نتيجة لتدويل القضية السورية التي «لم تعد ملكاً للسوريين، فالمال والسلاح والمقاتلين غير السوريين هم الوقود الأساس لاستمرار العنف» ويتناسى دوره ومسؤوليته في «تدويل» الأزمة السورية، بدءاً بمقاطعته وهيئته للّقاء التشاوري في تموز 2011، ومن ثم «بتعريبه» للمسألة من خلال اعتباره «التدخل العربي» تدخلاً غير أجنبي، وكأن السعودية أو قطر دولتان مستقلتان لهما سيادتهما المستقلة، وليستا تابعاً ذليلاً في الركب الأمريكي- الصهيوني(!)، وصولاً إلى لهاثه المستمر وراء دعاة التدخل الخارجي والحل العسكري في مجلس اسطنبول، ثم في ائتلاف الدوحة.
وبهذا المعنى فإن الهيئة ومعلمها المشاركين في تدويل الشأن السوري إنما يتحملان مسؤولية الدم السوري النازف بالشراكة مع متشددي النظام، ومع واشنطن وأجرائها الإقليميين، لتغدو صورة الرجل المتباكي على الدم السوري كالقاتل يسير في جنازة ضحيته ويبتذل العويل عليها..
«معايير المعارضة».. مجدداً
يحتوي مقال السيد مناع على مبادرة جديدة لتوحيد (المعارضة) «من أجل إنجاح جنيف2»، فبالرغم من رؤية مناع الواضحة (والمستجدة) للانقسام بين أنصار الحل السياسي وأعداءه، فإنه وفي محاولته المزعومة لتوحيد أنصار الحل السياسي وإنهاء تدويل الأزمة السورية يرنو شطر ائتلاف الدوحة ومجلس اسطنبول مرةً أخرى، وبالأحرى كما كل مرة، ويستخدم ذاكرته الضعيفة لينسى وصفه لمجلس اسطنبول بأنه «مجلس الشحادين»، وينسى أن ائتلاف الدوحة أهم دعاة التدويل وأهم أعداء الحل السياسي، بل ويضمّن مبادرته فاتحاً لشهية الائتلاف ومعلميه حين يشير إلى أن الاجتماع الذي يدعو إليه مع الائتلاف يمكن أن يناقش: «كل المقترحات بما في ذلك موقف موحد لكل أطراف المعارضة من عقد مؤتمر جنيف في التاريخ المحدد له أو ضرورة التأجيل.»! وبطبيعة الحال فإن أطراف المعارضة بالنسبة لمناع هي من تتطابق مع معياره حول «قوى المعارضة الأساسية» مع استبعاد دعاة التغيير الجذري الشامل- الذي لا يتوافق مع مخططات الرجل- من قائمة تلك القوى.
إبداع في «اكتساب» الدعم الشعبي
كما يبدو أن الرجل غير مستعجل على عقد المؤتمر الدولي حتى تتحقق له ضمانات محددة يعبر عنها صراحة ودون أدنى مداراة بقوله: «أكدنا على أن المهم ليس عقد مؤتمر جنيف مهما كانت الظروف والنتائج، بل توفير الشروط الذاتية والموضوعية لإنجاح المؤتمر». ولا مشكلة في هذا الكلام، ولكن مناع يتابع: «من هنا حرصنا المتزن والمتوازن على أن لا ندخل حلبة المعركة السياسية دون دعم شعبي قوي وتوفر الحد الأدنى من أجواء الثقة بين مختلف الأطراف. لذا طالبنا المجتمع الدولي بالتحرك الجدي من أجل إعلان النفير العام للإغاثة في نكبة فاقت خسائرها وكلفتها تسونامي القارة الآسيوية»!! إذاً، على الشعب السوري أن ينتظر حتى يتأكد السيد مناع من توفر الدعم الشعبي الذي يعترف بأنه غير واثق من وجوده. أي أنّ وظيفة جنيف هي الاعتراف بالدعم الشعبي الذي يحظى به «سيادته» هو وحلفاؤه الائتلافيون والاسطنبوليون! وليست مهمة المؤتمر بالنسبة لمناع وقف التدخل الخارجي ووقف العنف وإطلاق العملية السياسية، بل وظيفته الحكم على نتائج العملية السياسية قبل أن تبدأ.. والأنكى من ذلك كله هو تسييس الإغاثة وإعطاؤها وظيفة محددة هي توفير الدعم الشعبي وبأقل الحالات سوءاً إعلان «النفير الإغاثي» لإعطاء «السياسيين» الوقت الكافي ليطبخوا نتائج جنيف لتتناسب مع مذاقهم!! فالتيارات والقوى التي تخاف دخول العملية السياسية دون حصص ومقاعد مسبقة هي بالذات تلك التيارات التي تخاف من عرض رؤيتها المتكاملة أمام الشعب السوري، وتخاف من النضال الجدي بين جماهير السوريين، وباختصار هي تلك التيارات التي تنتمي بطبيعتها إلى الفضاء السياسي ذاته الذي ينتمي إليه النظام القائم في سورية، ولذلك فهي لا تريد حقيقةً إلا إعادة تحاصص السلطة بينها وبينه.. وكل مزاوداتها وكلامها عن إسقاط النظام ليس إلا ذراً للرماد في العيون، وتغطيةً لإعادة إنتاج النظام القائم بصورة جديدة..
قواسم مشتركة..!
يظهر انتماء مناع وهيئته إلى الفضاء السياسي القديم الذي يجمعه بكل من ائتلاف الدوحة والنظام في العديد من الخطوط العامة:
أولاً: إنّ كلاً من هيئة التنسيق ومجلس اسطنبول وائتلاف الدوحة بشخصياتهم وتياراتهم الأساسية أبناء شرعيون لتجمع واحد هو «إعلان دمشق» الذي ظهر في عزّ التهديدات الأمريكية لسورية عام 2005 ولم يكلف نفسه عناء تحديد موقف واضح من التهديدات الأمريكية المعلنة ضد سورية بل اكتفى بالحديث العام الفارغ عن الحريات والديمقراطية والديكتاتورية وما إلى ذلك..
ثانياً: إنّ البرنامج الاقتصادي الذي يتبناه مناع وحلفاؤه في الائتلاف لا يختلف قيد شعرة عن برنامج النظام القائم الليبرالي، ولعل لقاء مناع بالدردري بعد لقاء هذا الأخير بالمقداد، والجوقة المطبلة بإعادة إعمار على نمط «مارشال أوروبا» وإعادة إعمار يوغوسلافيا التي تغنى بها مناع في مادته الأخيرة، لعل هذه الجوقة خير دليل على تلاقي الليبراليين في الطرفين على إبقاء النظام الحالي في جوهره الاقتصادي- الاجتماعي مع تغيير شكلي له يعيد توزيع الثروة بين الناهبين..
ثالثاً: إن متشددي النظام يشاركون هيثم مناع وأمثاله تخوفاتهم من جنيف التي تتركز في جوهرها حول نقطة واحدة، هي الخوف من العملية السياسية ونتائجها، ومحاولة استباق تلك النتائج وفرضها على السوريين باستخدام درجة التدويل التي وصلت إليها القضية السورية، وباستمرار العنف والتدخل الخارجي حتى توفر «ضمانات» الحفاظ على النظام وإعادة تحاصص السلطة.
رابعاً: هل تتوافق تصريحات مناع «النارية» التي يكشف فيها بين الفينة والأخرى عن تورط شخصيات في الائتلاف والمجلس بالتمويل الأجنبي، وعن تورط السعودية وقطر بالإرهاب في سورية، لكي ننسى أنه لا يرى جنيف إلا من خلال «وفد موحد وازن» مع هؤلاء نفسهم؟!
هل تندمل جراح سورية ببكاء متشددي النظام ومتشددي المعارضة عليها؟ وهل تندمل ببكاء مناع.. وبمراوغته؟