الإرادة الشعبية.. لا عدمية ولا جمود !
يبدو حزب الإرادة الشعبية اليوم بوصفه قوة تعتبر امتداداً لنضالات الشيوعيين السوريين خلال العقود الماضية، مع ما اضافته على مدار 10 أعوام حالة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في 2000، ليصبح اليوم رقماً صعباً في الصراع السوري.
التماس الجذور
خاضت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين نضالاتها خلال العقد الماضي وفق سمت واضح «انفتاح الأفق التاريخي أمام الشعوب الناتج عن الأزمة الرأسمالية القادمة لا محالة». كانت هذه العبارة الجزء المفتاحي في الرؤية وعلى أساسها استنتجت قضايا كثيرة، ربما أهمها انطلاق الحركة الشعبية والتي صيغت في أدبيات اللجنة بمقولة:»عودة الجماهير إلى الشارع» وعلى أساسها صيغ مفهوم «الدور الوظيفي للحزب» و»ضرورة عودة الحزب للشارع لملاقاة الجماهير».
إن المتتبع لهذه الرؤيا بإمكانه استنتاج سر الخطا المتوازنة التي انتهجها الحزب، وبالإمكان إسقاط هذه القراءة واستنباط دقة هذه الخطا ووظيفتها المؤسسة لما بعدها وفقاً لتتبع مسار الحزب الشيوعي السوري التاريخية، والذي انبثقت منه اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين»حزب الإرادة الشعبية «. من الضروي في هذا الصدد قراءة بنية الحزب على مرحلتين رئيسيتين: مرحلة التراجع الثوري التي بدأت في الحركة الثورية عامة في النصف الثاني من القرن الماضي وتأثيراتها اللاحقة على الشيوعيين السوريين، ومرحلة انفتاح الأفق ما بعد عام 2000، وإن كانت القراءات المعمقة تستدعي تقسيم مراحل عمر الحزب إلى أكثر من ذلك.
مرحلة التراجع واستراتيجية الرفيق خالد بكداش
بالإمكان القول إن المرحلة السابقة التي مرّ بها الحزب أي مرحلة التراجع وهي الفترة الممتدة منذ السبعينيات وصولاً إلى مطلع الألفية الجديدة، والتي تأثرت بشكل مباشر بتراجع الحركة الثورية العالمية والتقدم المؤقت للرأسمالية، أنها استدعت تياراً «محافظاً» داخل الحزب بالضرورة. ووجهت للحزب في تلك الفترة انتقادات كبرى على تلك المحافظة وتحديداً على أمين عام الحزب الرفيق خالد بكداش، ولكن حقيقة الأمر أن الرفيق خالد بكداش تمكن من الإمساك بالحلقة الأساسية ورغم كل الملاحظات على تلك المرحلة، إلا أنها حمت الحزب من انحرافات خطيرة فخلقت لاحقاً البذرة الصالحة.
صاغ الرفيق خالد بكداش المعيار الأساسي لقياس مدى جدية وثورية القوى السياسية في المنطقة وحددها بمقولته التاريخية:» إن حجر الزاوية في تحديد موقفنا من أي حزب أو جهة هو موقفه من الامبريالية الامريكية». ونجح بالمحافظة على نواة صلبة وتجمعت حول هذه العقيدة أوسع أطياف الحزب، الغثة والسمينة، وأوسع جماهير ممكنة، فالجماهير لاتتهاون مع القضية الوطنية مطلقاً، رغم أن عبارة الرفيق خالد هي تكثيف ثوري عميق واستراتيجي في لحظة تاريخية حرجة، ما يتعدى المفهوم البسيط للقضية الوطنية.
مرحلة الصعود وظهور اللجنة الوطنية
ما إن بدأت معالم الحراك الثوري على مستوى العالم بالتبلور، (مظاهرات سياتل ضد العولمة في عام 2000 حدث مفصلي وخروج الولايات المتحدة لحربها على الإرهاب أيضاً كذلك)، ظهر ذلك التيار في الحزب الذي صاغ إسقاطات ثورية لمقولة الرفيق خالد والتي تحدث عنها في عهد التراجع، لتتناغم مع مرحلة الصعود الثوري بعمق معانيها.
وبعد تفجر أزمة المؤتمر التاسع في الحزب الشيوعي السوري تبلور التيار الأكثر ثورية وتحدث عن مرحلة نشاط ثوري عمادها الرئيس الجماهير، وهو ما سيستدعي فرزاُ حقيقياً في كل القوى الثورية والبنى السياسية القائمة، وعلى رأي هذا التيار «اللجنة الوطنية لاحقاً» أن مقولة الرفيق خالد نمّت عن أكبر تكثيف لمشاكل المنطقة، فهي تربط الوطني والديمقراطي بالاقتصادي- الاجتماعي وتنطلق من النضال المحلي لتصب في مصلحة النضال الأممي، وهي بذلك سَمْت الحزب الاستراتيجي.
إن مواجهة الإمبريالية والصهيونية دفعت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين لاحقاً لصياغة رؤيتها بناء على العلاقة الجدلية لمكونات العبارة التاريخية، فالقضية الوطنية وتحرير الأراضي المحتلة تستدعي اقتصاداً وطنياً يقطع العلاقات مع الغرب ويعيش فيه الفقراء عيشة كريمة ترفع همتهم للمقاومة ويجتث الفساد الكبير، والنضال الديمقراطي لا يستقر دون استعادة الحقوق في الثروة لمصلحة المهمشين ودون لجم قوى الفساد القمعية، وهو مطلوب بالتوازي مع النضالات الأخرى.
إن شيوعييّ حزب الإرادة الشعبية، هم امتداد لنضالات أولئك الكبار الذين قبضوا على الجمر في السنين العجاف بعد أن أسسوا حزباً تزيد حرارة نضالاته، من قوته الإبداعية وتماسكه الفولاذي.