الإسلامُ السياسي والدولة الإسلامية بين الثابت والمتغير..!

الإسلامُ السياسي والدولة الإسلامية بين الثابت والمتغير..!

للدين دور فعّال في حياة المجتمعات البشرية.. فهو شكل من أشكال وعي الإنسان لوجوده..وعلاقته بالكون المحيط به، وقد اتخذ الدين أشكالاً مادية كالتماثيل والأصنام، وأخرى سماوية ومنها الديانات الثلاث..

وما زال الدين يلعب هذا الدور رغم إخراجه من تاريخيته، لأنه يحمل عناصر استمراريته في داخله وهي الارتكاز في العقيدة على وحدانية الإله لتوحيد المجتمعات، وفي الممارسة على الأخلاق وقيم العدالة ومواجهة الظلم كما جاء في الحديث:( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)
 وهذا ما تعتقد به غالبية جماهير المؤمنين التي تبحث عن الخلاص ..وليس التكفير والقتل كما تفعل القوى والتنظيمات الدينية بأشكالها المتعددة من خلال استغلال عواطفهم وتجييرها وفق مصالحها الطبقية والخاصة، بما يتناقض حتى مع مصالح المؤمنين ذاتهم والفقراء منهم خاصةً.. وكما تتجاهل جوهر الدين وتعمل ضده وتستخدم مفاهيم ومصطلحات وشعارات خادعة تؤدي إلى تفتيت المجتمعات وتكرس أنظمة الاستغلال والقمع ليتاح لها استلام السلطة بالقوة ومنحها القدسية لمنع مناقشتها، وذلك بتكفير من لا يؤيدها أو يعارضها والتكفير يؤدي إلى العنف، والعنف يؤدي إلى القتل لتنفيذ أجنداتها..ومن هذه المفاهيم والمصطلحات الإسلام السياسي والدولة الإسلامية والإسلام المعتدل والمتطرف..
الإسلام السياسي
الإسلام كدين يتسم بطابع الثبات، والسياسة متغيرة بحسب الظرف التاريخي ومستوى الوعي وإسنادهما إلى بعض وربط الثابت بالمتغير مؤكد أن المقصود منه ليس تغيير الثابت وإنما تثبيت المتغير..وهذا يعني رفض بقية الأديان والمعتقدات الدينية وغير الدينية الأخرى وتكفيرهم وإخراج ما يطرحونه من مواقف سياسية من النقاش والمحاسبة وتثبيتها ومنحها القدسية ومن لا يقبل بها أو يعارضها كافر يتوجب قتله..وأكد ماركس(تحرير الإنسان سياسياً من الدين باستبعاده من الحق العام إلى الحق الخاص)1 وهذا ما يحدث الآن في منطقة الشرق الممتدة من المتوسط إلى الصين ومن السودان إلى بحر قزوين..
الدّولة الإسلامية
الدولة كبنية نشأت بالضرورة للتحكم بالتناقضات الاجتماعية بين العمل ورأس المال أي بين قوى الإنتاج المتطورة وعلاقات الإنتاج التي تتخلف عنها والتي هي أداة بيد الطبقة المهيمنة وهي متغيرة في شكلها ودورها بحسب الظرف التاريخي وتقديمها وإسنادها إلى الإسلام كدين يتسم بالثبات هو أيضاً لتثبيتها كسلطة مطلقة بيد كل من يدعي الإسلام، ومن يستخدم هذا المفهوم والمصطلح يريد ليس هدم بنية الدولة الحالية، وإنما قطع الطريق على بناء الدولة الديمقراطية التعددية، دولة المواطنة..وهو ما حدث في ليبيا أو تقسيمها كما حدث في السودان وهو ما يحدث الآن في سورية..وهذا يلتقي مع تسعى له الامبريالية العالمية عبر الليبرالية الجديدة، ويلتقي أيضاً مع إصرار العدو الصهيوني على يهودية دولته بل ويعتبره شرطاً للتفاوض مع الفلسطينيين وهذا يبرر لهؤلاء طرح الدولة الإسلامية ويعني أيضاً أن المعلم واحد..
الإسلام المعتدل والمتطرف
هذا المصطلح يعني أن هناك إسلامَين، وهو يسيء إلى الدين بالدرجة الأولى لأنه يتناقض مع جوهره الأخلاقي كدين محبةٍ ومسامحة وعدل وكما تراه جماهير المؤمنين..فما هي المعايير والمقاييس التي يقاس فيها..إنّ هذا يجعله رهينةً بيد قلّة قليلة ووسمه بالاعتدال أو التطرف..الواقع قد بين أن المعتدل منه يولد المتطرف ويدعمه في مواقفه ليشرعن وجوده ويفرض قبوله على مبدأ إمّا أنا وإمّا العنف والاثنان لا يناسبان تركيبة المجتمع السوري ويتجاهلان تحرير الأراضي المحتلة بخلاف المقاومة..
وأخيراً لا شكّ أن هذه المفاهيم والمصطلحات ليست بعيدة عن العلمية والواقع وتشوه الدين الإسلامي فقط..وإنما الهدف من نشرها واستخدامها هو تبرير وجود من عمل عليها وجر الشعوب والأوطان إلى الحروب الداخلية الدينية والطائفية وحرفها عن مستغليها وقامعيها الداخليين والخارجيين وتقدم لهم كل الإمكانات المالية والإعلامية الكبيرة من الرأسمال المالي الامبريالي العالمي..وما نشهده من ممارسات الجماعات الدينية اتجاه المواطنين وجماهير المؤمنين من مختلف الأديان بدءاً من الإخوان إلى القاعدة وأدواتهما من جبهة النصرة وداعش وبوكو حرام وغيرها.. يبين وحشيتها وفاشيتها.. تحت اسم الجهاد وهو يختلف عن (فكرة التضحية التي تغفر خطايا البشر) التي كانت وراء انتشار المسيحية كما بينها انجلز
لذا يجب تفكيك وتعرية ذلك وفضحه وكشف خطورته وزيفه..وفصل الإسلام عن السياسة (وعلمانية الدولة وتحريرها من الدين لا يعني تحرير الإنسان من الدين)3 كما أكد ماركس، واستبدالها بمفاهيم ومصطلحات تعبر عن جوهرها الإجرامي.. وقد طُرح العديد من البدائل: منها التأسلم وهو يدل على شيء من القناعة الداخلية، أو الأسلمة وهذا يوحي بالفرض من الخارج، السلمنة كاللبننة والبلقنة أو الإسلاموية والإسلامويين وربما هما الأكثر تعبيراً..

• المسألة اليهودية ص 79
• المسألة اليهودية ص 95