إلى أين وصل الـ«لاحسم» العسكري؟
كان من المفترض أن يكون السؤال: «إلى أين وصل الحسم العسكري؟»، أما وقد انعطفت جميع القوى باتجاه الحل السياسي مؤخراً، راغبة أو مكرهة، فيصبح السجال حول «الحسم العسكري» بلا فائدة كون هذا الأخير طويت صفحته ولن يعود
ولكن يبقى السؤال عن أحوال الـ«لا حسم» مشروعاً وضرورياً، طالما أن قوىً عديدة لا تزال تغذي نيران الحرب في سورية، فبعد أن أثبتت مقولة «الحسم العسكري»، فشلها لدى طرفي الصراع، على نحوٍ سافر، ظهرت مقولة بديلة مشتقّة من المنطق ذاته، وهي مقولة: «تعديل ميزان القوى على الأرض قبل الذهاب إلى الحل السياسي». هذه المقولة كان المطلوب منها أن تضفي شيئاً من «الشرعيّة» على استخدام العنف، في الفترة الفاصلة ما بين موافقة الطرفين على الذهاب إلى جنيف، وبين انعقاده، بنظر القوى المتشدّدة، كون الذهاب إلى الحل السياسي يشكّل عقوبة قاسيّة لهذه القوى.
ولكن، وكما يقول المثل الانكليزي «الوقائع أشياء عنيدة»، فإن الواقع الموضوعي أدلى برأيه في هذه المسألة- مسألة تعديل ميزان القوى على الأرض- إذ يتضح من سير المعارك على الأرض أن مختلف القوى لا تراوح في مكانها فحسب، بل تزداد أزمتها عمقاً بالمعنى العسكري والسياسي. فبعد أن استنفد الصراع المسلّح إمكانية توسعه افقياً، أو أوشك على ذلك، راح يتوسّع عمودياً؛ بمعنى أن التقسيم الجغرافي، بين مناطق تسيطر عليها الدولة، وأخرى يسيطر عليها المسلحون، أصبح تقسيماً شبه ثابت. مثالاً على ذلك: العاصمة دمشق وريفها، فمنذ أكثر من عام لم يتمكن المسلّحون من الدخول فعلياً إلى دمشق، وفي المقابل تتعسّر إمكانية سيطرة الجيش على الغوطة الشرقية أو داريّا، على سبيل المثال، فالتوازن استقر على هذا الأساس..
ويندرج هذا الواقع على بقية المحافظات التي تشهد مواجهات مختلفة، وقد يجري تقدم لأحد الأطراف لمئات الأمتار هنا وهناك، إلا أن ذلك لا يضيف أي تحوّل نوعي للمشهد.
لذا وعلى هذا الأساس، لجأت القوى المختلفة إلى سياسة تكبيد الطرف الآخر أكبر قدر ممكن من الخسائر، كلٌ من موقعه، وهو ما نسميه بالتوسّع العمودي للمعارك في البلاد، وهذا التكتيك من شأنه أن يخلق طرفين ضعيفين منهكين في نهاية المطاف، وقد تحققت هذه النتيجة إلى حدٍ ما، وانعكس ذلك بدوره على الأرض، بتراجع القدرة على السيطرة على أية منطقة، ولو كانت صغيرة، وهذا يفسر غياب أي انجاز فعلي من أي طرف، وفي أي حملة عسكريّة، كحملة «الخضوع لله» التي أطلقتها بعض فصائل المعارضة المسلّحة في منطقة القلمون، والتي لم تحقق أي إنجاز يذكر، وينطبق الحال على حملة تطهير الريف التي أطلقت منذ أكثر من شهر، وخصصت لها مقدرات عسكرية كبيرة، ومع ذلك لم تستطع أن تحسم حتى على مستوى قرى صغيرة.
لذا، فإن مقولة «تعديل الكفّة على الأرض» أثبتت عدم جدواها، لأنها مشتقّة من منطق «الحسم العسكري» ذاته، الذي فشل بدوره من حيث الجوهر، ونستطيع اليوم القول بأنه لا يمكن لأي عمل عسكري أن يضيف شيئاً جديداً على المشهد، وأن الكرة أصبحت بملعب الحل السياسي، الذي من شأنه أن يعيد الفرز من جديد بما يسمح بمواجهة فاعلة وحقيقة للقاعدة والقوى التكفيرية، وذلك من خلال العمل على تحقيق هدف وحدة السوريين لمواجهة غير السوريين الذين دخلوا اليوم بمواجهة سافرة مع السوريين، جيشاً ومسلحين.