وحدة العداء للحركة الشعبية وجهاز الدولة
مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر «جنيف2» تسعى قوى مختلفة من المعارضة والنظام إلى تحميل جهاز الدولة وزر توجهاتها خلال الأزمة، وخصوصاً تلك التي تميّزت بانخفاض المسؤولية الوطنية، من خلال استثمار ظرف الأزمة لتسجيل النقاط وكسب المواقع، على حساب السعي الجدي والعميق لحلّها نهائياً
لا بد من مراجعة سريعة لمواقف القوى المتشدّدة في النظام والمعارضة، التي دعمت العنف طيلة الأزمة، ذلك بغية فهم منطق تعاطيها مع الحل السياسي. فقد حسمت تك القوى خيارها باتجاه العنف منذ بداية الأزمة:
- القوى المتشدّدة في النظام سعت إلى استدراج الحركة الشعبية السلميّة إلى ملعب العنف، الذي هو ملعبها تاريخياً، من ممارسة العنف بحقهّا، فبهذه الحسبة تصبح الحركة الشعبية خاسرة عسكرياً، بعدما أن كانت حظوظها بالنضال السلمي مضمونة.
- القوى المتشدّدة في المعارضة أيضاً دفعت الحركة الشعبية باتجاه العنف، ولكن ليس لكي تنتصر، بل على العكس تماماً، لكي تجري هزيمتها بما يفتح الباب أمام تدخل عسكري خارجي، كانت تسعى لاستجلابه بالتنسيق مع الغرب، ومنذ اللحظة الأولى.
بغض النظر عن نية كل منهما فقد اتفق الطرفان على العنف كوسيلة وحيدة للصراع في الأزمة. ولكن ومع ظهور ميزان القوى الدولي الجديد، جرى نسف المسعيين اللذين تبنتهما القوى المتشدّدة. ففشل القضاء على الحركة الشعبية بواسطة العنف من جهة، وفشل التدخل العسكري الخارجي من جهة أخرى، واضطر الطرفان إلى الانصياع مكرهين إلى الحل السياسي، والذي تتمثّل أولى خطواته بمؤتمر «جنيف2»، والذي فرضه الواقع الموضوعي آنف الذكر. وغدا فشل تلك القوى بتحقيق برامجها خلال الأزمة محسوساً ومرفوضاً على المستوى الشعبي العام.
هذا الأمر يفسّر إلى حد كبير ميل تلك القوى اليوم إلى المنطق «التفاوضي» عبر تسجيل النقاط بـ«الدم السوري»، للوصول إلى صيغة معينة يجري عبرها تحاصص جهاز الدولة، دوراً ونفوذاً وصلاحيات، بما يجعل منه الخاسر الأكبر في الأزمة السورية، ولكي يدفع ثمن المزايدات في استخدام العنف في الطرفين. ولا يقتصر هذا المنطق، في التعامل مع الحل السياسي، على القوى المتشدّدة فحسب، بل مكونات الفضاء السياسي القديم بأكمله..
ويجري ذلك من خلال طرح مقولات مشتقّة من مقولة الحل العسكري ذاتها، ولكنها بعد تكييفها مع انطلاق الحل السياسي الذي غدا قدراً لا راد له، فيجري على سبيل المثال تعطيل أي تسوية أو تجربة للحوار حتى يتم «تعديل ميزان القوى على الأرض»، بمعنى تحسين اللحظة التي سينطلق بها الحل من وجهة نظر كل من طرفي الصراع. ويجري أيضاً التقليل من أهمية «جنيف2» وعدّه حدثاً ثانوياً في في مسار الحل السياسي، من خلال المكابرة والإدعاء بأن اللجوء إلى الحل هو تنازل أخلاقي أمام معاناة الشعب من نار الأزمة، وليس ضرورة فرضها الواقع على مختلف تلك القوى.
والنتيجة الطبيعية لمثل هذه العقلية أن يكون جهاز الدولة فقط هو مجال للتحاصص بين قوى متصارعة، وتبيت النيّة في الوقت ذاته لإعادة إطلاق أوهامها بـ«الحلول» العسكرية. الأمر الذي يجعل من هذه القوى التي توحّدت في وقت سابق ضد الحركة الشعبية، موحدة اليوم ضد جهاز الدولة..