«السياسة» بوصفها فناً لحجز المواقع..

«السياسة» بوصفها فناً لحجز المواقع..

لم يألف السوريون الخطاب السياسي الطائفي، فحتى أكثر القوى طائفية تخشى الخوض فيه، باستثناء البعض من الطامعين بأي موقع في الرسمة الأميركية لسورية، ميشيل كيلو نموذجاً..

«تمخض الجبل فأنجب فأراً» مَثل ينطبق على بعضٍ من الرموز «المعارضة». الرموز التي صنع لها قمع النظام، على مدى عقود،  صورة المناضلين الأبرار، مناضلي السجون والكلمة الحرة، مناضلي حقوق الإنسان والحريات السياسية. فإذا ما جاء وقت سماع الكلمة، فإذا بالكلمة فأر، يفر من استحقاق التغيير المطلوب، ويبرر الجرائم التي قد تغريه بكسب موقعٍ زهيد..
كذب هؤلاء عندما قالوا بأن القمع لن يثنيهم عن قول الحقيقة، ليس صحيحاً.. لقد علّم القمع هؤلاء أن السياسة هي فن تبرير الجرائم، لذلك تراهم يعيدون إنتاجه من جديد. فمنهم من عمل على طول الأزمة داعيةً للعدوان الخارجي، غير آبه بنتائجه الكارثية، ومنهم من برّر المجازر في مناظرات تلفزيونية بخسة، ومنهم صمت كالشياطين الخرساء عن القمع بنسخته الجديدة..
ميشيل كيلو نموذجاً عن تلك الرموز، تكشف مواقفه خلال الأزمة السورية عن استعداده لتبنّي أي سلوك يؤمن له موقعاً مرموقاً في «سورية المستقبل»، حتى ولو كان ذلك على حساب دماء السوريين.
كشف هذا «اليساري» التائب، بحدسه الخاص، الطبخة الأمريكية لسورية مبكراً، طبخة الديمقراطية الطائفية، فسارع إلى الإعلان عن تشكيل تنظيم طائفي بطبعة «العدالة والتنمية» الإخواني ، ليحجز مكاناً لنفسه، أيُ مكان، في مكونات هذه الطبخة الملونة.
لم يستهجن اليساريون هذه الخطوة من السيد كيلو وحدهم، بل الشعب السوري بأكمله استنكر أن تبدأ الخطوة من يساري سابق، في الوقت الذي بات فيه حتى الإخوان مضطرين لأن يواروا هويتهم خلف تعابير «مجلس» أو «ائتلاف». ولم يأبه السيد كيلو لآراء الناس، طالما أن الطباخ هو أمريكا، سيدة العالم، بنظره، التي لم يستطع أن يلحظ تراجعها على الساحة الدولية.
لا، ولم يكتف السيد كيلو بهذا، بل بلغت به الحال بأن جعل من نفسه ناطقاً باسم «الأقلية» التي ينتمي إليها، ما أثار حفيظة كل السوريين، الذين وجدوا أنفسهم يُنتزعون قسراً من انتمائهم الوطني، لمصلحة الانتماءات الثانوية، على لسان السيد كيلو، وعبر تصريحاته المختلفة..
اليوم يُعيد ميشيل كيلو إنتاج الموقف ذاته من أحداث معلولا، إذ يسوّغ الهجوم على هذه المدينة طائفياً، كما بات يحلو له منذ أن لمحت أمريكا بنموذجها الطائفي الذي تريد، ما يزيد من مستوى الكره الشعبي لهذا الرجل، ولأمثاله من الموكّلين على الطوائف أمريكياً.
والمفارقة هي أن انتهازية هؤلاء السافرة جاءت في الوقت الخاطئ، الوقت الذي يتراجع فيه الدور الأمريكي، وتستيقظ فيه الحركة الشعبية من سباتها النسبي، وتطرح عبر أطوارها المتعاقبة الملامح الأولى للبرنامج الذي يحقق مصلحتها، والذي يستند بإحدى مفرداته إلى تضافر الشعوب ووحدتها في مواجهة الناهبين والمستعمرين، كنقيضٍ للمشروع التفتيتي الأمريكي.