بوارج أمريكا وحيتان الفساد .. يسبحون معاً!

بوارج أمريكا وحيتان الفساد .. يسبحون معاً!

المبادرة الروسية حول الكيماوي السوري, والتي وافقت عليها الحكومة السورية، خطوة شجاعة وذكية، تكتسب قوتها من أنها تمثل مصلحة قوى السلام والتقدم العاقلة في العالم وفي سورية

وبالتالي مصلحة قطب الشعوب، في كبح جماح قوى الحرب والإمبريالية الأمريكية-الأوربية المجنونة المأزومة، التي تنزع نحو الهروب «إلى الأمام» رغم تثاقلها واختلال توازنها، مهددة العالم بشرارة حروب إقليمية-عالمية واسعة قد تجعل نهاية البشرية إمكانية واقعية.

في هذا السياق، ومثلما يحقّ لأصحاب منهج العقل والمنطق أن يتفاءلوا بهذا الثقل المتزايد لكفتهم، يجب عليهم أن يبقوا متيقظين ومستعدين دائماً لأسوأ الاحتمالات لأنّ خطر عدوان أمريكي قريب على سورية مازال قائماً وجدياً. قد يكون البعض في داخل جهاز الدولة وخارجه قد فهموا المستجدات الجديدة الدافعة نحو تسوية دولية سلمية على أنها فرصة للاسترخاء و«وضع الأيدي والأرجل في ماء بارد»، وهؤلاء فريقان:
فريق حريص على بقاء الدولة والبنى التحتية من باب الحفاظ على الوطن وإمكانية نهضته المستقبلية، وهو فريق وطني ولكنه يجب أن يقرن التفاؤل بالعمل على استكمال مقتضياته واتخاذ الحدث فرصة للدفع أسرع نحو رصّ الصف الوطني الواسع والذهاب نحو الحلول السياسية والسلمية والمصالحة الوطنية. ويخطئ هذا الفريق إذ يظنّ أنّ الصرامة والحزم في الإدارة والقيادة، في زمن الحرب، وإجراءات الاستنفار العامة مدنية وعسكرية، والتي هي طبعاً ضرورية وواجبة في هذه الظروف، تعني التعسف والمبالغة في تعسير أو تأجيل حلّ قضايا المواطنين اليومية، وإحداث ما أمكن من انفراجات، ولو جزئية في حياتهم المعيشية الأساسية. بل يجب التفكير على العكس، بأنّ كلّ خطوة للتقارب واستعادة ما أمكن من الثقة بين جهاز الدولة والمواطنين في هذه المرحلة يصبّ إيجاباً في مصلحة الوحدة الوطنية وزيادة الاستعداد لمواجهة العدوان وإفشاله. يجب أن لا يغيب عن الذهن بأنّ جهاز الدولة الناجح، حتى في ظروف الحرب، هو جهاز إدارة أيضاً وليس قمعٍ فحسب.
أما الفريق الآخر داخل الدولة والمجتمع فلا تعدو راحته الموهومة و«استرخاء مفاصله» أن تكون من باب الاطمئنان الزائد والمبالغ به، بأنّ سورية - ليس كوطن بالنسبة له، بل كـ«بقرة حلوب» لفساده - لن تصيبها ضربات قاتلة، ليس حباً بها، بل خوفاً على «ألبان» الفساد. هؤلاء الذين وصلت وقاحتهم إلى الاستمرار بل والتصعيد في نهبهم لقوت الشعب، ومتاجرتهم بالأزمة، لزيادة أرباحهم الفلكية والتصريح بأعذار أقبح من الذنوب، ومبررات ما أنزل الله بها من سلطان، من أنهم ونظراً لهذه الظروف التي يمر بها وطننا - أي «مزرعتهم» - سيرفعون مستويات سرقتنا حرصاً على «مصلحتنا»؟!
إنّ التمادي الوقح لسلوكيات هؤلاء الفاسدين الكبار ومنظومتهم المتكاملة والعالية التنسيق والتنظيم بين داخل وخارج الدولة، وربما خارج البلاد، تدفعنا إلى اقتراح التفكير جدياً وإعادة دراسة التجربة الناجحة للسلطة السوفييتية في فترة ما يعرف بحملات التطهير ضد الفاسدين والعملاء التروتسكيين والمخربين في جهاز الدولة أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي إبّان الحرب العالمية الثانية، فترة قيادة جوزيف ستالين، والتي كان لها دور هام في الانتصار على الفاشية. كما يدفعنا أيضاً للتساؤل عن دور هذه القوى بالذات في التسويق عبر الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، لمفهوم حصري واحد ومحدد وضيّق لمقولة «التطهير»؟!
قبل وبعد فتح الباب «الكيميائي» لأية تسوية، كان ومازال وسيظل واجباً الاستعداد للدفاع عن الوطن ضدّ أي عدوان، عبر تعبئة جميع القوى الوطنية في جميع المواقع، رغم خلافاتها الثانوية، من نظام ومعارضة، مدنيين وعسكريين ومسلحين.
فليكن شعارنا «الإصبع على الزناد والأظافر في عنق الفساد» لأنّ بوارج أمريكا، وزوارقها التافهة من «المعارضة» اللاوطنية، وحيتان الفساد الداخلي، جميعاً يسبحون معاً في تيار واحد، ضدّ المصلحة الوطنية العامة لسورية ومستقبلها وطناً وشعباً، والأهم من ذلك، ضدّ التاريخ نفسه، ولذلك لا بدّ أن يغرقوا جميعاً معاً وبئس المصير.