ليبرالية «العمامات»!

ليبرالية «العمامات»!

في ظل الدور المضطرد لوسائل الإعلام، بتشكيل الوعي الاجتماعي وتنميطه وتوظيفه بما يعبر عن مصالح هذه الجهة أو تلك في سياق الصراع الحاد الدائر اليوم سواء ضمن كل بلد على حدة، أو على مستوى الإقليم يجد المتابع أن هذا الوعي النمطي الزائف يحاول تجاوز كل ما أبدعه العقل البشري في الحقل المعرفي – السياسي حتى تلك المفاهيم التي أصبحت ثوابت علمية!

ومن جملة هذه المحاولات الجمع بين الليبرالية، والفكر الديني، فنجد أحداً من دعاة الليبرالية، يستميت في الدفاع عن حق قوى دينية حتى لو كانت تحمل فكراً تكفيرياً، ونجد هذه الجماعة الدينية أو تلك تتبنى الاقتصاد الليبرالي وتتحدث بالمفاهيم الليبرالية، مع العلم  أنه من حيث الظاهر من المفروض أن يكونا طرفي نقيض، فما الذي يجمع بين من ينتمي إلى فكر ديني «سلفي» مقيد بالنصوص، ومن يتبنى الفكر الليبرالي الذي يعتمد «الحرية» الفردية كنقطة انطلاق له؟
إن هذا «الوعي» الهجين المركّب الجامع بين المتناقضات، هو أداة تسويق «ثقافة» جديدة، اغترابية عن ضرورات الواقع الموضوعي، وهو اغتراب نحو ما يسمى الحداثة الغربية من جهة،  واغتراب نحو اجتهاد ديني ينتمي إلى قرون غابرة، ولكن الخيط السري الذي يربطهما ببعضهما هو خدمة مصالح بعينها، مصالح شرائح محلية بالمعنى الإقليمي هي الكومبرادور، ومصالح قوى دولية رأسمالية تحديداً، سواء كان هذا التقاطع نتاج مستوى معرفي، أو نتاج دوائر بحثية متخصصة تعمل في مجال الحرب الإعلامية النفسية.
إن اعتماد هذا الثنائي في محاولة الهيمنة على الوعي الاجتماعي، تستند إلى محاولة محاكاة حاجات حقيقية مادية وروحية لشعوب الشرق، فالعسف والاضطهاد والفقر والبطالة والتهميش، والإحساس المزمن بالظلم يتطلب الحديث عن الحرية، والعدالة والمساواة، والإخاء.. والشعور بالعجز وسيكولوجية الإنسان المقهور، والرغبة في الانعتاق يتطلب البحث عن قوى خارقة، و«جنوداً لم تروها» قادر على صنع المعجزات، ولأنها تحاكي تلك الحاجات فإنها تجد فرصاً في بعض الأحيان في التسويق والترويج.
ولكن مأزق هذا الوعي الزائف والهجين، أنه ياتي في مرحلة نشاط سياسي عالٍ للجماهير، نشاطً سينتج وعياً جديداً، ويحقق بالضرورة الشرط المعرفي اللازم للوصول إلى بنى تاريخية جديدة، أحزاباً وأنظمة وبلداناً، فبرامج ليبرالية العمامات هي برامج جديدة شكلاً وقديمة مضموناً وغايةً، وهي غلاف لبضاعة مستهلكة، وبعبارة أوضح هي رأسمالية مفلسة بالمعنى التاريخي، بعد أن أكدت أنها عاجزة عن تلبية حاجات الإنسان.