«قيصر»: المستنقع والاحتيال السياسي
دخلت حزمة العقوبات الأمريكية الجديدة «قيصر» حيز التنفيذ يوم أمس الأربعاء، ويمكن القول إنها دخلت بـ«عراضة» من التهليل والتصفيق والترحيب من جانب ذلك النوع من الشخصيات الذي كان قبل تسعة أعوام يستجدي التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة، والعسكري خاصة.
أهم من ذلك، (ضمن هذه العراضة)، التوقعات والتحليلات التي تربط قيصر بالحل السياسي، بل وتحاول تصويره على أنه سيكون الضربة الأخيرة التي ستؤدي إلى تنفيذ القرار 2254.
ما ينبغي توضيحه في هذه المسألة، هو جانبان أساسيان لما نعتقد أنه خطة العمل الأمريكية الراهنة اتجاه سورية:
أولاً: (المستنقع)
ليس هنالك أفضل من جيمس جيفري نفسه للتعبير عن أهداف الولايات المتحدة الحقيقية في سورية بقوله: «وظيفتي أن أجعلها مستنقعاً للروس». تتضمن هذه الوظيفة جملة أدوات، بينها العمل ضد تنفيذ سوتشي، العمل لشرعنة النصرة، تكثيف جهود عزل الشمال الشرقي السوري عن أي حل قادم. (في هذا السياق فإنّ مصادر مقربة من المحادثات التي قادت إلى إعلان الاتفاق بين مسد والمجلس الوطني الكردي، قالت لنا إنّ مساعد جيفري وليم روباك الذي كان الراعي الأساسي للاتفاق، قد مارس ضغوطاً غير مسبوقة لإعلانه رغم عدم حل القضايا الأساسية العالقة بين الطرفين، بل وربط موعد الإعلان بسفره هو!).
قانون قيصر نفسه، والعقوبات الثقيلة التي يفرضها، والتي لن يتضرر منها سوى عموم السوريين وأكثرهم ضعفاً، أي ما يصل إلى 90% منهم، هو أداة إضافية ضمن سياسة المستنقع، وصولاً إلى إعادة تفجير البلاد بشتى أنواع الصراعات، إنْ استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
ثانياً: (الاحتيال)
ليس من الصعب الاستنتاج أنّ ظروف التطبيق الفعلي للقرار 2254 قد نضجت إلى حد بعيد، وعلى يد مسار أستانا بالذات؛ ولذا فإنّ العمل الاستعراضي الأمريكي، وكذا أزلام الأمريكان ضمن القوى السياسية السورية، للقول إنّ قيصر هو من (سيخرج الزير من البير)، إنما يستهدف بشكل متوازٍ الوصول إلى واحد من السيناريوهات التالية:
- استثارة ردة فعل قوية من ثلاثي أستانا بحيث يستمهل هؤلاء في عملية الدفع باتجاه تطبيق 2254 كي لا يظهر الأمر وكأنه انتصار سياسي للأمريكان. ردة فعل كهذه من شأنها فقط أن تزيد من عمق المستنقع وخطورته.
- إذا كان ولابد من الذهاب لتنفيذ 2254، وهو ما لا يريده الأمريكيون، فلتكن إذن حصة الأمريكيين السياسية كبيرة ضمنه، وليتم تصويره لا كهزيمة لهم كما هو حقيقة، بل على العكس من ذلك: كانتصار جاء جراء مفاعيل «قيصرهم»!
- وأياً يكن السيناريو الذي سيتحول إلى واقع، فإنّ أدوات إبقاء المستنقع لأمد طويل ستبقى قائمة بيد الأمريكان عبر قيصر نفسه، وعبر إبعاد الشمال الشرقي عن عملية التغيير.
العيب الأساسي في كل الحسابات الأمريكية، وفي كل السيناريوهات الأمريكية، أنها تعاني من اعتداد مبالغ به بقدرة الولايات المتحدة على التأثير في مسار الأحداث العالمية، وكذا الإقليمية والمحلية للدول... الآلية التي ستسير وفقها الأمور في سورية، واستناداً إلى إرادة السوريين وإلى الموازين الدولية الفعلية، وإلى القرار 2254 بالذات، ستكون خارج الاحتمالات المرغوبة من طرف الأمريكان... وهو ما ستتم ترجمته على أرض الواقع في آجال غير بعيدة.