افتتاحية قاسيون 638: «جنيف-2» انتصار ينبغي استكماله
تسعى وسائل إعلامٍ وقوىً سياسية متعددةُ لنشر جوٍ عامٍ من التشاؤم حول جنيف-2 ومآلاته، في استكمال منها لمحاولاتها منع عقده أو تأجيله أو تسويف نتائجه مسبقاً. وباتت تستند اليوم في محاولاتها الجديدة إلى مجريات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التي لم تخرج في طروحاتها عن المواقف المتشددة المألوفة. ولكن بغض النظر عن ذلك ينبغي تثبيت الحقيقة التالية:
إنّ مجرد انعقاد جنيف هو من حيث المبدأ انتصار لقوى السلم العالمي في مواجهة قوى الحرب والفاشية الجديدة والإرهاب، التي بذلت قصارى جهدها بكل وسائلها للمنع أو العرقلة أو التأجيل، سواء عبر «لعبة» دعوة إيران ثم سحبها، أو عبر التمثيل الهزيل وغير الموضوعي للمعارضة، أو عبر إضافة عشرة دول تغرد في الفضاء الأمريكي في الساعات الأخيرة قبل المؤتمر.
وإن انعقاد المؤتمر هو «انتصار» لأنه انعطاف نحو أفق جديد لحل الأزمة السورية- أفق الحل السياسي، واعتراف ضمني من الأطراف جميعها أن لا حلول عسكرية لهذه الأزمة، وتثبيت لخيار العملية السياسية كطريق لحل الأزمات خلافاً لإرادة الجناح الفاشي الأمريكي ومن يدور في فلكه.
وعلى الرغم مما تخلل وتلا الجلسة الافتتاحية من محاولات لبث الروح مجدداً في طروحات «الحسم» و«الإسقاط»، فإن ذلك يأخذ الآن معنىً خاصاً كون المتشددين في طرفي الصراع باتوا مع انعقاد جنيف يعيشون ذروة خوفهم من الذهاب باتجاه الحلول السياسية. فهم على يقين أن الحل السياسي لن يقف عند إلقاء المواقف ضمن جلسةٍ افتتاحيةٍ يعود كل منهم بعدها إلى سيرته السابقة وطريقة عمله السابقة، فهذه الجلسة هي بداية الحل السياسي وحسب، وبقية هذا الحل تتضمن تغييرات جدية تخضع في نهاية المطاف لإرادة السوريين الحقيقية التي يحاول الكثيرون القفز فوقها وترهيبها بصوت الرصاص أو بالتمترس خلف المواقف المسبقة ذاتها.
ولعل أجلى صور تخوف البعض من متطلبات الحل السياسي هو الهجوم على أصحاب الفكرة الأوائل رغم عدم وجودهم– حالياً- على طاولة جنيف، ما يعني أن قوة البرنامج (الذي انتقل أول بنوده لحيز التطبيق عبر انعقاد جنيف بحد ذاته) تفعل فعلها حتى وإن لم يحضر أصحابها بشكل مباشر، فالبرامج الصحيحة المستندة إلى استحقاقات التغيير والحفاظ على الوحدة الوطنية وتوحيد جهود السوريين جميعهم ضد التدخل الخارجي، هي برامج تستمد قوتها وقدرتها على الفعل من كونها تعبيراً موضوعياً عن إرادة التطور والسير إلى الأمام التي تفرضها الحياة..
وإذا كانت إعاقة انعقاد المؤتمر قد استندت في السابق إلى تشدد «المعارضة الخارجية» وشروطها المسبقة، فإنّ تذليل هذه العقبة وإخضاع هؤلاء أسند مهمة جديدة لقوى الإعاقة، وهي محاولة إفشال المؤتمر عبر «المعارضة الداخلية» هذه المرة، وذلك بالقول الصحيح بأن ائتلاف الدوحة لا يمثل المعارضة كلها وربما لا يمثل شيئاً سوى مموليه، والانطلاق من هذه الحقيقة لبناء باطل عليها هو أن جنيف-2 لن يأتي بنتيجة، وينبغي البحث بالتالي عن بدائل..
إن أخطار محاولات نسف جنيف لا تزال قائمة ولكنها تضعف تباعاً، وإن نتائجه لن تظهر فورياً كونها تتعلق بالتعديلات الموضوعية المطلوبة على جملة من المسائل المرتبطة به بما فيها التمثيل والحضور وجدول الأعمال وأولوياتها. وبين هذا وذاك سيستمر الهجوم السياسي والإعلامي على كل من يحمل برنامجاً جدياً للتغيير المطلوب، لتبقى أمام جنيف وظيفةً أساسية هي تمهيد مناخ الحوار الداخلي وشروط نجاحه، عبر إعادة مركز ثقل المسألة السورية إلى الداخل السوري، وذلك بإيقاف التدخل الخارجي وإيقاف العنف وإطلاق العملية السياسية، لإنجاز المهمة الوطنية الأولى حالياً والمتمثلة بوقف الكارثة الإنسانية بكل ما يتطلبه ذلك، ومن ثم الاحتكام إلى السوريين عبر صناديق الاقتراع. وإن أولئك الذين يعيقون تحقيق هذه المهام إنما يخشون رأي السوريين، ما يجعل استكمال عناصر نجاح جنيف مسؤولية وطنية من الطراز الأول.