من سيفوز بـ جائزة إعمار سورية ؟!
تسيل شهية العالم الرأسمالي منذ عدة أشهر للفوز بعقود إعادة الإعمار في سورية ، وليس مستغربا ان يتوقف نجاح أو فشل "مؤتمرات جنيف" القادمة بقدرة أو عجز الدول المشاركة في الحرب على سورية على تقاسم "جائزة" إعادة الإعمار !
وعندما يشير النائب الإقتصادي الأسبق الدكتور قدري جميل إلى أن سورية بحاجة إلى 5 سنوات لمرحلة إعادة الإعمار فهذا يعني أن "حلف الإرهاب" سيعمل على أن تكون له الحصة الأكبر في هذه العملية الإقتصادية المغرية ، وبالتالي لن يقبل بسهولة أن يخسر بإسقاط النظام وبإعادة إعمارسورية في آن معا !
وعلى الرغم من قول الدكتور جميل بأن حجم الأضرار غير معروف "ولايمكن لأحد حصرها فإن تقديرات من يسمون أنفسهم "خبراء" تتراوح بين 73 ـ 200 مليار دولار !
وعلى الرغم من أن الدكتور جميل حسم الأمر بقوله ان عملية "محاصصة سورية في إعادة الإعمار لن يتم فهذه مهمة السوريين" .. فإن المحاولات مستمرة ترافقها ضغوط جبارة لإغراء سورية بالوقوع في فخ العروض الغربية لعودة "الليبرالية " من باب الإعمار!
والسؤال هنا : من سيفوز بما يسمونه "جائزة إعمار سورية؟
أعلنت ثلاث جهات حتى الآن عن رغبتها بالتقدم للفوز بالجائزة :
1 ـ الولايات المتحدة الأمريكية.
2 ـ الإتحاد الأوروبي.
3 ـ أنظمة الخليج .
وبما أن هناك تناغم وتكامل "لاتنافس" بين هذه المنظومات السياسية الغربية فهي ستعمل بالتكافل والتناغم فيما بينها كي تفوز بالجزء الأكبر من "الكعكة السورية"!
وبما أن هذه المنظومات كانت تخطط لتمكين إئتلاف اسطنبول" لحكم سورية لتتمكن بدورها من "لبلرة" الإقتصاد السوري .. فإن سقوط مشروعها جعلها تنتقل للخطة "ب" وهي فرض شروطها لإنهاء تدمير سورية من خلال قبول الحكومة بتلزيم إعادة الإعمار لشركاتها الغربية والخليجية !
السؤال الآن : هل تقدمت هذه المنظومات الغربية والخليجية بعروض فعلية إلى الحكومة السورية؟
نعم .. لقد فعلتها وبوقاحة منقطعة النظير !!
أتى العرض الأول "الأوقح" والأكثر صفاقة من الولايات المتحدة الأمريكية عبر "البنك الدولي" باسم مشروع "مارشال سورية" !
وكشف الرئيس بشار الاسد، بحسب "الاخبار"، إنَّ "البنك الدوليّ نفسه - وهو لا يتحرَّك من دون مشيئة الولايات المتَّحدة وإذنها - قدَّم له عرضاً "سخيّاً" لمنحه قرضاً قيمته 21 مليار دولار، بشروط ميسَّرة، مبدياً (البنك) رغبةً ملحَّةً في تمويل مشاريع إعادة الإعمار. وكلّ ذلك من طريق عرَّاب الخصخصة الشهير في سوريا، عبد الله الدردريّ.
تكمن خطورة هذا المشروع ليس بهدفه المعلن إعادة إعمار سورية ، وإنما بإحراقها من الداخل .
يستند هذا المشروع على قبول الحكومة السورية التي ستتشكل بعد حل الأزمة دفعات من البنك الدولي تصل إلى 21 مليار دولار، مشروطة باستكمال تحرير التجارة والخصخصة، وبرفع الدعم كلياً وإنهاء دور الدولة في السوق، وبتشريعات تسمح للاستثمارات الأجنبية باستقدام ما يصل إلى 40% من عمالتها من خارج سوريا.. إضافة إلى سياسات ضريبية شديدة التساهل مع الاستثمار الأجنبي !
طبعا لم ترسل الإدارة الأمريكية مبعوثا مباشرا للبنك الدولي لمفاوضة الحكومة السورية على مشروع "مارشال سورية" .. فالمبعوث "جاهز " بل كان من "أهل البيت" وهل يوجد أفضل و"أصلح" من النائب الإقتصادي السابق عبد الله الدردري لهكذا مهمة ؟!
ويروج لمشروع الدردري حسب مقال علاء أبو فراج في جريدة الأخبار ـ العدد 2006 .. الاقتصادي أيمن قحف، رئيس تحرير "موقع سيريان ديز" الذي نوّه في مقابلة على قناة «روسيا اليوم»، بالتحضيرات و«بالعمل الكبير» الذي تقوم به «الأسكوا» بزعامة كبير اقتصادييها عبد الله الدردري، لكي «نعرف ماذا علينا أن نفعل في اليوم الأول بعد الأزمة "!
العرض الثاني أتى من الإتحاد الأوروبي تحت عناوين :تنمية محلية، تنشيط المجتمع المدني، مساعدة النازحين، إعادة تأهيل المسلحين، والعمل على إعادة دمج المقاتلين في مجتمعاتهم السابقة، أو الجديدة المستحدثة. .
وحسب العرض سيتم تمويل المشروع من قبل مختلف المؤسسات الدولية المعنية ومن قبل الاتحاد الأوروبي مباشرة!
والوكيل المباشر لممثلي الإتحاد الأوروبي، المانيا ،عبر مصرفها "قروض التنمية"الذي أنشئ سنة 1948 بعد الحرب العالمية الثانية، كجزء من خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا !
والمصرف مؤسسة ألمانية رسمية بالكامل تعود ملكيته بنسبة 80 بالمئة إلى الدولة الألمانية الفدرالية وبنسبة 20 بالمئة إلى الكيانات الفدرالية الألمانية المختلفة !
وللمصادفة البحتة فإن المصرف نفسه قام بمشاريع التنمية في الجزائر بعد هزيمة "التكفيريين" في حربهم ضد الحكومة الجزائرية لمدة عشرة أعوام !
وللمصادفة البحتة أيضا فإن مصرف قروض التنمية الألماني هو نفسه الذي تولى تنفيذ برنامج مماثل في الصومال، عقب فشل واشنطن في مقديشو، وتمهيداً لخروجها من وحول تلك البلاد التي أدخلت إلى قواميس الحروب الأهلية ـــ الخارجية، "مفهوم الصوملة".
والمشروع بدأ فعليا قبل موافقة الحكومة السورية واتخذ مركزا له في غازي عينتاب التركية.
أكثر من ذلك حدد الإتحاد الأوروبي مدة أربع سنوات لتنفيذ المشروع .. قابلة للتجدييد !
أما العرض الثالث فهو من أنظمة دول الخليج ويمهد لهذا العرض منذ فترة أمير قطر الجديد ، وإطلاق المخطوفين اللبنانيين في إعزاز ليس سوى صفقة لعودة قطر من الباب اللبناني ، وهي تطرق حاليا الباب الإيراني لتوجيه رسائل لسورية بأنها مستعدة لدفع ثمن سفكها للدماء السورية بالمساهمة بإعادة إعمار مادمرته مجموعاتها الإرهابية ومجموعات التكفيريين الخليجيين بزعامة الوهابيين السعوديين !
كما تدخل الإمارات العربية المتحدة بقوة للفوز من "كعكة" إعادة الإعمار تارة من خلال عقد المؤتمرات الخاصة بتمويل مشاريع الإعمار ، وتارة بالتسويق لمشروع الدردري الذي يطلقون عليه منذ فترة "مبعوث الغرب والخليج إلى سورية!
والسؤال المهم الآن ليس : ماحظ هذه العروض بالفوز بـ "جائزة إعادة إعمار سورية"؟
وإنما السؤال : ماذا عن البدائل ؟
في الواقع البدائل التي تحفظ سيادة سورية واستقلالها السياسي والإقتصادي كثيرة .. ويجب أن يكون محورها رفض أي دولة شاركت بالتآمر والحرب على وطننا بإعادة إعمار سورية !
كما أن قيام الحكومة السورية بمطالبة المتآمرين بدفع تعويضات عما ارتكبوه من قتل للسوريين وعما الحقوه من تخريب ودمار في البلاد .. أمر مطلوب بل واجب وطني ، لكنه يجب ان ينفصل تماما عن مشروع إعادة بناء سورية الجديدة !
ويجب أن نرفع شعار: لامكان لكل من تآمر في مستقبل سورية الجديدة .
وإذا كان الدردري المروج لمشروع مارشال سورية يقول :إن الكثيرين يخافون من شروط البنك الدولي لكن الواقع يقول إننا لا نستطيع الإعمار من دون قروض» .. فإن الباحث الاقتصادي في جامعة "غرونوبل" الفرنسية، وعضو حزب الإرادة الشعبية، سلام الشريف قدّم تصوراً مغايراً تماماً لذاك الذي يبشّر به الدردري فهو يرى بأنّ التمويل الأساسي يجب أن يكون داخلياً من خلال وضع اليد على جزء من مقدرات الفساد المتراكمة، إضافة إلى التركيز على القيم المطلقة الكامنة في قطاعات عديدة غير مستثمرة بعد ، وإذ يرى أنّ الحاجة إلى الاقتراض لا يمكن إنكارها كلياً، فإنه يؤكد أن حلقة احتكار التمويل من قبل الدائرة الغربية قد تم كسرها فعلاً عبر مقرضين جدد على رأسهم الصين التي تعتمد على الإقراض العيني الملموس بالتصنيع ، وبشروط أفضل بما لا يقاس من شروط الإقراض الغربي .
كما ان الدكتورة لمياء عاصي وزيرة الإقتصاد السابقة طرحت مشروعا متكاملا للتنمية وإعادة إعمار سورية من أهم بنوده إنشاء هيئة وطنية لإعادة الإعمار .
وإذا كانت الحكومة جادة بإعادة الإعمار بالإعتماد على النفس وبمساعدة الدول الحليفة والصديقة والزنود السورية فعليها أن تبث الحياة في القطاع العام الإنشائي وتعيد أمجاده الماضية !
هذا القطاع هو الذي بنى سورية التي نعرفها منذ أربعين عاما بسدودها وجسورها وطرقاتها ومدارسها ومشافيها ومدنها الجديدة ومرافقها الخدمية على اختلاف أنواعها ومسمياتها ..
فلنعد الحياة للشركات الإنشائية ونمدها بالآليات والكوادر الهندسية والحرفية التي عملنا على مدى أكثر من عقدين من الزمن على تهجيرها إلى اصقاع الأرض وبخاصة إلى دول الخليج .. فهذه الشركات كفيلة بإعادة إعمار سورية بالتعاون والتنسيق مع الدول الحليفة والصديقة !
دام برس