جميل: عندما تحدثنا بالحل السياسي بالبداية اتهمنا متشددو الطرفين بالخيانة
أجرت قناة «برافدا» الناطقة بالروسية في موسكو يوم الاثنين 7/9/2015 لقاءً تلفزيونياً مع د.قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، وعضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، تناول تطورات المشهد السياسي السوري والجهود المبذولة لتسريع إطلاق الحل السياسي للأزمة السورية، هذا نصه:
مرحباً بكم، أنتم تشاهدون برنامج "وجهة نظر" ومعكم أنا سعيد غفوروف وضيفنا اليوم هو شخصية مميزة، القيادي في حزب الإرادة الشعبية السوري، وفي جبهة التغيير والتحرير في سورية د.قدري جميل.. مرحباً بكم دكتور.
مرحباً
لقد فاتني أن أذكر أنكم كنتم نائباً لرئيس الوزراء وأنكم في المعارضة. في أي موقع أسهل عليكم أنت تكونوا في مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء أم في مقعد المعارضة، أيهما أسهل؟
إنها المرة الثالثة التي تسألونني فيها عن ذلك في المقابلات. لقد دخلنا الحكومة بصفتنا معارضة. لقد اتخذنا موقفاً شجاعاً وخاطرنا- والمخاطرة هي أمر نبيل- للوصول الى حكومة ائتلافية مصغرة. الجميع الآن يتحدث عن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية للخروج من الأزمة، وكان هذا رأينا منذ مطلع العام 2012 في ذلك الوقت كان هناك تشدد من الجانبين كليهما، أحد الأطراف كان يسعى للإطاحة بالنظام، والنظام كان يريد التخلص من المعارضة بالقوة. أما وجهة نظرنا فكانت أنه لن يتسنى للجانبين تحقيق ذلك لأن الأزمة السورية لا تحل بالقوة. هذا مستحيل، ليس ذلك لأن الجيش السوري ضعيف، وليس بسبب ضعف المعارضة، بل لأن ميزان القوى الدولي بعد الفيتو الأول الروسي الصيني كان رسالة مفادها: أنه لم يعد مسموحاً للأمريكيين أن يكرروا ما قاموا به في العراق وليبيا، وذلك من حسن حظ الشعب السوري. لا أحد يقول أنه لا يجب تغيير النظام، بما في ذلك نحن في المعارضة، ولكن كيف يجب أن نغيّر النظام؟ إذا استخدمنا الوصفة الأمريكية للتغيير فإن تداعيات ذلك هي انهيار جهاز الدولة وانتشار الفوضى في المجتمع، والتجربة أثبتت ذلك من قبل. لكن ذلك لا يعني على الإطلاق أنه لا يجب تغيير النظام لكن بأي شكل يجب أن يكون هذا التغيير؟ لذلك نحن برأينا التغيير يجب أن يكون تدريجياً وسلمياً على أساس حق الشعب في تقرير مصيره، حيث يكون الشعب هو من يختار نظامه السياسي وقيادته. لقد قلنا ذلك منذ البداية، وكنا قلة، ولكن اليوم كل العالم يقول ذلك. الغرب والشرق والمعارضة والحكومة، الجميع يقولون ذلك وهذا من دواعي سرورنا، ولا نريد أن نتباهى بأننا كنا أول من قال ذلك. المهم أن الجميع توصلوا إلى هذه النتيجة. ولذا دخلنا إلى الحكومة كمعارضة لنعطي مثالاً لقوى المعارضة الأخرى ويفهموا أن ذلك ممكن. ولكن للأسف، وسأقول ذلك لأول مرة، أن النظام لم يستفد من هذه الفرصة، ولم يتفق مع الجزء المعتدل من المعارضة حول التغيير التدريجي، لابل على العكس تظاهر النظام بإجراء تغييرات عندما كنا ما نزال في الحكومة، ولذا وصلنا في نهاية المطاف إلى نقطة اللاعودة عندما خرجت من الحكومة. كانت محاولة ولم تنجح وكما يقال في الإسلام فمن اجتهد وأخطأ فله أجر، ومن أصاب فله أجران..
هل من الممكن القيام بمحاولة ثانية في المستقبل؟
على قاعدة أخرى هذه المرة، على قاعدة بيان جنيف1.
لكن هلا سمحت لي بالسؤال، حتى الآن جرت ثلاثة لقاءات في موسكو أليس كذلك؟
اثنان
نعم اللقاء الثاني للمعارضة السورية ...تأتون إلى موسكو وتجرون مباحثات هل تمكنتم من التوصل إلى شيء؟
أجل، ويمكنني القول أن الأمر كان صعباً للغاية، اللقاء الأول كان الأول من نوعه تاريخياً بالمعنى الحرفي للكلمة بين المعارضة والنظام، لأنه على مدى السنوات الأربع من الأزمة لم يحدث ذلك. لم نتمكن من التوصل للكثير في اللقاء الأول، ولذلك يمكن القول إنه كان لقاء تعارف، تعرفنا خلاله على بعضنا البعض. وهذا جيد لأنه لم يحدث من قبل، وكان يجب أن نخطو الخطوة الأولى آجلاً أو عاجلاً. أما اللقاء الثاني فقد أضعنا فيه الكثير من الوقت في مناقشة عدد من المواضيع، وفي نهاية المطاف استطعنا التوصل إلى الحد الأدنى من الاتفاق، من خلال وثيقة سياسية أجمع عليها المشاركون كلهم ويلتزم من خلالها الجميع ببيان جنيف 2012 وذلك هام جداً، ومن ثم الذهاب إلى جنيف3.
ألن يكون هناك جولة ثالثة في موسكو؟
سنتحدث عن ذلك. ما الذي توصلنا إليه في الجولة الأولى والثانية؟ لقد أقر النظام لأول مرة ببيان جنيف1. ووافق على المضي قدماً نحو جنيف3.
إذاً سيكون هناك جولة ثالثة في جنيف؟
أجل وتجري الآن أعمال تحضيرية كما تصرح وزارة الخارجية الروسية، وكما نرى من خلال مجريات الأمور أن هناك أعمالاً تحضيرية جدية للغاية لعقد جنيف3. ولكن، لم يتم تحديد موعد له بعد. الآن أبلغوني في الأمم المتحدة بأن اللجان الأربع التي أعلن عن تشكيلها دي ميستورا في مجلس الأمن ستبدأ عملها في الشهر الجاري.
أين؟
في جنيف.
وستكونون هناك؟
نعم أعتقد أننا سنكون هناك. وهذه الأعمال ستستمر حتى الخامس عشر من تشرين الثاني، حيث يجب على دي ميستورا أن يعرض تقريره في مجلس الأمن مرة أخرى. وفي تشرين الأول سيكون هناك اجتماع "مجموعة العمل" أو "مجموعة الاتصال" للقوى الإقليمية والدولية ذات الصلة بالأزمة السورية، بما في ذلك إيران لمناقشة مسألة عقد جنيف3 حسب اعتقادي، بما في ذلك جدول أعماله، وكذلك المشاركون من المعارضة. أما مسألة جنيف2 الذي باء الفشل فتكمن في أن الأمريكيين أصروا على احتكار تمثيل المعارضة بالائتلاف.
المقصود هنا الثوار الذين يعيشون خارج البلاد؟
لا أعلم إلى أي حد يمكن أن نسميهم ثواراً، فقسم هام منهم يقيمون في فنادق خمس نجوم في اسطنبول ومدن أخرى. لكن الأمريكيين وكذلك الأمم المتحدة أصروا على أن هؤلاء هم الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة السورية، وأحياناً للشعب السوري. الآن تجاوزنا ذلك لأن الأمريكيين وروسيا والسعودية اتفقوا على أنه لن يكون الائتلاف هو الطرف الوحيد الذي سيمثل المعارضة في مؤتمر جنيف3 وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام. ولكن لم يتم تحديد التفاصيل حول كيفية تمثيل المعارضة. ليس هناك اتفاق حول ذلك بعد، لكن تم تجاوز العقبة الأهم، تقرر أنه سيتم تمثيل الطيف المعارض كله. وبهذا الخصوص بالمناسبة وجهنا في المعارضة خلال لقاء موسكو2 نداءً للأمين العام للأمم المتحدة للإسراع في عقد مؤتمر جنيف3 بغية حل الأزمة السورية على أساس جنيف1 وإعادة النظر في أحد أسباب فشل جنيف2 المتمثل في تركيبة وفد المعارضة المشارك، وطالبنا بأن يكون وفد المعارضة متعدد الأطراف، وأن يمثُل الجميع بشكل عادل. لذا ومن أجل أن تكون الأمور واضحة، فإن لقاءات موسكو1 وموسكو2 هي لقاءات تشاورية لتمهيد الطريق لمؤتمر جنيف وفتح القنوات إليه.
هل كانت النتائج مفيدة؟
مفيدة جداً. معيار النجاح تحدده الوقائع على الأرض، أليس كذلك؟ الجميع الآن يتحدثون عن جنيف3 وباعتقادي يعود فضل كبير بذلك للقاءات موسكو1 وموسكو2 ولولا ذلك ما كان بمقدورنا أن نكسر حالة الاستعصاء في جنيف2 والمضي قدماً نحو مؤتمر جنيف3 والتحضير الجاد والفاعل له. الآن لنعد للسؤال حول موسكو3، البعض في النظام والمعارضة متحمس لموسكو3. أنا شخصياً لست ضد موسكو3. ولكن يجب أن يكون لهذا اللقاء دور وظيفي. الدور الوظيفي لموسكو1و2 مفهوم ولكن إذا بدأنا بالتحضير لجنيف3 فلماذا علينا الذهاب لموسكو3؟ لتأجيل جنيف3؟! نحن في غنى عن ذلك، لكن إذا ما واجهتنا عقبات فيمكننا أن نفكر بالموضوع وقد تحدثنا عن ذلك مع السيد لافروف خلال لقاء وفد لجنة متابعة نداء موسكو معه، واتفقنا على أن موقفنا من موسكو3 سيكون نوعاً من البراغماتية السليمة. إذا كان من المفيد عقد اللقاء، فأهلاً وسهلاً أما إذا كان اللقاء عائقاً أو عامل تأجيل لجنيف3، في حال كان العمل على التحضير له يسير على قدم وساق فلا. ولكن لا يمكن الآن الحديث عن ذلك بشكل حاسم يجب علينا أن نتأنى وأن نتابع الأحداث وتطورها وأن نتخذ القرار العملي بالظرف الملموس.
وماذا كان رد لافروف بهذا الخصوص.
كانت لدينا وجهة نظر واحدة.
هل قال لكم أي شيء جديد أو مفاجئ بالنسبة لكم؟
لا، إن إحدى السمات المعروفة لموقف موسكو أنه متزن، ولم يتبدل منذ بداية الأزمة السورية...
..حق الشعب السوري في تقرير مصيره.
نعم، والحل السياسي للأزمة السورية، وأنه لا يجوز حل الأزمة عسكرياً، الجميع الآن يتحدث عن ذلك. لكن لو تحدثت عن ذلك قبل أربعة أعوام لألصقت بك تهمة "الخيانة"، لو تجرأت وقلت: أنه لا يمكن للحل أن يكون عسكرياً.
ولكن نائب وزير الخارجية السوري، على ما أذكر، قال: أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة.
أنا لا أتحدث هنا عن النظام فحسب وإنما عن المتشددين من الطرفين.
نعم أفهم ذلك، ولكن... طرحت عليكم هذا السؤال من قبل وهو أن النظام كان قد بدأ بإجراء إصلاحات وتم وضع دستور جديد للبلاد وأنتم كنتم أحد واضعيه.
لست راضياً عن الدستور بكليته، أنا راض فقط عن إلغاء المادة الثامنة.
لكنكم أحد واضعي الدستور الجديد؟
ومن قال لكم أن جميع أفكاري لاقت قبولاً، قد يكون معظمها تم رفضه؟ وقد صوت حزبنا بـ"نعم" لأنه تم إلغاء المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، في حين أنه في الدستور الجديد هناك أساس تعددي للحياة السياسية. ولكن هناك الكثير من المواد التي اختلفنا حولها بشدة، مثلاً طالما أن الحديث يدور حول الانتخابات البرلمانية المقبلة...
هل سيكون هناك انتخابات استثنائية؟
في الحقيقة لا يمكنني فهم ذلك إذا كان قد تبقى للانتخابات تسعة أشهر ما معنى أن تجري انتخابات استثنائية؟؟ وإذا كان الاتفاق بين النظام والمعارضة حول الانتخابات سيأخذ حوالي شهرين أو ثلاثة، والتحضير للانتخابات كذلك يتطلب شهرين أو ثلاثة.. بالتالي سيكون لدينا انتخابات قبل أوانها بثلاثة أشهر. هل يستحق هذا الحديث عن "انتخابات مبكرة". في ذلك الوقت كانت هناك خلافات عديدة، وكنت قد هددت بأني سأخرج من لجنة الدستور لأنه تم رفض المقترح الذي طرحته حول إعطاء البرلمان حق منح الثقة للحكومة، وبالمناسبة الدستور السوري بحلته الجديدة هو أحد الدساتير القليلة في العالم الذي لا يعطي للبرلمان الحق بمنح الثقة للحكومة، لكنه يعطيه الحق بحجب الثقة! وفيما بعد، عند تشكيل الحكومة فإنها تتلو بيانها الوزاري وتمضي للعمل! بينما لا يملك البرلمان أية حقوق بخصوص تشكيلها، حينها قلت لهم: هذا غير معقول إذا كنتم تعطون للبرلمان حق سحب الثقة فكيف يمكنكم حرمانه من حقه بمنح الثقة؟ فكان جوابهم بأن دعونا نسوي الأمر هكذا. وقالوا حينذاك أنه بعد سنة ونصف سنعود لهذه المسألة ونعيد التقييم لأننا نخشى أنه إذا أجريت الانتخابات ألا تكون الأغلبية في أيدينا وقد تكون في يد القوى الرجعية لذلك لا نريد إعطاءهم حق تشكيل حكومة... فأجبتهم أنه إذا حصلت القوى الرجعية على أغلبية فهذا سوف يعني أن هناك خللاً ما.. دعونا نفكر في حلول أخرى حتى نتجنب المسألة الفاضحة.. واقترحت حينها أن يناقش برنامج الحكومة على شاشة التلفزيون أمام كمرات التلفزة وإذا رفض البرلمان البيان الوزاري فإن الرئيس يسمي رئيس وزراء جديد، وكذلك تتم المناقشة بشكل علني. وإذا فشل الأمر للمرة الثانية يتم حل البرلمان. هذه العملية على مدى شهرين من الزمن ويتم تحديد موعد لإجراء انتخابات برلمانية جديدة...وقلت أنه إذا لم نتمكن خلال مناقشات علنية على مدى شهرين أن نصل للشعب ونوضح الصالح من الطالح فذلك سيدل على أن المشكلة فينا نحن، لأننا لسنا قادرين على إقناع الناس أن يقفوا إلى جانبنا، ولا يجوز أن نؤسس برلماناً بلا صلاحيات لأنه كما أثبتت التجربة ذلك كان أحد أسباب الأزمة... القنوات التي كان يجب أن توصل شكاوى الشعب للقيادة السياسية كانت مقطوعة، برلمان مثل هذا لا يستطيع نقل الصورة لأنه لا يتم انتخابه بشكل طبيعي، وإنما يختاره جهاز الدولة أو المال لذلك هو ليس برلماناً حقيقياً، بينما المطلوب برلمان حقيقي يعكس مزاج الشعب فعلياً، وبدون هذا البرلمان لا يمكن لمؤسسات الدولة أن تعمل ولن تستطيع القيادة قياس ضغط الشارع وحرارة الناس وحالتهم.
لطالما كنت أخشى مسألة أخرى أيضاً في الدستور الجديد... في العالم هناك بلدان ديمقراطية حيث يتم انتخاب الرئيس من الشعب، وهناك بلدان ديمقراطية أخرى حيث يُنتخب الرئيس من البرلمان مثل ألمانيا، أو الهند.. في لبنان، جاركم، وفي السابق، كان الدستور ينص على أن البرلمان هو من ينتخب الرئيس، وهذا يعطي للمعارضة إمكانية المنافسة في البرلمان، أما الآن فإن الرئيس ينتخب من الشعب وعندما تكون هناك حرب أهلية في المجتمع، ويكون المجتمع منقسماً ويحصل الرئيس على أغلبية لنقل 60% أو 70% من الشعب لكن الـ30% الباقون يكونون غير راضين لدرجة أنهم يحملون السلاح...هل كان هذا التغيير سليماً؟ وما الذي يمكنك فعله عندما يحصل بشار الأسد على الأغلبية الساحقة من التأييد ولكن الأقلية مستعدة أن تموت وأن تقتل؟
أولاً مسألة الاستفتاء على الرئاسة بدأت في السبعينات، وأعتقد أن هذا كان مشروطاً بعملية بناء جهاز الدولة السورية، حيث أنه منذ الاستقلال وحتى السبعينات كان لدينا جهاز دولة ضعيف جداً، ولذا أعتقد أن نظام الحكم الرئاسي كان هاماً جداً، في حينه، بالنسبة لسورية، أي تركيز السلطة في يد الرئيس لاتخاذ القرارات السريعة العملية الصحيحة، لكن ذلك لا يعني أن الحكومة والبرلمان لا يجب أن يتمتعا بصلاحيات خاصة بهم، وإذا كان ذلك صحيحاً في السبعينات فإنه لم يعد صحيحاً في التسعينات، كان يجب إعادة توزيع السلطات. أما التشبث بالمنظومة القديمة دون إعادة توزيع المهام فهذه هي نتائجه. كل القنوات التي كانت قادرة على إعطاء صورة عن مشاكل المجتمع في وقت مبكر.. كلها كانت مغلقة، لذلك لم يستطع جهاز الدولة ورأس الهرم فيه أن يتخذ القرارات السليمة قبل فوات الأوان، لا بل أصيبوا بالدهشة. مسألة الديمقراطية، لا توجد طبعة واحدة للديمقراطية.. كل شعب يجب أن يختار آلياته الديمقراطية الخاصة به ، أما مستوى الديمقراطية، أي مستوى مشاركة الناس في اتخاذ القرار فتتعلق بدرجة تعقد المسائل التي يجب حلها. والمشكلات التي نحلها اليوم تختلف عن تلك التي كان يجب حلها في السبعينات. تطور اقتصاد البلاد وكان هناك نمواً اقتصادياً للقوى المنتجة. تغير المجتمع ومستوى التعليم تغير، لذا كان من الضروري تغيير منظومة الديمقراطية في سورية، لكنها علقت على المعايير القديمة. ولذلك ظهرت تناقضات عميقة جداً ونرى نتائجها اليوم، وآخرها داعش– الدولة الإسلامية- وهي آخر حلقة في السلسلة. لم تنزل علينا هذه "الدولة الإسلامية" من السماء. كان هناك تدخل خارجي هذا صحيح. ولكن كان هناك أيضاً مشاكل داخلية أعطت المبرر والأسس لظهور هذه القوى.
لكن السوريين يهربون من هذه الدولة الإسلامية وذلك مؤسف للغاية نرى اليوم أزمة في أوربا ويقال أن في روسيا– بالمناسبة– ثمة 150 ألف سوري هربوا من الحرب هل هذا صحيح؟
ليس لدي معطيات وإذا كنتم تقولون ذلك فقد يكون صحيحاً لكني كنت أعتقد أنهم حوالي 30 ألفاً.
بكل الأحول هذا رقم كبير.. أوربا أكبر من روسيا ويدور الحديث عن 100 ألف إنسان..!؟
السوريون في روسيا دخلوا بشكل قانوني، فهم ليسوا لاجئين، بالمعنى الذي نراه اليوم على التلفزيونات، فهم دخلوا بموجب تأشيرات وإلخ... أنا أعتقد أن داعش هي الأداة التي يتم استخدامها لتحقيق أمرين الأول صراع الحضارات ، حسب هنتغتون، والثاني الفوضى الخلاقة (لرايس)، هذه النظريات التي كنا لا نأخذها على محمل الجد، وكنا نسخر منها، تتحقق اليوم على يد داعش وتبين أنها أداة فعالة في تحقيق أفكار فلسفية إجرامية من هذا القبيل.
ماذا يجب أن نفعل... اللاجئون السوريون في أوربا هي مشكلة مروعة للغاية؟
أعتقد أنه يجب تقييم المسألة بشكل عقلاني، البارحة كنت أشاهد برنامجاً على القناة الروسية الأولى، وحصلت على معلومات جديدة من هذا البرنامج، اكتشفت أن الجيش التركي ينقل اللاجئين السوريين إلى البحر من المخيمات هذا أولاً، ومعنى ذلك أنه يتم بشكل متعمد إفراغ سورية من السكان بالقوة، أما ثانياً: يجري استحداث أداة لزعزعة الاستقرار في أوربا ذاتها، ثالثاً: يتم منح مجال استراتيجي لداعش، لذا باعتقادي المخطط إجرامي جداً، أما فيما يتعلق باللاجئين، كان قد مرَّ ثلاثة أعوام عليهم وهم في المخيمات ولم يحرك أحد ساكناً من أجلهم، وهذه مأساة كبيرة طبعاً لكن باعتقادي يتم استخدامها في المخططات الجيوستراتيجية الأمريكية، مرة أخرى...
من اللافت أن المكاسب هي لأمريكا لكن أوربا هي من يدفع الثمن كالعادة..
لذا المحصلة هي: أنه من الضروري حل الأزمة السورية بأسرع وقت ممكن عبر المسار السياسي. هل تعتقد أن الناس الذين يهربون هم مع المعارضة أو مع النظام؟ إن هذه التصنيفات خارج تفكير الناس. الآن جل ما يريدونه هو النجاة.
وهل يريدون العودة إلى الديار؟
طبعاً.. لقد سمعت أطفالاً على التلفزيون يقولون: حلوا أزمة سورية ودعونا نعود إلى منازلنا.. نحن لا نريد السفر إلى أوربا.. لكن في الديار القصف والجوع، وليس هناك كهرباء إنها كارثة حقيقية.. لقد قلت ذلك مئات المرات: إنها أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية.. والأمم المتحدة عملياً لا تفعل شيئاً، علماً بأن هذه هي وظيفتها.. عندما لا يستطيع جهاز ما تأدية وظائفه هذا يعني أنه عاجز ويجب إعادة النظر فيه، هناك بين 8-11 مليون إنسان نزحوا من بيوتهم سواء للخارج أو للداخل. 300 ألف ضحية، هذا غير الجرحى والأيتام والأرامل. إنها كارثة كبيرة لذلك من غير اللائق برأيي الحديث عن البنى السياسية المستقبلية، والتقاتل بين النظام والمعارضة، وجعلها عائقاً، إلخ، أي عندما تكون مسألة النجاة قد وضعت على جدول الأعمال، نجاة الشعب وبقاء الدولة. لقد قلت للسيد بشار الجعفري عندما كان يترأس وفد النظام إلى لقاءات موسكو: إذا لم نتوصل لحل المشكلة السورية قبل نهاية العام فإن الاتجاهات السلبية القائمة الآن والتي ظهرت ستصل إلى مرحلة اللاعودة، ولن يبقى هناك شيء نناقشه عندها... لن يكون هناك سورية ..إذا لم نتفق الآن فستضطرون مكرهين إلى التحاور مع داعش وجبهة النصرة، إذا قبلوا بذلك، لذا دعونا نتفق، نحن جميعاً ضد الإرهابيين التكفيريين، دعونا نحل المسائل الأكثر إلحاحاً، أما قضايا من شاكلة من هو الرئيس أو إلى ما هنالك فإنها قضية من الدرجة الثانية أو الثالثة مقارنةً بالمسائل الكبرى التي تقف أمامنا، سيبصق الشعب السوري على النظام وعلى المعارضة إن لم نستطع حل هذه الأزمة.
إذا نظرنا إلى الحرب الأهلية في لبنان كانت حرباً طويلة الأمد، ولم يتخيل أحد أن هذه الحرب ستنتهي، لكن بين ليلة وضحاها اجتمعت أطراف هذه الحرب في الطائف وأوقفوها, هل يمكن أن يحدث أمر مماثل في جنيف فيما يتعلق بالأزمة السورية؟
عزيزي سعيد.. كل المسألة الآن تتعلق بالإرهاب، نحن غير قادرين على محاربة الإرهاب كما يجب، لأنه لدينا دولة ضعيفة، مؤسسات ضعيفة غير قادرة على توحيد المجتمع بسبب السياسات الاجتماعية الاقتصادية المتبعة سابقاً، وهذا أمر واقع ويجب الاعتراف به، وسأكرر إن داعش هي الحلقة الأخيرة في سلسلة الأزمة، فهناك متوالية من الأسباب والنتائج وهذه السلسلة طويلة وإذا أردت العودة إلى الحلقة الأولى، فسترى أن النظام والمعارضة يتحملون قسطاً كبيراً من المسؤولية. طبعاً يمكننا أن نعلق كل شيء على شماعة داعش، لكن داعش نتيجة تراكم من الأخطاء، رغم ذلك يجب أن نكون واقعيين وأن نعالج الواقع كما هو، لا أن نبكي على الأطلال، أليس كذلك؟ وأعتقد أنه علينا المضي قدماً، وأن نجد في أنفسنا القوة لنسامح بعضنا بعضاً سواء المعارضة أو النظام كي ننقذ سورية. لأربعة أعوام كان النظام والمعارضة المسلحة يصوبون البنادق على بعضهم البعض لكن تبين أنهم يصيبون سورية. صوبوا على بعضهم البعض لكنهم أصابوا سورية، وكنت قد حذرت من ذلك سابقاً وقلت: أنتم تعتقدون أنكم تقتلون بعضكم بعضاً لكنكم تقتلون سورية. لذا يجب جمع كل القوى العقلانية القادرة على مواجهة داعش في المعارضة والنظام، وعملياً هذه هي مبادرة بوتين، لأنه بهذه الطريقة يمكن توحيد الشعب السوري ضد داعش. الآن، عملياً، هناك ثلاث حروب متوازية، وعلينا أن نحل هذا التعقيد. الحرب الأولى بين المعارضة وداعش، والثانية هي بين المعارضة والدولة، والثالثة بين الدولة وداعش، هذه معادلة غير قابلة للحل. يجب أن نحول المعركة إلى معركة بين جانبين، عندها فقط نستطيع حل المسألة، ولكن عند وجود هذا المثلث من القوى سيكون من الصعب جداً حل هذه المسألة.
سأطرح عليكم سؤالاً ربما يكون صعباً ويمكنكم عدم الإجابة إذا أردتم. الآن هناك شخصيات كثيرة معروفة في سورية ما قبل الأزمة من عسكريين ووزراء ومديري العديد من المؤسسات الحكومية الضخمة انتقلوا إلى الطرف الآخر، وكما قلتم، يقيمون في فنادق خمس نجوم والفيلات في اسطنبول وباريس وغيرها في ظروف معيشية جيدة، يتقاضون أموالاً من دول الخليج، وهذا معروف، وطالما بقي هؤلاء على مواقفهم سيواصلون حياة الترف هذه في الفنادق والفيلات، وستبقى الأموال تنهال عليهم، لكن عندما سيوافقون على السلم فإن هذه المزايا ستتوقف، وسيقال لهم مثلاً إذا كنت مديراً سابقاً.. جنرالاً في الجيش.. فعليك الآن الترشح للبرلمان وإقناع الناس بأن يصوتوا لك، هل سيقبل هؤلاء هذا الكلام؟
أولاً لماذا هرب بعض هؤلاء؟ لأنهم اختلفوا على تقاسم الكعكة، بعض اللصوص هرب، والبعض الآخر بقي في البلد. وبالمناسبة الشعب السوري الآن يعاني من اللصوص الذين مازالوا داخل البلد والذين يستمرون في نهبه وهناك موجة استياء كبيرة جداً في سورية من جراء النقص في كل المواد الأساسية. وفي الوقت ذاته يرى الناس كيف تغتني نخبة ضيقة على حسابهم، وذلك في المناطق التي يسيطر عليها النظام.. موجة كبيرة جداً من الاستياء. الفساد هو طريقة في إعادة توزيع الدخل الوطني، لكنه توزيع غير قانوني. وكان يجري بحكم الأمر الواقع. أما بعض المدراء أو الوزراء وحتى العسكريون الذين تركوا البلد، فكانوا يعتقدون أن حصتهم كانت يجب أن تكون أكبر أو أنه تم تهميشهم. أي أن النزاع كان على مسألة من يجب أن ينتزع الحصة الأكبر. وبعض المعارضين الذين يريدون إسقاط النظام لا يريدون تغييره، بل يريدون تبديل رأس الهرم فقط، كي يستمر سير الأمور على المنوال نفسه. هذا ما يميزنا عن غيرنا من المعارضين. نحن نريد تغيير النظام من جذره اقتصادياً سياسياً واجتماعياً، وليس تبديل الطاقم القيادي، فيما يكمن خلافنا مع المعارضين الذين يقولون نحن نريد أن يرحل الرئيس بشار الأسد أولاً. نحن نقول أن المشكلة الحقيقية تكمن في النظام الاقتصادي الاجتماعي السياسي، عندما نخلق نظاماً جديداً مسألة الرئاسة ستكون مسألةً تفصيلية وغير أساسية.
ولكن 70% من الشعب يريد بشار الأسد وال30% هم من لا يريده، كيف إذاً يمكننا حل هذه المشكلة وأين هي الديمقراطية إذا كانت الأغلبية تريد بشار؟
في الأزمات يجب التوصل إلى توافق.
ربما على الطريقة اللبنانية، أعني أن ينتخب الرئيس من مجلس النواب؟
لنترك هذه المسألة للسوريين وحدهم وهم سيقررون. برأيي يجب إنشاء نظام رئاسي- برلماني. لا يجوز الانتقال بشكل فجائي من نظام رئاسي إلى نظام برلماني في ظروف سورية...يجب الوصول للنظام البرلماني، لكن عبر مراحل من التطور. نحن لسنا جاهزين لذلك لا على مستوى مؤسسات الدولة ولا المجتمع، ولا على صعيد الذهنية. النظام البرلماني أمر جيد لكنه يتطلب تمهيداً، لذلك قسم من صلاحيات الرئيس يجب أن تمنح لحكومة جديدة وفقاً لدستور جديد.....
أي أنكم ترون أنه يجب وضع دستور جديد...
طبعاً ولم لا، ولا أظن أن النظام ضد ذلك.
هذا يعني أنكم ستجتمعون من جديد وتبدؤون بالنقاش من جديد و...
إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك يمكن حل هذه المسألة بأسبوع، لكن إذا أردت العرقلة فيمكنك فعل ذلك إلى ما لانهاية، لكن مع توافر الإرادة السياسية يمكن حل ذلك. لذا نحن بحاجة إلى آليات عمل جديدة وبنية جديدة لسورية.
الوقت يداهمنا دكتور قدري.. كان الحوار شيقاً جداً.. سؤال: هل يمكن لجنيف3 المزمع عقده في تشرين الثاني..
لا، لا، في تشرين الثاني سيحدد موعد عقد جنيف3، لست واثقاً من ذلك...
إذاً، هل يمكن لجنيف3 حول الحرب الأهلية في سورية أن يصبح مثيلاً للطائف كما كان بالنسبة لحرب لبنان؟
الطائف هو مثال سيء، لأنه وزع السلطة بين الطوائف، بينما نحن نريد وحدة سياسية للشعب السوري نريد وحدة على أساس أحزاب سياسية لا على أساس طوائف وأديان، لأن الوضع في سورية أعقد من الوضع في لبنان، فإذا كانت هناك 18 مكوناً في لبنان، إذا ناقشنا المسألة من هذا الجانب، وأنا ضد هذا الشكل في المعالجة، فإنه في سورية يوجد 40 مكون، ألا ترون ماذا فعلت هذه المحاصصة في لبنان..
نعم، في لبنان الوضع معقد الآن..
وفي العراق..؟ أسوأ...لذلك، هذا يهدد البلاد بالانهيار، لذا لا يجوز وضع دستور على أساس "الـطائف" أي المحاصصة "الطائفية" لا يجوز ذلك، الشعب السوري واحد وعقلية هذا الشعب عبر التاريخ لم تكن طائفية.
لكن الطائف أنهى الحرب، والمسألة اليوم هي في إنهاء الحرب.. لا يجوز الاستمرار إلى ما لانهاية في تدمير البلد..
يجب الآن وقف الكارثة الإنسانية، ومواجهة الإرهاب، وبالتوازي إطلاق العملية السياسية...المشكلة كانت أن النظام سابقاً كان يقول بأولوية القضاء على الإرهاب، ومن ثم التغيير السياسي. والمعارضة تقول التغيير السياسي أولاً، ومن ثم محاربة الإرهاب. أما دي ميستورا، وبتأييد من مجلس الأمن، فقد قال لهم "دعونا يا شباب أن نقوم بالأمرين كليهما على التوازي" وهذا صحيح... ديالكتيكياً هذا صحيح، لأنه لا يمكن حل مشكلة الإرهاب دون توحيد المجتمع، وهذا غير ممكن دون التغيير السياسي.
للأسف لقد أدركنا الوقت وعبارتكم الأخيرة أعطتني شيئاً من التفاؤل وسأكون صريحاً معكم أنا أحب سورية والسوريين جداً. كان مؤلماً جداً بالنسبة لي أن أرى تدمر وماذا جرى لها، كما أحب دمشق واللاذقية، ويؤسفني أن أرى كيف يقوم السوريون أنفسهم بتدمير بلدهم الجميل، وفي عبارتكم الأخيرة د.قدري شعرت بالتفاؤل شعرت بإيمانكم بأنه يمكن وقف ما يجري، هل فهمتكم بشكل صحيح؟
أجل..
علي أن أنهي هذا الحوار الشيق جداً، كنتم مع برنامج وجهة نظر. كان معكم سعيد غفوروف، وضيفنا اليوم كان السياسي والمفكر السوري البارز والقيادي في جبهة التغيير والتحرير، وأمين حزب الإرادة الشعبية الدكتور قدري جميل... شكراً لكم.