إفتتاحية قاسيون 858: العدوان بين الدوافع والنتائج

إفتتاحية قاسيون 858: العدوان بين الدوافع والنتائج

تعددت دوافع العدوان الغربي على سورية، بعضها تتعلق بالوضع في البلاد، وما حولها، واتجاه تطور الأحداث فيها، وبعضها تتجاوز الأزمة السورية، وتدخل ضمن قضايا الصراع الدولي الراهن بين القوى الدولية الصاعدة، والقوى المتراجعة.

إن التراجع المستمر لدور العمل المسلح في البلاد، منذ معركة حلب، وصولاً إلى حل عقدة الغوطة، وثبات خيار الحل السياسي، واستمرار مساراته في جنيف، وسوتشي، وأستانا رغم محاولات العرقلة من هنا وهناك، والحلول المبتكرة التي يوفرها الطرف الروسي، أمام كل تلكؤ جديد، وتزايد وزن ودور قوى المعارضة الوطنية الجدية، وثبات إمكانية دفع العملية السياسية إلى الأمام، والخروج من استراتيجية «استدامة الاشتباك» الأمريكية، إن كل هذه التطورات أدت إلى إمكانية وضع اللاعب الأمريكي والغربي عموماً، خارج الميدان السوري، فلجأت واشنطن إلى التدخل بثقلها العسكري المباشر، لخلط الأوراق مجدداً، ضمن محاولات إعادة التحكم بالوضع.

وفي جانب آخر، وكما هو معلوم، باتت الأزمة السورية موضوعياً، جزءاً من صراع دولي تتضح ملامحه واتجاهاته، يوماً بعد يوم، فبعد كل اشتباك يتعزز دور القوى الدولية الصاعدة أكثر فأكثر، وتتأكد حقيقة التراجع الأمريكي، و يتأكد بأن هذا التراجع خيار وحيد بحكم الأزمة الرأسمالية العظمى، فجاء العدوان الغربي الجديد ضمن المحاولات اليائسة للانتقام من القوى الدولية الصاعدة، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ومنع تقدم هذه العملية الموضوعية والضرورية؛ لكن العدوان، سواء كان بنتائجه  العسكرية المباشرة، أو بالذرائع التي حاولت تبريره، عبّر أكثر فأكثر عن حقيقة التراجع، الذي انعكس في المواقف المتناقضة، لأركان الإدارة الامريكية، ومستوى الابتذال والسطحية والخروج عن أصول اللباقة والتقاليد الدبلوماسية، التي اتسمت بها الحملة الدعائية، وتصريحات ممثلي دول العدوان الثلاثي، واستنفار كل الاتباع والأعوان، واستباق وصول ممثلي لجنة حظر الأسلحة الكيماوية، وعدم انتظار إجراء تحقيق دولي نزيه وشفاف، ما يتناقض مع القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

   على الرغم من أهمية التصدي عسكرياً للعدوان وإسقاط العشرات من صواريخه، وفشل العدوان في تحقيق أهدافه، إلا أن ذلك لا يغني عن ضرورة استكمال الرد، وعلى مختلف المسارات، ومنها، وبالدرجة الأولى، مسار الحل السياسي على أساس القرار 2254، كونه الرد الأكثر إيلاماً على حلف قوى العدوان، فهذا الحل لا يردم التصدعات التي تركتها الأزمة في الدولة والمجتمع السوريين فحسب، بل يضع الأساس لردع كل محاولة لاحقة قد تلجأ إليها قوى العدوان الغربي، التي تسعى لاستدامة الاشتباك، فالأصل في حل الأزمة السورية، هو الحرب على الإرهاب بالتوازي والتكامل مع الحل السياسي، سواء كان إرهاب النصرة وداعش، أو الإرهاب الدولي الذي يشكل العدوان الأخير أحد تجلياته.
نختصر ونقول، بأن محاولة واشنطن لاستعادة دورها المتآكل في سورية من خلال هذا العدوان فشلت، وأن محاولة الاستثمار في الأزمة السورية لاستعادة دورها العالمي، والاستفراد مجدداً بالقرار الدولي، ومحاولة إحراج القوى الدولية الصاعدة  أيضاً فشلت، لابل أن النتائج الأولية تشير إلى عكس ما أراده حلف العدوان تماماً.