إفتتاحية قاسيون: وعلى الباغي تدور..
تتعزز يوماً بعد آخر مواقع القوى الدولية الصاعدة، فلم يعد بإمكان أي كان، تجاهل الدور الروسي – الصيني، وبات القبول بهذا الثنائي كقطب دولي جديد أمراً مسلماً به، حتى من قبل المركز الامبريالي الغربي نفسه، الذي طالما كان يكابر ويحاول تجاهل الوقائع الجيوسياسية الجديدة، والتنصل من تبعاتها.
تعتبر الأزمة السورية، وبالدرجة الأساسية معركة الحل السياسي، إحدى أهم الساحات التي يعبر فيها ميزان القوى الدولي الجديد عن نفسه، رغم كل «الزعرنة» التي تقوم بها قوى الإعاقة الدولية والإقليمية والمحلية، وفي هذا السياق كان إقرار القوى الغربية بأهمية وأولوية الدور الروسي في الأزمة السورية، خلال الأيام القليلة الماضية مؤشرات جديدة على تقدم هذا الدور، بالإضافة إلى دعمها لاجتماعات استانا، والتقدم النسبي الذي حصل فيها، من حيث عدد المشاركين، وبحث القضايا الملموسة، والاتفاق على عقد لقاء بن الرئيسين الأمريكي والروسي على هامش اجتماعات قمة العشرين، رغم حالة الهيستيريا التي تعيشها قوى الحرب في الإدارة الامريكية تجاه روسيا، والاتفاق على بحث الملف السوري في هذا اللقاء، والتلميح إلى الاستعداد للتنسيق مع روسيا، فيما يتعلق بهذا الملف، والتأكيد مجدداً على التخلي عن الشروط المسبقة.
إن هذا التقدم، الذي يجري بالتوازي مع المزيد من التخبط الأمريكي: وصول خياراته في شبه الجزيرة الكورية إلى طريق مسدود، وتعمق الشرخ في مجلس التعاون الخليجي، واستمرار وتوسع الهوة بين تركيا والولايات المتحدة، والخلافات العلنية بين أركان الإدارة الأمريكية، حول العديد من الملفات الخارجية والداخلية، يعني بأن المنطق الذي تريده القوى الصاعدة على أثر ميزان القوى الدولي الجديد، هو الذي سيفرض نفسه.
إن زخم تقدم القوى الدولية الصاعدة، وتسارعه، ليس مجرد نقاط جديدة في سياق إزاحة الولايات المتحدة عن الاستفراد بالقرار الدولي فحسب، بل هو بالإضافة إلى ذلك، يحمل في طياته تحولاً نوعياً في منظومة العلاقات الدولية، ينهي وإلى الأبد الهيمنة الغربية، و يلغي إمكانيته التحكم باتجاه تطور الأحداث، وبالتالي يمكن الجزم بأن حل بؤر التوتر عبر الحلول السياسية، بات أمراً مؤكداً، رغم كل محاولات التسويف والمماطلة، والممانعة، وإن هذا الخيار «الحل السياسي» الحقيقي محكوم بالانتصار، وفي هذا الإطار فإن هذه المؤشرات الجديدة في الوضع الدولي تحمل معها نمطاً محدداً من الحل السياسي للأزمة السورية، فلا هو ذلك النموذج البائس الذي يحول سورية إلى مناطق تقاسم نفوذ، تحت هذا المسمى أو ذاك، ولا هو ذلك النمط الذي يعيد الأوضاع إلى مرحلة ما قبل تفجر الأزمة، على طريقة «عفا الله عما مضى»، بل هو ذلك الحل الذي يحافظ على سورية دولة موحدة، ذات سيادة كاملة، ديمقراطية، علمانية، عبر التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل.
افتتاحية العدد 818
أغلق تحرير هذا العدد مساء يوم الجمعة 7 تموز