مجلس الأمن: التحشيد الغربي لم ينفع..!
جلسة فريدة من نوعها شهدها مجلس الأمن الدولي مساء يوم السبت 8/10/2016، حيث تضمنت جولتي تصويت لأعضاء المجلس، على مشروع القرار الفرنسي حول سورية، ومشروع القرار الروسي الخاص بالشأن ذاته، واللذين لم يعتمد أيّ منهما، نتيجة لاستخدام حق النقض.
شهدت الجلسة كلمات وردود فعل حادة من قبل الوفود المشاركة، لا سيما بعد رفض مشروع القرار الفرنسي، الذي كان قد بدا واضحاً أن عملاً غربياً حثيثاً قد بذل بهدف رفع عدد الدول المؤيدة للمشروع، في محاولة لإظهار الخصم الروسي بمظهر «المعرقل لرغبة مجلس الأمن».
فرنسا تروّج لـ«مشروعها»
استهل وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرلوت- الذي جرت مناقشة مشروع القرار الذي تقدمت به بلاده أولاً- جلسة المجلس بالقول أنه إن لم يتصرف المجتمع الدولي، مؤيداً مشروع القرار الفرنسي، فإن «المسؤولية ستقع على عاتقه».
وأكد إيرلوت إنه «منذ أسبوع، قدمنا مشروع قرار حول مسألة حلب المستعصية، ويؤكد مشروعنا على الطابع غير المقبول للقمع الأعمى الذي يقوم به النظام السوري اتجاه شعبه»، زاعماً أن مشروع القرار الفرنسي يحدد «شروطاً واضحة» وهي: «الوقف الفوري للقصف والتحليقات العشوائية فوق حلب، وإيصال المساعدات الإنسانية، ووقف التعاون مع المجموعات الإرهابية التي حددها مجلس الأمن، واستئناف المحادثات السورية».
وقال إيرلوت: «سعينا خلال الساعات الأخيرة إلى تحقيق التوافق في آراء أعضاء مجلس الأمن حول مشروع القرار الفرنسي.. وإذا ما رفض هذا المشروع فسيزداد عدد القتلى والجرحى».
إسبانيا «شريك في صياغة» المشروع الفرنسي
بدوره، قال المندوب الإسباني في مجلس الأمن أن بلاده «قامت مع فرنسا بإعداد هذا المشروع.. مشروع القرار هذا يسعى إلى تجنب وقوع مأساة إنسانية. ولذلك، نطالب بوضع حد لعمليات القصف الجوية في شرق حلب»
وتابع المندوب الإسباني: «ندعو مجلس الأمن إلى إرسال رسالة واضحة للأطراف كلها من أجل عزل المجموعات الإرهابية التي تهدد المجتمع الدولي بكامله. ونأمل بإيصال المساعدة الإنسانية من قبل الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري.. من المؤسف أن الحكومة السورية ما تزال تفرض الشروط البيروقراطية لوصول المساعدات، مثل إزالة المواد الطبية من المساعدات الإنسانية».
روسيا في «أغرب جلسات مجلس الأمن»
بعد الاستماع إلى عرض مندوبي فرنسا وإسبانيا حول مشروع القرار المقترح، أعرب المبعوث الروسي الدائم إلى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، عن شعوره بأن بلاده تشارك في «أغرب جلسات مجلس الأمن على الإطلاق، حيث علينا أن نصوت على قرارين منفصلين، الأول فرنسي، والثاني روسي، ويؤسفني أن أؤكد معرفتنا المسبقة أنه لن يجرِ اعتماد أي منهما»، داعياً «الدول التي تخوض معارك جانبية في مجلس الأمن» إلى «الكف عن إهدار الوقت في مثل هذه الأفعال».
وقال تشوركين إن «تاريخ الأزمة السورية معروف، فبعد أن دمرت الثلاثية الدولية- التي تحظى بحق النقض في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا)- ليبيا، سلطت اهتمامها على سورية، لتكرار النموذج الليبي هناك.. أثناء التدخل الأمريكي في العراق، حاولت روسيا وفرنسا أن تحذرا الولايات المتحدة من التدخل في العراق، لكنها لم تستمع.. ونعتقد أن ما يجري اليوم هو امتداد لذلك التدخل».
وكشف تشوركين: «تواصل معنا الجانب الفرنسي، وقال أنه ينوي تجنب الفيتو الروسي على مشروع القرار هذا.. لكن، وبعد يوم واحد فقط من جولة المفاوضات، تفاجئنا بطرح المشروع على التصويت في مجلس الأمن. ولهذا، لا بد لروسيا أن ترفض هذا المشروع.. في تاريخ مجلس الأمن لم نر أية حالة جرى خلالها السماح بمشروع قرار يحدد اجراءات ما، دون اتفاقٍ مسبق.. إن مشروع القرار هذا يفرض حظراً فوق مدينة حلب بأكملها.. وفوق غربها الذي يتعرض للهجمات من الإرهابيين.. الحظر الوارد في نص المشروع غير واضح.. وسألنا الجانب الفرنسي: هل هذا يعني أنه لا يمكن أن تحلق طائرات دون طيار من أجل جمع المعلومات حول تحركات الإرهابيين؟ ولم نحصل على رد».
وتابع تشوركين: «لا بد من الامتثال لاتفاق وقف الأعمال العدائية.. وهو اتفاق يستمر الإرهابيون بانتهاكه.. البارحة تقدمنا بمشروع قرار روسي يوضح كيفية اتخاذ اجراءات جماعية في مجلس الأمن دون تسييس، مشروع يحتوي على أحكام تشير إلى خطوط عريضة للاتفاق الروسي- الأمريكي، ويشمل وصول المساعدات بشكل سريع من خلال الهدنات السريعة لـ48 ساعة. وأعدنا التأكيد على أهمية عمل هياكل الرقابة التابعة للمجموعة الدولي لدعم سورية.. وفصل جبهة النصرة عن المجموعات الأخرى».
وختم تشوركين: «دعونا كثيراً للالتزام بالقرار الدولي رقم 2254، والحفاظ على المسارات الثلاثة بشكل متوازي، وهي: إطلاق العملية السياسية ووصول المساعدات الإنسانية، ووقف إطلاق النار، ومكافحة الإرهاب.. ندرك أن البعض سوف يرفض مشروعنا على أساس العداء لروسيا، لكننا نواصل الجهود من أجل التوصل إلى اتفاقات مع كل الدول المعنية».
بريطانيا تفتتح حملة هجوم على روسيا
بعد انتهاء كلمة المندوب الروسي، جرى عرض مشروع القرار الفرنسي للتصويت عليه، وكانت النتيجة: (11 مؤيد، 2رافض، و2 ممتنع)، ليبدأ بعد ذلك المندوب البريطاني في مجلس الأمن، ماثيو رايكروفت، كلمته التي حملت هجوماً مباشراً على الجانب الروسي، قائلاً: «إنه الفيتو الروسي الخامس. بدلاً من أن نستخدم الدبلوماسية فقد قمتم بالتعاون مع النظام السوري لكي تدمروا المناطق التي تعارضه..لا يمكن أن يكون هناك أي تبرير للقصف على المشافي والمدارس.. وحدة مجلس الأمن لن تتحقق إلا إذا توقفت روسيا عن القصف الجوي.. على روسيا أن تتوقف الآن».
في وقت لاحق، رد المندوب الروسي على كلمة بريطانيا بحدة، قائلاً: «تقولون لنا أن نتوقف؟ لماذا لا تتوقفوا أنتم عن دعم الإرهاب وتغذيته وتمويله في العالم.. لن تتوقف روسيا عن مواصلة جهودها من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية».
نائب المندوب الأمريكي يصعّد هجومه الكلامي
بدوره، تابع نائب المندوب الأمريكي في مجلس الأمن، ديفيد برسمان، الهجوم على نتيجة التصويت، زاعماً أن «الفشل سيكون وصمة عار في جبين هذا المجلس.. القرار كان يطلب طلباً بسيطاً وهدفاً وحيداً، وهو إيقاف القصف على مدينة حلب.. لقد فشلنا في هذا الامتحان.. لأن رئيس مجلس الأمن يعزم على الاستمرار في القتل والدمار.. روسيا تستخدم قوتها من أجل دفع نظام الأسد لاستعادة السيطرة على حلب بالدم والدمار.. من خلال حملة مكافحة الإرهاب، باتت روسيا أحد اللاعبين الرئيسيين الذين يمارسون الإرهاب في حلب».
فنزويلا: «لا تسيسوا الأزمات الإنسانية»
ردّ المندوب الفنزويلي إلى مجلس الأمن، رفائيل رميريس، على الهجوم البريطاني والأمريكي، بالتأكيد على إن بلاده ثابتة عند موقفها في «إدانة الهجمات على المدنيين، كما قمنا سابقاً بإدانة الهجمات التي تعرض لها المدنيون في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر».
وتابع رميريس: «إن الوضع الإنساني- ورغم أنه يتطلب تعاملاً فورياً، إلا أنه يجب أن يكون قائماً على أساس عدم التسييس. في سورية، تم استغلال الأزمة من دول في مجلس الأمن بهدف تأمين مصالحها»، مشدداً على إن «بعض أعضاء مجلس الأمن يخوضون في بيانات جوفاء، فالأجندات السياسية التي يمثلونها قد منعتنا اليوم من الوصول إلى نتيجة إيجابية لمصلحة الشعب السوري في حلب، وهذه الدول قد أصرت اليوم على التصويت حول القرار، دون توافق مسبق».
وختم المندوب الفنزويلي بالقول أن بلاده «لا تفهم أن ترفض المعارضة المعتدلة الابتعاد عن تنظيم جبهة النصرة المصنف دولياً على قائمة الإرهاب.. إن تفكيك أجهزة الدولة في بعض البلدان هو ما سمح بتمدد تنظيم القاعدة.. ولهذا، فإننا نصر على رفض المعايير المزدوجة التي يتبعها بعض أعضاء مجلس الأمن».
مصر تصوت بالقبول على المشروعين
بعد انتهاء كلمة المندوب الفنزويلي، جرى عرض المشروع الروسي على التصويت، وكانت النتيجة (4 مؤيد، 9رافض، و2 ممتنع)، ليكشف بعدها المندوب المصري في مجلس الأمن، عمرو أبو العطا، أن بلاده قد صوتت بالتأييد على المشروعين الروسي والفرنسي كليهما، قائلاً: «مع إدراكنا المسبق أن الفشل هو المصير الحتمي للمشروعين، فإن تصويتنا لم يكن يعبر إلا عن موقف مصر التي ضاقت ذرعاً بالتلاعب بالشعوب العربية من قبل بعض الدول».
وأكد أبو العطا: «المشروعان يتضمنان نقاط رئيسية عامة يجب البناء عليها، وهي: وقف استهداف المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية، ووقف الأعمال العدائية، ووقف كامل لإطلاق النار، مع إعطاء أولوية خاصة لحلب، على أن يتم مراقبة آليات التنفيذ، والحفاظ على الدور المحوري لمجموعة الدعم الدولية من أجل سورية، وضرورة العمل على بدء مفاوضات جادة بين الأطراف السورية وفقاً لبيان جنيف والقرار الدولي 2254».
الصين تؤيد القرار الروسي
من جانبه، أعلن المندوب الصيني الدائم في مجلس الأمن، لي باودونغ، أن بكين اضطرت للامتناع عن التصويت على القرار الفرنسي، لأنه لم يتخذ بعين الاعتبار ضرورة الحياد وعدم اعتماد المعايير المزدوجة».
وتابع: «أما المشروع الروسي، فقد شمل عناصر واردة في القرارات الدولية كلها، بما فيها سلامة أراضي سورية. وكان محتوى هذا المشروع شاملاً وكاملاً ومتوازناً، وقد صوتنا لمصلحته، ونأسف لعدم اعتماده»، خاتماً كلمته بالقول إن: «سورية هي بلد هام في الشرق. تأمل الصين من مجلس الأمن أن يعتبر أن سلامة وأمن الشعب السوري هي أولويته.. ويسعى لتوافق من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، ومنع انتشار الإرهاب، صوناً للسلم والاستقرار في سورية وفي المنطقة».
الجعفري: «للمشروع الفرنسي أهداف استعمارية»
وقال المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، أن «إفشال القرار الروسي يؤكد غياب الرغبة عند معارضي المشروع للتوصل إلى حل سوري سوري للأزمة السورية»، مؤكداً أن «مشروع القرار الفرنسي يعكس حنين فرنسا إلى ماضيها الاستعماري»، معلناً إدانته لاستهداف السفارة الروسية في دمشق، قبل أيام.