افتتاحية قاسيون 754: جولة «جنيف3» الثانية: بدأ الجّد!
انطلقت أعمال الجولة الثانية من محادثات «جنيف3» يوم الأربعاء الماضي. ورغم أنّه من المبكر الحديث عن نتائجها النهائية، إلّا أنّ هنالك نقطتين أساسيتين تمّ تثبيتهما:
أولاً: عنوان الجولة العريض هو مناقشة القضايا الأساسية الحساسة التي لم تسبق مناقشتها جدّياً، وعلى رأسها مسألة الانتقال السياسي، بما تتضمنه من تحديد لطبيعة الجسم الانتقالي وصلاحياته وبرنامجه وغيرها من التفاصيل، ومناقشة الدستور الجديد. وهو الأمر الذي وافقت على نقاشه مختلف الأطراف، وإن كانت تختلف في رؤيتها حول مضمونه وتفاصيله. إنّ البدء بنقاش المسائل الأساسية، رغم الخلافات الحادة حولها، يعني إقرار الأطراف المختلفة بإمكانية الوصول إلى حلول وسط، وواقع الحال أنّ الوصول إلى حلول وسط، وإن ظهر مع الجولة الثانية بوصفه إمكانية تستند إلى قبول الأطراف مناقشة جواهر الأمور، إلّا أنّه، وقبل ذلك بسنوات، كان ضرورة لحل الأزمة الوطنية الشاملة ولإخراج السوريين من تحت وطأة كارثتهم.
ثانياً: أبدت الأطراف المختلفة، نظاماً ومعارضة، استعدادها وعدم ممانعتها، الدخول في مفاوضات مباشرة، وهو ما يصب في تسريع الوصول إلى الحلول الوسط المنطقية، وتالياً إلى إنهاء الأزمة والخروج من نفقها.
إنّ هاتين المسألتين لا تشكلان إضافة كميّة للجولة السابقة فحسب، بل وإضافة نوعية أيضاً. فإنّ كانت كل خطوة إلى الأمام باتجاه الحل السياسي مهمة بذاتها، فإنّ لهذه الجولة- الخطوة المحمولة على النقطتين المذكورتين موقعها المفصلي في السياق العام للوصول باتجاه الحل. فإذا كان عنوانا حل الأزمة السورية المتفق عليهما دولياً وحتى داخلياً، هما محاربة الإرهاب والانتقال السياسي، وفي خلفيتهما دائماً الكارثة الإنسانية السورية، فإنّ كلتا العمليتين قد دخلتا سياق الحل بالتوازي وبالتزامن، الأمر الذي رمى جانباً، وبشكل نهائي، الجدل البيزنطي حول أي الأولويتين هي الأولى.
إن من بين أهم النتائج التي يمكن استشرافها انطلاقاً من النقطتين إياهما، هي أنّ الجدول الزمني الذي جرى الحديث عنه في لقاء لافروف- كيري الأخير، والقائل بحل مسألتي الجسم الانتقالي ومناقشة الدستور الجديد في الشهرين السادس والسابع من العام الجاري، هو جدول زمني واقعي وقابل للتحقيق، بل إنّ فرص تحقيقه هي فرص عالية.
ما يمكن استشرافه أيضاً، ومع النقلة النوعية التي يجري إنجازها خلال الجولة الحالية، هو أنّ مختلف أنواع معيقات التقدم في الحل التي وضعت في طريق الجولة السابقة وما قبلها، سيجري تذليلها وتنحيتها للسماح لقافلة الحل بالسير قدماً بالسرعات المطلوبة، وضمن الآجال الزمنية القصيرة ولكن المنطقية. يشمل ذلك تذليل عقبة عدم تمثيل الاتحاد الديمقراطي حتى الآن، وكذلك مسألة الوصول إلى وفد موحد للمعارضة مبني على أعلى طابع تمثيلي لمختلف المنصات.
وإذا كان اتفاق «وقف الأعمال العدائية» قد أرّخ لبداية نهاية مرحلة الصراع العنفي بين السوريين، فإنّ نهايته الفعلية والانتقال لصب عنف سوري موحد باتجاه الإرهاب لإنهائه، باتت تلوح في الأفق القريب، وذلك بالتزامن مع الانتقال نحو الصراع السياسي الصحي والضروري لحلحلة المشكلات التاريخية والمستجدة ولفتح الطريق أمام التغيير الجذري الشامل المطلوب والمستحق.