إفتتاحية قاسيون 701: نجاح للبناء عليه..
بين الإحباط المراهن على سقف توقعاتٍ عالٍ من الجولة الثانية من لقاء موسكو التشاوري، تحت الضغط الموضوعي لتفاقم الأزمة السورية وضرورة إنهائها، وبين النظرة الموضوعية، بالمقابل، لمعايير الفشل والنجاح ولوظيفة «موسكو» وغاياته الأساسية، الهادفة إلى تصويب أخطاء «جنيف» السابقة، والتمهيد لجولة جديدة منه تتولى تحضير الأطر المطلوبة دولياً وإقليمياً للحل السياسي فيما بين السوريين أنفسهم، لا يمكن بالمنطق السياسي التقليل من شأن ما تم إنجازه في منصة موسكو، وإنما ينبغي التعامل مع تلك المخرجات بحجومها الحقيقية، من أجل البناء عليها، والانتقال إلى الخطوة التالية، وليس العودة إلى الوراء، وذلك انسجاماً مع الضغط الموضوعي ذاته القائل بضرورة تسريع إنهاء الأزمة.
إن أبرز ما يمكن تسجيله حول ما تحقق في موسكو هو جملة من الاستنتاجات والخطوات الملموسة القابلة للبناء عليها وتطويرها، أكدتها أطراف مختلفة مشاركة في الحوار، والتي يمكن إجمالها بما يلي:
- مواصلة وبدء تبلور جسم معارض جدي ومسؤول وندّي للنظام، وقادر على إنجاز وبلورة توافقاته ورؤاه وطروحاته الخاصة، سياسياً وإجرائياً، بهدف عرضها للنقاش مع الوفد الحكومي، بسرعة تتجاوز التباينات التي طالما جرى التطبيل لها والتعويل عليها من كل المتشددين الرافضين للحل السياسي، في الداخل والخارج.
- توصل وفود المعارضة والحكومة إلى ورقة تفاهمات سياسية مشتركة تشكل أرضية هامة للتفاهمات اللاحقة، وإن كانت غير ناجزة لجهة عدم التمكن، بسبب عامل المحدودية الزمنية وإعاقات أخرى، من إنجاز التوافق على القضايا الإجرائية، الملحة والمنظورة، التي قدمتها المعارضة في ورقتها المتوافق عليها المتعلقة بإجراءات بناء الثقة، والتي تهم الشعب السوري وتخفف من حجم معاناته الإنسانية، وفي مقدمتها وقف القصف العشوائي المتبادل وحل مشاكل المعتقلين والمفقودين والمخطوفين وعمليات الإغاثة الإنسانية.
- وصول الطرفين على نحو غير مسبوق إلى توافق على تسوية الأزمة السورية بالوسائل السياسية على أساس توافقي بناءً على مبادئ جنيف1، ومطالبة المجتمع الدولي بدعم التوافق الذي سيتم التوصل إليه حول الحل السياسي الشامل في لقاءات موسكو تمهيداً لاعتماده في مؤتمر جنيف3.
- مبادرة المعارضة إلى إيداع ورقتها الخاصة بإجراءات بناء الثقة لدى الوسيط الروسي للمتابعة الفورية.
-وبغض النظر عن المناورات ضيقة الأفق، تأتي مسألة أخذ عدد من المعارضين السوريين، وخلال الجلسات المخصصة لاجتماعات المعارضة، لمبادرة توجيه رسالة، بأسمائهم أو نيابة عن تكتلاتهم وأحزابهم السياسية، إلى الأمين العام للأمم المتحدة بهدف تحفيز هذه المؤسسة الدولية لأخذ دورها المنوط بها من أجل تسريع عقد جنيف3 بهدف حل الأزمة السورية وفقاً لبيان جنيف1، وتلافي أخطاء جنيف2 المتمثلة في أحادية تمثيل المعارضة، واستبعاد بعض الأطراف المؤثرة في الملف السوري.
إن ما تحقق في موسكو، بتوافقاته وتبايناته «الطبيعية والمتوقعة» هو خطوة بالاتجاه الصحيح، ينبغي استكمالها، بعيداً عن المنطق المستهلك القائم على «التصيّد وتسجيل النقاط»، والذي يتسبب أولاً وأخيراً في التلاعب بمشاعر السوريين وآلامهم ومصائرهم. وإنّ من يحاول الاستناد إلى «قلة» ما أنجزه لقاء موسكو لا يبتغي نسف اللقاء فحسب، بل نسف الحل السياسي جملة وتفصيلاً من وراءه، عودةً إلى حلقة العنف والدمار المفرغة.
لذلك، وفي ظل غياب البدائل الواقعية عن مسار موسكو- جنيف، فإنّ على جميع القوى السياسية السورية أياً كانت مواقعها التحلي بروح المسؤولية الوطنية والأخلاقية، وعدم الرضوخ للاستفزازات من أي جهة كانت، لأن مصير سورية والشعب السوري على المحك.