الثمرة الحامضة ... المول والشاشة كـ«فاترينات»
أشار العالِم السوفييتي سيرغي قره مورزا إلى تجربة اجتماعية نفسية ضخمة خلال البيرسترويكا، دفعت بها النخبة الليبرالية وتقوم على «إحلال الإشارة مكان الشيء أو إبدال الأشياء بالإشارات، حيث أجريت على أشياء ذات أهمية حياتية كبرى (كالمواد الغذائية). وطالب أكثر من نصف السكان باستبدال الأشياء (المواد الغذائية على مائدة كل منهم بصورتها؛ المواد المعروضة على واجهة المحلات). وفي استطلاع للرأي عام 1989 تبيّن أن 74% من المثقفين اعتبروا نجاح البيرسترويكا مرتبطاً برؤية المواد الغذائية المكدَّسة في واجهة المتاجر والدكاكين».
ولفت قره مورزا بأن هذا دلّ على الحاجة إلى «الصورة» أو إلى واجهة العرض «الفاترينا»، رغم أنّ المحتاجين لها «كانوا أشخاصاً جيّدي التغذية عموماً ولكن أظهروا أن المهم بالنسبة لهم ليس فقط مادة الاستهلاك بل صورة تلك المادة التي لا يستطيعون اقتناءها في أكثر الأحيان... فوفرة المواد الغذائية في الواجهات العامة لا تعني إطلاقاً توفرها على المائدة في المنزل».
ومع توالي طعنات الليبرالية الجديدة في خاصرة الشعوب والكادحين وتجويعهم بكل المعاني المادية والروحية، تابعت ظاهرة «الجوع الروحي» تطوّرها. ولعلّ اثنتين من أهمّ «الفاترينات» التي تم استغلالها لمحاولة «تسكيت جوع» المعدة والجسد والروح – عبر حشو الزِّيف والأوهام في كثير من الحالات – هما: المولات والشاشات.
بالنسبة لمول التاجر البرجوازي الكبير، يمكن تسجيل اختلافٍ مهمّ عن «دكان» البرجوازي الصغير التقليدي؛ فالمول يفتح فضاءه المكاني والزماني ليس أمام «المتسوّقين» الحقيقيين فقط بل وكذلك أمام «المتجوّلين» بلا تسوّق، أو مع شراء القليل، ويسمح لهم بـ«حمّام دافئ» من الإشارات، البصرية والسمعية واللمسية والشمّية وحتى الذوقية، لكثير من البضائع، حتى الترفيّة منها، في جوّ أكثر راحة من ضيق «الدكّان» الذي غالباً ما يَفرِض علاقةً مختلفة مع البائع الذي يفضّل عدم إطالة الزبائن المكوث في محلّه أو التنقل فيه لمجرّد «الفُرجة» وعدم الشراء.
أمّا الشاشات باستعمالها كـ«فاترينا» فلم تتخلّص فقط من شخص حانوتيّ «الدكان» أو محاسب صندوق «المول» كوسيط بشريّ، بل وصارت أكثر خصوصيّة في تطوّرها التاريخي: من التجمهر أمام شاشة السينما، إلى العائلة أمام التلفاز، وصولاً إلى الفردانيّة المطلقة غالباً أمام شاشة اللابتوب أو الموبايل، فأدّى سعي الرأسمالية لتكييف هذه التكنولوجيا لغاياتها الأنانية والضيقة إلى تعميق الاغتراب و«الاستفراد» بالأفراد من أجل أقصى استغلال لهم، سواء كمنتجين أو مستهلكين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1167