هل تستطيع أمريكا افتعال زلازل مدمّرة؟

هل تستطيع أمريكا افتعال زلازل مدمّرة؟

قبل وقوع الزلزال بثوانٍ قليلة، قال كثير من الناس في تركيا: إنهم رأوا ومضاتٍ تشبه أضواء «الأورورا» التي تشاهد عادةً في المناطق القطبية الشمالية. وتجدّدت في تركيا وخارجها أحاديث تربط بين الزلزال وبين مشروع HAARP الأمريكي، أو استخدام واشنطن لـ«أسلحة تكتونية». نناقش في المادة التالية تفسير «الفلاشات» الغامضة، وبعض حجج كلٍّ من أنصار ورافضي رواية إمكانية استحداث الزلازل عمداً بتكنولوجيا عسكريّة.

لعلّ أشهر ما جرى تداوله حول الموضوع خلال الأسبوع الأول عقب الزلزال، المقال الذي نشره أحد الصحفيين الأتراك، في صحيفة تركية اسمها dikGAZETE وخلاصته: أنه ذكر سلسلة من الأحداث السياسية والعسكرية السابقة للزلزال، وربطها بالأقاويل التي دافع عنها بشأن أنّ أمريكا هي التي حرّضت بطريقة «تكنولوجية» عسكرية ما.. حدوث الزلزال، وخاصة عبر برنامجها العسكري السرّي لدراسة تشتت الأيونوسفير لموجات الراديو العالية التردد HAARP. وفي الحقيقة، توجد منذ زمن اتهامات أخرى.. بالمقابل، بأنّ محاولات استحداث الزلازل تعود لمشاريع «سوفييتية» وبالاسم مشروعان «عطارد» و«بركان». وفي 28 نيسان عام 1997 قال وزير الحرب الأمريكي ويليام كوهين في مؤتمر عن «الإرهاب» وأسلحة الدمار الشامل في جامعة جورجيا: «الآخرون منخرطون حتى في إرهاب بيئيّ النمط، حيث يستطيعون تعديل المناخ، وإطلاق الزلازل، والبراكين، عن بعد عبر استخدام الأمواج الكهرطيسية».
وفي عام 1978 تم توقيع اتفاقية دولية «لحظر الاستخدام العسكري أو العدائي لتقنيات تعديل البيئة» من قبل 75 دولة ثم 17 دولة أخرى، تحظر استعمال هذه التقنيات «للتسبب بزلازل أو تسونامي من بين ظواهر أخرى».
الأحداث التي سبقت الزلزال، والتي سميت «مصادفات غريبة في تركيا» وذكر بعضها هذا الصحفي وغيره، كان من أبرزها: التحذير الأمني الذي أصدرته السفارة الأمريكية في تركيا يوم 27 كانون الثاني 2023 (قبل حوالي 10 أيام من الزلزال). وجملة التحذيرات التي أعقبت ذلك (28 كانون الثاني) من عدد من الدول الأوروبية لمواطنيها بشأن هجوم إرهابي محتمل. وقيام واشنطن ولندن وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والدنمارك وهولندا وسويسرا والسويد وبلجيكا بإغلاق قنصلياتها في إسطنبول يومي 1 و2 شباط. ثم دخول السفينة الأمريكية USS Nitze إلى إسطنبول في 4 شباط. أنّ «سفينة مماثلة كانت موجودة في تركيا قبل زلزال 1999» بحسب المتداول، وأنّ «السفن جزء من البرنامج السرّي الأمريكي لدراسة تشتت الأيونوسفير لموجات الراديو العالية التردد HAARP» وفقاً لأقوالهم، وتصريح وزير الداخلية التركي للسفير الأمريكي في مؤتمر صحفي في اليوم نفسه: «ارفعوا أيديكم القذرة عن تركيا». ثم وقوع زلزال كهرمان مرعش فجر السادس من شباط. كذلك جرى التذكير بمحاولة الانقلاب في تركيا عام 2016 وأصابع الاتهام إلى الـ ـCIA. والبعض يضيف على ذلك أيضاً التذكير بزلزال هاييتي المدمّر عام 2010 بقوة 7 ريختر الذي أوقع أكثر من 230 ألف قتيل وحوالي 220 ألف مصاب، وتوجيه الرئيس الفنزويلي آنذاك، هوغو تشافيز، الاتهام لواشنطن بافتعال الزلزال باستخدام تكنولوجيا HAARP.

«نظرية مؤامرة»؟

لا شكّ بأنّ الرواية يسهل تصنيفها ضمن ما يسمى «نظريات المؤامرة» بذلك المعنى الذي يسبغ فيه كثيرون صفة «اللا علمية» المطلقة عليها. وبالمناسبة استغل أحد المواقع الأوروبية «للتحقق من الحقائق» الزلزال الأخير لإشاعة أنّ أيّة مناقشة للأمر هي «نظرية مؤامرة روسية». ولكن ينبغي لنا هنا إبداء مجموعة من الملاحظات والأسئلة:
أولاً: قبل أيّة مناقشة لمدى «علمية» أو «خُرافيّة» الحديث عن إمكانية استحداث الزلازل عمداً بتكنولوجيا بشرية، لا بدّ من التأكيد على أنّ ما لا يرقى إليه الشك من وجهة نظر علم السياسة والاقتصاد- السياسي العلمي، هو أنّ واشنطن عدوّة لدودة لشعوب العالَم قاطبة، بما فيها شعوب منطقتنا والشعب التركي ضمناً، وحتى للشعب الأمريكي نفسه، بوصفها واشنطن التكثيف السياسي- الاقتصادي- العسكري للإمبريالية. وتاريخها وحروبها المدمّرة وعقوباتها الإجرامية ودعمها للكيان الصهيوني، ومحاولاتها عرقلة تطوّر العالَم متعدد الأقطاب الوليد والمسعى اليائس من جانبها لإنقاذ هيمنتها العالَمية ودولارها بأيّ ثمن، كلها تعتبر أدلّةً قاطعة على هذه الحقيقة العلمية السياسية المثبتة.
ثانياً: الإقرار بالحقيقة المذكورة للتو أعلاه، رغم أنّه يسمح بتوقّع محقّ للشرّ من أيّة تحركات أمريكية وفي منطقتنا خصوصاً، لكن هذا لا يعتبر بحد ذاته دليلاً كافياً أو تلقائياً على فرضية «زلزال صنع في واشنطن».
ثالثاً: ما ورد في «أولاً» و «ثانياً» أعلاه، لا يعني بأنّ فكرة توصّل العلم والتكنولوجيا البشرية لاستحداث زلازل على الأرض بشكل عام، وزلازل مدمّرة بشكل خاص، أو التحكم بشدتها ربما زيادةً أو نقصاناً، يجب أنْ تصنّف ضمن «المستحيل المطلق إلى الأبد»، بل يبدو أنّ ما هو معروف من معلومات «مفتوحة المصدر» حتى الآن، هو أنّ هذه الفكرة قد تكون «مستحيلة نسبياً» ولكن قد تكون «إمكانية واقعية» في المستقبل بشرط أنْ يصل تطوّر علم الزلازل وما يحتاجه من علوم وثيقة الصلة به إلى مرحلة متقدّمة جداً، لأنّ البعض يصنّفه حتى أنه ليس علماً بعد، أو ما زال «علماً يحبو»، وربما يشهد على ذلك أنّه لم ينتقل بعد من مرحلة «التوصيف» إلى مرحلة «التنبّؤ». وبرز هذا كثيراً مؤخراً على لسان عدد من علمائه أنفسهم، بالقول: إنهم لا يستطيعون بعد التنبّؤ الدقيق بالزلازل، أو على الأقلّ غير قادرين على التنبّؤ قبل فترة زمنية كافية بـ«زلزال مثبت الوقوع والشدة والجغرافيا» بحيث يمكن إخلاء السكان استباقياً مثلاً...

ما هو HAARP؟

المصطلح، هو اختصار لعبارة «برنامج أبحاث الأورورا (الهالة الضوئية) الفعالة ذات التواتر العالي». وبرنامج HAARP الأمريكي بدأ عام 1993، وبخلاف ما يوحي اسم المشروع، كان هدفه الأصلي ليس دراسة الأضواء القطبية الشمالية على الإطلاق. بل هو مشروع عسكري ممول من الجيش الأمريكي، وبنته شركة مرتبطة بمجمّعه الصناعي العسكري. وهدفه استخدام الطبقة الشاردية من الغلاف الجوي (الأيونوسفير) من أجل إثبات القابلية العسكرية لنقل إشارات الجيش الأمريكي، وفي الوقت نفسه القدرة على اعتراض إشارات الخصوم والأعداء.
المعترضون على فكرة الربط بين مشروع HAARP الأمريكي والزلازل، يقدمون الحجة التالية، كما ذكرها الكاتب ألكسندر بيريزين بمقال له في 10 شباط 2023 في موقع «العلم المجرَّد» naked science «الأمواج الراديوية لا تستطيع التسبب بزلازل لأن هذه الأخيرة تحتاج طاقة هائلة لا تستطيع تكنولوجيا الأمواج الراديوية الحالية تقديمها». ويستشهد الكاتب بعالم الجيوفيزياء فيكتور بوكوف حيث يقول: «من أجل ضمان إطلاق اندفاع يجب أن نفهم بالضبط كيف تحدث أمواج الصدم من انفجارات نووية انتشاراً في الطبقات العليا من معطف الأرض وإلى أين تذهب بالضبط»، ولكن ما هو معروف أن البشرية غير قادرة اليوم على القيام بالحسابات الضرورية لذلك، فعلم الزلازل ما يزال «طفلاً في القماط». ويتابع بريزين: نعلم أنه عام 1975 حدث زلزال على حدود حديقة «يلوستون» بطاقة تعادل تفجير 2 ميغاطن من الـ TNT. وبالمقارنة فإنّ أقوى قنبلة نووية في ترسانات البشرية اليوم، وهي B83 قوتها أقل من ذلك، حيث تصل إلى 1.2 ميغاطن، أضف إلى ذلك أنّ أي تفجير نووي حراري على مستوى سطح الأرض لن ينتج أكثر من 20 كيلوطن من الطاقة على عمق 10 كيلومترات (وهو العمق الذي عنده انفجرت فقاعة «الماغما» المنصهرة المسببة لزلزال يلوستون).
أما مشروع HAARP فهو أقل بكثير تقنيا من مستوى الطاقة القادر على قدح زناد زلازل أو اندفاعات بركانية. حيث إنّ صدمة زلزال عام 1975 كانت بطاقة 2.3 مليار كيلوواط ساعي تحررت في غضون ثوانٍ. وبالمقارنة تكون طاقة المشروع الأمريكي هزيلة للغاية لا تتجاوز 3600 كيلوواط.

ما تفسير «وميض الأضواء» قبل الزلازل؟

بالنسبة للوميض الذي تم تشبيهه بالهالات الضوئية القطبية، توجد شهادات عيان، ومقاطع فيديو متداولة، على رؤيتها قبل الزلزال الأخير في السادس من شباط الجاري في تركيا. وفي عام 1999، حدث زلزال قوي في تركيا ظهرت في أعقابه أيضاً شهادات عيان كثيرة تصف «سيف الضوء الذي تدفّق من بحر مرمرة»، بلون أزرق، وآخرون تحدّثوا عن أضواء بلون أبيض، أو أصفر أو أحمر، قبل الزلزال مباشرة.
وطرحت على الأقل فرضيتان لتفسير هذه الأضواء: الأولى تقول: إنّ السبب قد يكون تحرّر الأوكسجين المرتبط ضمن مركبات كيميائية التي في الصخور في طبقات الأرض المتزلزلة، حيث يتحرر بشكل شوارد أوكسجين سالبة الشحنة ويتحوّل إلى «بلازما باردة جداً» في الجو، والتي لها فعالية كهرومغناطيسية فتضيء وتومض، بطريقة تشبه البرق ولكن بطاقة أقل من طاقة الصواعق.
أما الفرضية الثانية التي قد تكون أقوى احتمالاً من الأولى، فتقول: إنّ سبب الأضواء قبيل الزلازل هو احتكاك الصخور ببعضها بشدة بحيث تطحن شظايا صخور أخرى بينها وتولد «كهرباء احتكاكية».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1109
آخر تعديل على الثلاثاء, 21 شباط/فبراير 2023 15:35