هل الطاقة النووية هي الأسلم والأنظف والأكفأ؟ وهل الطاقة الشمسية صديقة للبيئة؟
عدة مؤلّفين عدة مؤلّفين

هل الطاقة النووية هي الأسلم والأنظف والأكفأ؟ وهل الطاقة الشمسية صديقة للبيئة؟

تختلف مصادر الطاقة كثيراً في سلبياتها وإيجابياتها، كما سنرى في هذا المقال الذي يجمع بيانات وآراء من عدة مصادر، لتكوين صورة مقارنة عن الطاقات من حيث أمانها ونظافتها وكفاءتها. وقد تبدو المعلومات الواردة هنا، ولا سيّما حول الطاقتين النووية والشمسية، مختلفة عن الانطباعات الشائعة لدى كثير من الناس.

ترجمة وإعداد: د. أسامة دليقان

نبدأ بمعلومات من دراسة لمقارنة الطاقات من حيث السلامة والنظافة، أعدّتها الدكتورة حنّا ريتشي وزملاؤها (محدثة بتاريخ 10 شباط 2020) وهي الأخصائية بعلوم الأرض من جامعة إدنبرغ، وكبيرة الباحثين في موقع «عالمنا في بيانات». وأكملنا المقال بجوانب مهمة لم تتطرّق إليها ريتشي، كمقارنة جوانب إضافية من التلوث وكفاءة مردود الطاقة واستقرارها، مستفيدين من عدة مصادر: موقع «طاقات الكوكب»، ومكتب الطاقة النووية الأمريكي، ومقال لأحد علماء الطاقة كتبه لمجلة «فوربس»، وموقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وموقع «الطاقة» باللغة العربية.
اكتشف البشر قبل قرنين استخدام الطاقة من الوقود الأحفوري لزيادة الإنتاجية مدشّنين ثورة صناعية أحدثت التقدم الذي شهدناه خلال القرون الماضية، ولكن مع نتائج سلبية يمكن توزيعها في ثلاث فئات (وفقاً لريتشي).
أولاً: تلوث الهواء، ويقتل ما لا يقل عن 5 ملايين شخص قبل الأوان كل عام، معظمها بسبب مصادر الطاقة التقليدية المشتملة على الوقود الأحفوري والأخشاب... ويقدَّر بأنّ التخلي الكامل عن الوقود الأحفوري قد يقلل وفيات تلوث الهواء المبكرة بنحو الثلثين، وهذا يعني تجنّب 3 إلى 4 ملايين وفاة سنوياً.
ثانياً: الحوادث، وتشمل تلك التي تقع أثناء التعدين واستخراج الوقود (الفحم واليورانيوم والمعادن النادرة والنفط والغاز) وأثناء نقل المواد الخام وإنشاء البنية التحتية ومحطات توليد الكهرباء أو تمديدها.
ثالثاً: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومصدرها الرئيس الوقود الأحفوري، والذي أطلق 80% من إجمالي انبعاثات 2018 كمثال.

النووية أكثر أماناً من الأحفورية بكثير

نشر ماركانديا وويلكينسون بحثاً في مجلة «ذي لانسيت» الطبية عام 2017، قارنا فيه معدلات الوفيات من الوقود الأحفوري والطاقة النووية والطاقة المائية والكتلة الحيوية. وأحصت الدراسة وفيات الحوادث مثل كارثتي تشيرنوبيل وفوكوشيما، والحوادث المهنية في عمليات التعدين أو محطات الطاقة، والوفيات المبكرة من تلوث الهواء. أما البيانات المتعلقة بمدى سلامة المصادر المتجددة فيمكن الحصول عليها من دراسة بنيامين سوفاكول وزملاؤه 2016.
يشمل معدل الوفيات النووية: 4000 وفاة كحد أقصى من حادثة تشيرنوبيل عام 1986 في أوكرانيا (سنناقشها لاحقاً)، وهناك 574 وفاة بحادثة فوكوشيما باليابان، والوفيات المهنية المقدرة (إلى حد كبير من التعدين والطحن). نرى في الجدول أدناه معدلات الوفيات لكل نوع من مصادر الطاقة (وفق دراسة ريتشي):

1046-104

وافترضت دراسة ريتشي بناء على ذلك أنّ مدينة أوروبية سكانها 187,090 شخصاً سيختلف عدد وفياتها المتوقع الناجم عن كل نوع من مصادر الطاقة في حال اعتمادها الكامل عليه: حيث ستشهد المدينة المفترضة الوفيات التالية قبل الأوان كل عام (بحال الاعتماد الكامل على الفحم: 25 وفاة، النفط: 18 وفاة، الغاز: 3 وفيات). أما الطاقة النووية فلن تقتل من سكانها أكثر من شخص واحد كل 14 عاماً. وطاقة الرياح: وفاة كل 29 عاماً. والكهرومائية: وفاة كل 42 عاماً. والشمسية: وفاة كل 53 عاماً.

كيف أنقذت الطاقة النووية الأوراح؟

على عكس الاعتقاد السائد، أنقذت الطاقة النووية الأرواح باستبدالها الوقود الأحفوري كما تظهر المقارنة أعلاه. ونضيف إليها المعلومة التالية وفقاً لمنظمة الطاقة الدولية: بين عامي 1970 و2013 أسهمت الطاقة النووية لوحدها بنسبة 41% من كمية تقليص انبعاثات العالم الكربونية بسبب التحول للطاقة البديلة، في حين لم تساهم الطاقة الشمسية والريحية سوى بـ 6% فقط من هذا التقليص للانبعاثات!
هذا أمر يثير الدهشة لدى كثير من الناس، ونعتقد أن دهشتهم تعود غالباً لعدة أسباب رئيسة (ملاحظات المحرّر):
أولاً، استخدام الطاقة النووية كسلاح إجرامي على يد الجيش الأمريكي بإبادة جماعية لما بين 50% إلى 88% من سكان هيروشيما (6 آب) وناكازاكي (9 آب) 1945 (البالغ مجموع سكانهما 255 ألف نسمة) وذلك قبل نحو 6 سنوات و6 أشهر من استخدامها السلمي الأول لتوليد أول 100 كيلوواط من الكهرباء في ولاية إيداهو الأمريكية بتاريخ 20 كانون الأول 1951! ثانياً، ما زالت عالقة في الذاكرة الجماعية أيضاً حادثتان نوويتان رغم الاستخدام السلمي للطاقة النووية: حادثة مفاعل تشيرنوبيل السوفييتي (26 نيسان 1986)، وثلاثة مفاعلات بمنشأة فوكوشيما-داييتشي اليابانية (11 آذار 2011). ثالثاً، الترويج المبالغ به كثيراً حول مدى «نظافة» الألواح الشمسية والعنفات الريحية كطاقات متجددة، كما سنناقشه لاحقاً هنا.

كم عدد وفيات تشيرنوبل؟

تقول دراسة ريتشي وزملائها إنّ هناك عدّة تقديرات للوفيات، وتقول إنهم اعتمدوا في تقييمهم لمدى سلامة الطاقة النووية على أعلى تقدير، وهو ذاك الصادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2006 والقائل بأنّ 4000 شخص ماتوا أو سيموتون من كارثة تشيرنوبيل، منهم 31 ماتوا مباشرةً، وأنها تتوقع موت بقية الآلاف الأربعة لاحقاً بسبب السرطان من الإشعاع.
وما زال رقم الصحة العالمية هذا هو الأكثر استشهاداً به رغم أن العديد من الباحثين يعتبرونه مرتفعاً للغاية، بما في ذلك تقرير لاحق صادر عن هيئة أممية أخرى، هي «اللجنة العلمية للأمم المتحدة حول آثار الإشعاع الذري» UNSCEAR والتي قالت بأن تقدير الصحة العالمية مبالغ به لأنه يطبّق منهجية متشدّدة للغاية تسمى «نموذج اللّاعتبة الخطي».
أما الرقم المتداول عن ضحايا فوكوشيما فمصدره الحكومة اليابانية نفسها، التي ذكرت مقتل 574 شخصاً (منهم أحد العمال عام 2018 بسرطان الرئة) في حين لم يتم الإبلاغ عن وفاة أحد مباشرةً في كارثة فوكوشيما، بل أبلغ عن أنّ الوفيات نتيجة لإجراءات الإخلاء.
وأضافت دراسة ريتشي إلى حصيلة الوفيات الناجمة عن الكارثتين معدل الوفيات الذي قدّره ماركانديا وويلكينسون (2007) للوفيات المهنية، ومعظمها من الطحن والتعدين، فكانت الخلاصة: معدل 0,07 وفاة لكل تيراواط ساعة مولّدة بالطاقة النووية، وهذا كتقدير أقصى.
المهم هو أنه حتى مع هذا التقدير الأعلى أو المبالغ به، لا تزال الطاقة النووية أسلم بكثير من الوقود الأحفوري من حيث التسبب بالموت: إنها أسلم أكثر بـ 350 مرة من الفحم. ومع ذلك، وكما لاحظت دراسة ريتشي: «أدار السياسيون ظهورهم للطاقة النووية في كثير من البلدان».

المردود والاستقرار

رغم أهمية دراسة ريتشي التي ذكرناها أعلاه، غير أنها لم توفِّ الطاقة النووية حقّها في مؤشر مهم جداً تتفوّق فيه كثيراً عن الألواح الشمسية والعنفات الريحية التي تعتبر بالعكس من أسوأ الطاقات من حيث هذا المؤشر: ألا وهو «مُعامِل السعة» Capacity factor (مُعامِل مردود الطاقة الأعظمي) ويعرّف بأنه نسبة المدة الزمنية التي يستطيع خلالها المولّد العمل بمردود أعظمي من أصل إجمالي مدة خدمته، ويعني ارتفاعه استقراراً أكبر بالإنتاج وحاجة أقل للصيانة وإعادة التزود بالوقود؛ ووفق معلومات مكتب الطاقة النووية الأمريكي يبلغ هذا المُعامِل نسبة 92% للطاقة النووية (أعلى من كل الطاقات) مقارنة بـ 57% للغاز الطبيعي، و48% للفحم، أما أشيع مصدرين لـ«الطاقات المتجددة» فلا يصل هذا المؤشر فيها سوى إلى 35% للعنفات الريحية، و25% للألواح الشمسية، ولذلك لا يعوّل عليهما لوحدهما ويعتبران من المصادر كثيرة التقطع لأغراض الصيانة أو للتأثر بالعوامل الجوية، هذا عدا التلوث بالضجيج للعنفات الريحية، وإشغال المزارع الريحية والألواح الشمسية لمساحات واسعة من الأراضي (ما يسمى بصمة الأرض Land footprint) تصبح مشكلة أكبر عندما تكون على حساب الأراضي الزراعية، والتجاهل السائد لتلويثها للبيئة كما سنتناوله أدناه، وهي إحدى نقاط الضعف برأينا في دراسة ريتشي.

هل الألواح الشمسية صديقة للبيئة؟

في تقرير مهم منشور على موقع «الطاقة» في 6 كانون الأول 2020 كتب معدّه، كريم الدسوقي: «بينما ترسم المفاهيم السائدة صورة وردية عن طاقة لطيفة ونظيفة ومستدامة وأقلّ كلفة... تؤكّد عديد من الدراسات والبحوث وبيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة (IREA) أن دورة حياة الألواح الشمسية عبارة عن (عملية قذرة من البداية إلى النهاية)». ويلفت التقرير انتباهنا إلى أنّ الدفاع الرائج عن الألواح الشمسية كثيراً ما يغيّب بشكل متعمّد التلوث والمشكلات البيئة المرتبطة بمرحلتي تصنيعها وما بعد نهاية عمرها الافتراضي (25 عاماً وسطيّاً). حيث يعتمد تصنيع الخلايا الشمسية على استخلاص الكوارتز عالي النقاء (المؤلف من ثاني أكسيد السليكون SiO2) وتسخينه مما يُنتج غازاً شديد السمّية هو رابع كلوريد السيليكون. كما وتشمل مكوّنات الألواح الشمسية معادن النحاس والألومنيوم، وطبقة خارجية من الزجاج الواقي، إضافة إلى البوليمرات. ويلفت إلى أنه حتى إعادة تدوير الألواح لتقليل أضرارها هو الاستثناء وليس القاعدة عالمياً، حيث إنّ إعادة استخلاص النحاس والسيليكون منها يكلّف ما بين 12 و25 دولاراً لكلّ لوح، عدا تكلفة النقل، بينما لا يكلّف إلقاؤها في مكبّات النفايات سوى دولار واحد فقط لكلّ لوح، وهو مصير 90% من الألواح في الولايات المتحدة مثلاً، والتي لم تضع تشريعات تلزم الشركات بإعادة تدويرها، كما لا تصنَّف نفايات الخلايا الشمسية في كندا مثلاً كـ«نفايات خطرة». ويستشهد التقرير بدراسة لجامعة ستانفورد ومعهد كارنيغي رصدت زيادة درجات الحرارة حول مزارع الألواح الشمسية في ولاية كاليفورنيا، بمعدل 3 إلى 4 درجات مئوية مقارنةً بالأراضي البرّية القريبة منها، طارحة السؤال التالي: ما حجم الاحتباس الحراري المنتظر إذن في حال شغل 20 مليون فدّان (مساحة كارولينا الجنوبية) أو 160 مليون فدّان (مساحة ولاية تكساس) لتحقيق أهداف الحدّ من الانبعاثات؟ فهي محاولة حلّ مشكلة بمشكلة أكبر منها، بحسب الدراسة، خاصّةً أنّ بيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة عام 2016، وتوازياً مع غياب تدابير إعادة التدوير في أغلب الدول المصنّعة، قالت إنّ قطاع الطاقة الشمسية كان مسؤولاً عن ربع مليون طن من نفايات الألواح في جميع أنحاء العالم، وتوقّعت انفجار هذا الإجمالي إلى 78 مليون طن بحلول 2050. ويتابع تقرير موقع «الطاقة» أنه رغم التزام شركات الاتحاد الأوروبي واليابان أمام دولها بإعادة تدوير الألواح، إلّا أنها تظلّ استثناءً في ظلّ الوضع بالولايات المتحدة وكندا، فضلاً عن الدول النامية، وهذه الأخيرة تكون غالباً مكباً لنفايات ألواح العالم.
يشير التقرير نفسه أيضاً إلى صعود تيّار داخل جبهة حماية البيئة ذاتها، مستشهداً بما عبّر عنه مدير «نادي سييرا» للحفاظ على الأرض والبيئة بولاية مسيسبي الأمريكية «لوي ميلر»، قائلاً: «أشعّة الشمس وقود مجّاني ونظيف... حسناً، لكن تسخير هذه الأشعّة لخدمة البشرية ليس مجّانياً أو نظيفاً أو متجدّداً أو مستداماً» في إشارة منتقدة للتكنولوجيا الشمسية الرائجة حالياً.

ما مدى نظافة الطاقة النووية؟

يرصد مقال نشر في أيلول 2020 على الموقع الرسمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية اتجاهاً عالمياً متزايداً لتطوير المفاعلات النووية بما يقلص نفاياتها، ويشير بشكل خاص إلى أهمية المفاعلات النيوترونية السريعة التي يستمر تطويرها منذ منتصف القرن الماضي، وتسعى الدول، مثل روسيا والصين والولايات المتحدة والهند وفرنسا، إلى زيادة عدد وكفاءة مفاعلاتها من هذا النوع، وميزتها البيئية هي أنها «تشتغل بما يعرف بدورة الوقود النووي المغلقة. ودورة الوقود المغلقة هي عندما يُعاد تدوير الوقود المستهلك (الوقود النووي بعدَ تشعيعه) وإعادة استخدامه. ويمكن أن يكون نظام الطاقة هذا مستداماً لآلاف السنين. ويختلف هذا عن دورة الوقود المفتوحة، حيث يُستخدم الوقود النووي مرةً واحدة ويُعلَن عن الوقود المستهلك بصفته نفايات يُراد التخلص النهائي منها في باطن الأرض في المستودعات الجيولوجية». وهي بذلك أنظف من المفاعلات الحرارية، كما أنها «لا يبطئها وسيط، مثل الماء، للحفاظ على التفاعل الانشطاري المتسلسل. وبينما يُستخدم جزء يسير فقط من اليورانيوم الطبيعي كوقود في المفاعلات الحرارية الحالية، يمكن للمفاعلات السريعة استخدام كل اليورانيوم الموجود في الوقود تقريباً لاستخراج ما يصل إلى 70 ضعفاً من الطاقة، ما يقلل الحاجة إلى موارد جديدة من اليورانيوم».

هل يجدّد اليورانيوم البحري الطاقة النووية؟

في 24 آذار 2016 كتب جيمس كونكا مقالاً لمجلة فوربس حول الطاقة النووية، وهو عالِم في علوم الأرض والبيئة، ومختص بالتخلص من النفايات النووية، ومستشار بالتخطيط الإستراتيجي لوزارة الطاقة الأمريكية. وكان مقاله بعنوان «هل الطاقة النووية مصدر متجدد أم مستدام للطاقة؟». وخلاصته أن الطاقة النووية مصدر مستدام ولكن يمكن أن تصبح أيضاً متجددة تماماً إذا تغيّر مصدر اليورانيوم المستخدم بحيث يستخرج من مياه البحر بدلاً من فلزّات المناجم. ويقول بأنه إذا أصبح ذلك ذا جدوى اقتصادية- وفق العقلية الرأسمالية للجدوى- فإن الطاقة النووية ستصبح لا نهاية لها مثل الطاقة الشمسية، ويذكّرنا كونكا بأنّ مصادر الطاقة تعتبر «غير متجددة» إذا استغرق إنشاؤها وقتاً طويلاً، كالوقود الأحفوري، أو إذا نشأت منذ عصور طويلة وغير محتمل أن تتكرر مرة أخرى، مثل اليورانيوم. ونوّه إلى أن كميات مصدر ما القابلة للاستخراج اقتصادياً هو أمر يتغير مع الزمن وتطور التكنولوجيا والاستكشاف، مستشهداً بما حدث للتقديرات الخاصة بالغاز الطبيعي مثلاً؛ حيث ارتفعت توقعات كميته «القابلة اقتصادياً للاستخراج»، من 60 ألف طن متري عام 1980 إلى 170 ألف طن متري عام 2013 لافتاً إلى أن مورداً غير متجدد يمكنه أن يصبح مستداماً إذا تم استخدامه بمعدل بطيء لدرجة استمرار إمداداته لآلاف السنين دون تأثيرات بيئية كبيرة، قائلاً بأن هذا الأمر هو الأكثر وضوحاً فيما يتعلق بالطاقة النووية. وحتى استخدام اليورانيوم الحالي المستخرج بالتعدين، يوفر وقوداً كافياً من اليورانيوم لإنتاج 10 تريليونات كيلوواط/ساعة/سنوياً لآلاف السنين، مما يجعله مستداماً. لكنه يمكن أن يصبح متجدداً ومستداماً معاً باستخراجه من مياه البحر، حيث تركيز اليورانيوم فيها 3,3 ميكروغرام/لتر، وهذا يعني إجمالي 4.5 مليار طن من اليورانيوم في مليار كيلومتر مكعب من مياه البحار والمحيطات، والتي يتجدد اليورانيوم فيها باستمرار بعمليات جيولوجية طبيعية، وأبحاث تكنولوجيات استخراجه من البحر متواصلة منذ ما بعد 1960، ووفقاً للدكتور بيير بيترسون في جامعة كاليفورنيا أدت هذه التحسينات إلى خفض تكاليف استخراج اليورانيوم البحري إلى ما بين 100 دولار و300 دولار للرطل من الكعكة الصفراء (U3O8). وبرأيه إذا تمكنوا من تخفيضها إلى ما دون 100 دولار للرطل فسيصبح أكثر جدوى تجارياً من استخراج خام اليورانيوم من مناجمه على اليابسة.

طاقة «البلازما» وآفاق المستقبل

يجدر بالذكر أيضاً أن هناك تكنولوجيا لإنتاج الطاقة ما زالت الأبحاث جارية لتطويرها ولا تحظى سوى بالقليل من التغطية الإعلامية، وتستفيد مما يسمّى «البلازما»، ويقول أحد أبرز علمائها إريك ليرنر Eric J. Lerner (ماركسيّ أمريكي مواليد 1947 ومؤلف كتاب «الانفجار العظيم لم يحدث أبداً») بأنها الأنظف والأرخص والأكثر أماناً حتى الآن، وهو يطوّر أحد طرق توليدها عبر «الاندماج اللانوتروني» باستخدام مزيج من عنصري الهيدروجين والبورون كوقود لجهاز «بؤرة البلازما الكثيفة»، ووفقاً لهذا العالِم «يستطيع كيلوغرام واحد من هذا الوقود تشغيل مولّدة 5 ميغاواط، تكفي خمسة آلاف منزل، لمدّة سنة كاملة».
أخيراً لا بدّ من الإشارة إلى أنّ حسابات التكاليف الواردة في مصادر هذا المقال، هي حسابات رأسمالية، ولا شك بأنّ الوضع سيكون أفضل وأسرع تطوراً بكثير في نظام جديد يتحرّر من ضيق أفق الأرباح وقِصر نظر الملكية الخاصة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1046
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون1/ديسمبر 2021 11:59