دراسة سوريّة تؤكّد التقصير الرسمي بسياسة الدّعم الزراعي للتبغ

دراسة سوريّة تؤكّد التقصير الرسمي بسياسة الدّعم الزراعي للتبغ

نشرت جامعة تشرين في اللاذقية في أيلول 2020 بحثاً علمياً استهدف دراسة وتقييم سياسات الدعم الحكومي لمحصول التبغ في محافظة اللاذقية، ومعرفة مدى استفادة المزارعين منه، وأثره على الإنتاج والمساحة المزروعة، معتمدةً فرضية مفادها: أنّ «سياسة الدّعم تعاني قصوراً في مدى مساهمتها بنمو محصول التبغ». وجمعت البيانات الأولية من عينة عشوائية حجمها 370 مزارعاً في المحافظة، إضافة لمصادر ثانوية من مراجع وتقارير، وكتب، ومواقع الإنترنت. وبينت النتائج ضعف الدعم المقدم لمحصول التبغ، وارتفاع تكاليف إنتاجه، وصغر وتبعثر المساحات المزروعة، ما أدى لعدم التوسع بزراعته، كما توصل البحث إلى أنّ التأخر بتقديم الدّعم العيني (أسمدة، بذار، أكياس) وعدم تسليمه بالوقت المناسب، إضافة إلى تحديد أسعار شراء غير مناسبة لغالبية مزارعي التبغ، أدى لانخفاض الدعم السعري، وتقليل استفادة المزارعين منه، بما يتناقض مع الهدف الأساسي لسياسة الدَعم المتمثل في رفع معدل نمو المحاصيل وتحقيق التنمية الزراعية. والدراسة التي نقدم فيما يلي تلخيصاً لأبرز ما جاء فيها، هي من إعداد ثلاثة باحثين من قسم الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة بجامعة تشرين، وهم: الأستاذ د. غسان يعقوب، والأستاذ المساعد د. محمود عميو، وطالب دراسات الدكتوراه، إسماعيل عمران.

إعداد وتلخيص: قاسيون

تلاحظ الدراسة في مقدّمتها، بأنّ سياسة الدّعم الزراعي من الآليات المهمة لتنمية القطاع الزراعي، عبر الأخذ بيد صغار المنتجين وتشجيع الاستثمارات. وتقوم الدولة بتقديمه من الموازنة الجارية لتغطية الخسائر التي تنجم عن فروق أسعار السلع والخدمات للوحدات الإنتاجيّة.
كما تذكّرنا مقدّمة الدراسة بسؤال مهمّ من الواضح أنه يتعلّق مباشرةً بالسياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة (ولو أنّها لم تطلق عليها هذه التسمية بشكل صريح). حيث تقول: «لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا تطالب الاتفاقيات الدولية البلدان الناميّة بتخفيض الدّعم، وهي لا تزال بأمسّ الحاجة إليه لتطوير قطاع الزراعة؟» ثم تتابع ملاحظةً المفارقة وازدواجية المعايير الغربية بهذا الصدد: «ذلك أنَ البلدان المتقدمة قد طوّرت هذا القطاع خلال سنوات عديدة بفضل الدّعم الذي كانت تقدّمه لمزارعيها» حيث إنّه «نتيجة للدّعم الزراعي يرتفع متوسط دخل المزارع في معظم الدول الصناعية عن المتوسط العام للدخل في كافة القطاعات، ويصل إلى نحو 250% في هولندا، و175% في الدانمرك، و160% في فرنسا، ونحو 110% في الولايات المتحدة واليابان». كما أنّه من المعروف أنّ الدّعم الزراعي الناجح يحقّق «معدلات سريعة للتنمية الزراعية أفقياً ورأسياً، وتنويع مصادر الدخل الوطني».

زراعة التبغ كميزة نسبية في اللاذقية

تؤكد الدراسة بأنّ نسبة كبيرة من المزارعين في محافظة اللاذقية تعتمد على زراعة التبغ كمصدر للدخل، حيث بلغ عددهم في المحافظة لموسم 2018–2019 نحو 10556 مزارعاً، وتحدد المؤسسة العامة للتبغ سعر المحصول. وبلغت المساحة المزروعة بالتبغ 5842 هكتاراً بنسبة 84% من إجمالي المساحة المزروعة بالتبغ في القطر (المجموعة الإحصائية الزراعية السورية، 2018). ويزرع هذا المحصول في جميع المناطق الإدارية الأربع للمحافظة، ولو بنسب متفاوتة (اللاذقية، جبلة، القرداحة، الحفة).

المشكلة المبحوثة

تحت عنوان «المشكلة البحثية» تطرح الدراسة بأنّ «التجارب العملية بيّنت وجود ثغرات في منظومة الدّعم الحالية من حيث الاستهداف وتحقيق الغاية... إذ يتسرّب جزء كبير من الدّعم، وتزداد تكاليفه بشكل لا يتناسب مع ما يتم تحقيقه فعلياً... هنالك حاجة إلى إجراء تقييم اقتصادي واجتماعي لسياسة الدّعم المتبعة، وإلى إعادة النظر بآلية الدعم الزراعي الحالية بهدف تطويرها»، وفقاً لنصّ الدراسة. ويجدر بنا هنا التشديد على تعبير «بهدف تطويرها» لأنّ من المعروف جيداً أنّ سياسات الدّعم التي هي مسؤولية الدولة لطالما تعرّضت لـ«انتقادات» من نوع مناقض، وهو الذي يلجأ إليه أنصار الاتجاه النيوليبرالي كذريعة لشيطنة أيّ دعمٍ بالمطلق، والدفع باتجاه إلغائه والقضاء عليه وليس «تطويره».

العيّنة اجتماعياً واقتصادياً

تنقسم العينة العشوائية المدروسة والبالغة 370 إلى 330 مزارعاً ذكراً (89.2%) و40 مزارعة أنثى (10.8%). وكانت الفئة العمرية الأكثر عملاً في الزراعة هي بين 35 و54 سنة (شبابية ناضجة) ومعظمهم مسؤولون عن المنزل ويسعون للحصول على الدعم بهدف تحسين إنتاجهم. ويشكل أفراد العينة العاملين بالزراعة فقط 49%، ويشكل الذين يعملون بالزراعة إلى جانب كونهم موظفين نسبة 30%، في حين شكل أصحاب الأعمال الحرة الذي يتخذون من العمل الزراعي مهنة إضافية نسبة 21%.
أما من ناحية نوع الحيازة، فبينت النتائج أنها بالدرجة الأولى ملكية خاصة (55.4% من مزارعي العينة) بينما نسبة العاملين الزراعيين من العينة لدى أراضي أملاك الدولة فكانت أقل من 8.1%.
كما وبينت نتائج المسح الميداني ارتفاع مستوى التعليم لدى مزارعي العيّنة، فنسبة الحاصلين على شهادة التعليم الأساسي والثانوي هي الأعلى (60%) والحاصلين على إجازة جامعية (15%)، ورأت الدارسة في هذا الأمر مؤشراً إيجابياً يزيد فرصة نجاح استخدام الدّعم المقدم بصورة تؤدي لزيادة كفاءة الإنتاج.

ما العمليات الأكثر كلفة بزراعة التبغ؟

وفقاً للمسح الميداني الذي أجراه الباحثون على العيّنة عام 2019، كانت التكلفة الأكبر لدى مزارعي العينة هي للأسمدة (بنسبة 36% وسطياً من التكاليف الكلية)، وعزت الدراسة ذلك إلى «اختلاف مستوى العناية بالمحصول، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وخصوصاً الأسمدة، وذلك بسبب تحرير أسعار مستلزمات الإنتاج، وتخفيض الدّعم العيني المقدّم، وعليه تراوحت إنتاجية التبغ بين 50 كغ/للدونم كحد أدنى و200 كغ/للدونم كحد أقصى [والمردودية الوسطية 125 كغ/للدونم حسب جدول في الدراسة]، وهذا يعود أيضاً إلى اختلاف مناطق الزراعة والخدمات المقدمة للمحصول». في حين شكل الري العملية الأقل تكلفة (بنسبة 8% وسطياً). هذا وبلغت وسطيات تكلفة المكافحة 19%، وتكلفة العمالة 23%، وعدد العمال في المزرعة الواحدة 3 عمال.
وكان وسطي عدد المحاصيل المزروعة بالإضافة إلى التبغ هو 3 محاصيل. ووسطي المساحة المزروعة 5 دونمات. ووسطي تكلفة التبغ للدونم الواحد 78000 ل.س. وللكيلوغرام الواحد 500 ل.س. في حين وسطي سعر مبيع الكيلوغرام الواحد 1300 ل.س، وأقل سعر حصل عليه المزارعون هو 900 ل.س/كغ لصنف «البلدي»، بينما بلغ أعلى سعر 1700 ل.س/كغ لصنف «شك البنت»، وذلك حسب درجة الجودة وآلية التخمين المتبعة.

بعض تفاصيل الدّعم المقدّم

الجهة الوحيدة التي تقدم كافة أنواع الدّعم وفق ما لاحظت الدراسة هي «الدولة ممثلة بالمؤسسة العامة للتبغ». أما نوع الدّعم فأغلبه دعم عيني وسعري معاً (63% من العينة) في حين حصل 19% على دعم عيني فقط، و18% على دعم سعري فقط.
ولكن لاحظت الدراسة بأنّ الدّعم يقدّم «بمستويات ضئيلة لا تتناسب وطموحات المزارعين، ويتم ذلك من خلال تأمين المؤسسة العامة للتبع لمستلزمات الإنتاج من أسمدة وبذار وأكياس ومبيدات وغيرها، وتحديد سعر 1 كغ لمحصول التبغ بحيث يأخذ بالحسبان تكاليف الإنتاج مضافاً لها هامش ربح».
ما المرحلة الأكثر تفضيلاً لدى المزارعين لدعمهم؟
بينت نتائج التحليل أنّ نحو 60% من مزارعي العينة أكثر ما يفضلون تلقي الدعم في مرحلة التسويق على الأقل أو التحضير والتسويق. في حين فضّل 22% منهم الدّعم بفترة التحضير للزراعة، أي بداية الموسم الزراعي. وفضّل نحو 15% منهم الدّعم في مرحلة نمو المحصول.

ما أبرز مشكلات الدّعم لدى زارعي التبغ؟

احتلت الشكوى من أنّ «آلية توزيع الأسمدة غير مناسبة» المرتبة الأولى في الهموم المتعلقة بالدّعم لدى العينة المدروسة (نحو 34% منهم اشتكوا من ذلك)، وتأتي بالمرتبة الثانية مشكلة أنّ «الأسعار غير مناسبة» (نحو 32% من العينة) حيث أوضحت الدراسة بأنّ «آلية تحديد الأسعار (التخمين) يشوبها نوع من المحسوبيات»، وفي المرتبة الثالثة مشكلة «التأخر في تقديم البذار» (نحو 22% من العينة)، وأخيراً اشتكى نحو 12% من «سوء نوعية البذار» المقدّمة كدعم.

التوصيات

خلصت الدراسة إلى أربع توصيات جاءت كما يلي:
1– تخصيص مبالغ مجزية لدعم أسعار مستلزمات الإنتاج، والمنتجات النهائية، في الميزانية العامة للدولة من أجل تطوير زراعة التبغ، والقطاع الزراعي بشكل عام.
2– إعداد سياسة سعرية مناسبة تلبي طموحات المزارعين في تحسين مستوى معيشتهم.
3– العمل على تقديم مستلزمات الإنتاج في الوقت المناسب، وخلال كل مرحلة من مراحل الإنتاج.
4– تقديم الدعم الإرشادي للمزارعين من خلال تشجيعهم على زراعة أصناف جيدة، وإجراء عمليات المكافحة في الأوقات المناسبة.

المصدر:
«دراسة تحليلية لسياسة دعم محصول التبغ في محافظة اللاذقية»، د. غسان يعقوب، د. محمود عليو، إسماعيل عمران، منشورة بتاريخ 9/9/2020 في مجلة جامعة تشرين للعلوم البيولوجية، المجلد42، العدد5، 2020.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1038
آخر تعديل على الإثنين, 04 تشرين1/أكتوير 2021 04:23