كوبا الاشتراكية تطوِّر 4 لقاحات كوفيد سياديّة تكفي 5 أضعاف سكّانها
أعلنت وزارة الصحة العامة الكوبية يوم الخميس، 4 شباط 2021، عبر خطاب تلفزيوني: أنّ كوبا تعتزم في أواخر نيسان من العام الجاري، البدء بتطعيم شعبها بأول مليون جرعة من لقاح «السيادة 2» (Soberana 02) المضاد لكورونا المستجد، والذي تمّ تطويره، إلى جانب ثلاثة لقاحات مرشَّحة أخرى ضد المرض نفسه، على أيدي الخبرات العلمية الوطنية للقطاع العام الاشتراكي الكوبي، العاملة في «معهد فينلاي للقاحات» في هافانا ومركز هافانا للهندسة الوراثية والتقانة الحيوية (CIGB)، وبتمويل من الصندوق الكوبي للعلوم والابتكار (FONCI) التابع لوزارة العلوم والتكنولوجيا والبيئة. وصرّح إدواردو مارتينيز، رئيس شركة «بَيوكوبا فارما» الحكومية الضخمة التي تشغّل نحو 20 ألف عامل، ويتبع لها 21 مركزاً للأبحاث العلمية و32 شركة فرعية، بأنّ «اللقاحات الكوبية تسير على ما يرام... وستكون كوبا واحدة من أولى الدول التي تقوم بتطعيم سكانها بالكامل».
الجزيرة الاشتراكية المحاصرة من الولايات المتحدة الأمريكية، والبالغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، بدأت منذ آب 2020 بالأبحاث والعمل على تطوير أربعة لقاحات تجريبية لفيروس كورونا المستجد، أعطتها تسميات عميقة الدلالة: «السيادة1»، و«السيادة2»، واللقاح الثالث سمّي «مامبيسا» تكريماً للنساء الكوبيات الثوريات (مامبيساس Mambisas) اللاتي شاركن في النضال التحرري والسياسي لاستقلال كوبا عن الاستعمار الإسباني عبر عدة حروب: حرب السنوات العشر (1878– 1868) ثم نضالهن في المنافي بعد العام 1878 وحرب الاستقلال (1895– 1898). أما اللقاح الرابع فسمّي «عبد الله» Abdala تكريماً لأول قصيدة درامية للمفكر الكوبي خوسيه مارتي (1869). لتكون كوبا بذلك الدولة الوحيدة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التي تطور لقاحاً ضدّ كوفيد-19، والثلاثين على مستوى العالَم التي تمنح الإذن في بدء التجارب السريرية للقاح مضاد لهذا المرض. والطاقة الإنتاجية المتوقعة هي 100 مليون جرعة من لقاح «السيادة2» Soberana 02 لعام 2021 الجاري (وبما أنّه يعطى على جرعتين فهذا يعني بأنّ الكمية تكفي حوالي 50 مليون إنسان). واعتباراً من تشرين الثاني 2020 قامت منظمة الصحة العالمية بإدراج هذا اللقاح الكوبي على قائمة اللقاحات المرشحة في موقعها الرسمي لمشاريع مراحل التجارب السريرية ضد مرض كوفيد.
مِمّ يتكوَّن لقاح «السيادة2»؟
وفق الموقع الرسمي «السجل العام الكوبي للتجارب السريرية» نجد أنّ اللقاح الذي قطع الشوط الأكثر تطوراً «السيادة2» والذي اسمه في السجل هو SOBERANA 02A يتكوّن من بروتين «النطاق الرابط للمستقبِل» RBD (وهو المستضد البروتيني الذي يبرز على سطح الفيروس ويمكنه من الارتباط بمستقبلاته على سطح الخلية البشرية)، مقترناً كيميائياً بـ «ذوفان الكزاز» Tetanus Toxoid (أيْ: بالمادة التي تفرزها عصية جرثومة الكزاز)، إضافة إلى مادة مساعدة «adjuvant»، وذلك من أجل تحريض الجسم على تشكيل المناعة المطلوبة. وهي طريقة مجرَّبة في لقاحات أخرى، ولها سجلّ أمان طويل. ويقول السجل الرسمي بأنّ نظام الإعطاء هو بشكل حقن عضلي على جرعتين يفصل بينهما 28 يوماً.
ووفقاً لحساب تويتر الرسمي لمعهد فينلاي، فقد بدأ الطور الثاني من التجارب السريرية في 17 كانون الأول 2020 ووفقاً للسجل الرسمي سوف ينتهي هذا الطور بتاريخ 12 آذار 2021، وتصبح النتائج متاحة بتاريخ 22 نيسان، ثم يتم نشرها في 30 نيسان 2021. وهذا ما يبرر إمكانية ترخيصه للاستعمال الطارئ في أواخر نيسان، أسوةً بلقاحات عالمية أخرى حصلت على ترخيصات طارئة مشابهة في هذه المرحلة من تطورها. وقبل ذلك سوف يكون اللقاح قد بدأ فعلاً بالطور الثالث من التجارب السريرية في آذار 2021 على حوالي 42600 متطوع، وفق ما أعلن مسؤول صحي كوبي.
مِمّ يتكون لقاحا «مامبيسا» و«عبد الله»؟
لقاح Mambisa المضاد لكوفيد (أو CIGB669 وفق الترميز الرسمي) معد ليتم إعطاؤه كبخاخ عن طريق الأنف؛ ويتكونّ من «تحت وحدة» subunit بروتينية، مؤلف من البروتين المستضدي لالتهاب الكبد البائي AgnHB، بعد ربطه بالنطاق الرابط للمستقبل الخاص بفيروس كورونا المستجد، واللقاح قادر على تحفيز الاستجابة المناعية على مستوى الغشاء المخاطي، وهو أول حاجز ضد العامل الممرض. أما لقاح «عبد الله» (CIGB 66)، فسوف يتم إعطاؤه عن طريق العضل.
قلة الإصابات في كوبا «نافعةٌ ضارّة»!
من المعروف في علم تطوير اللقاحات أنه يتم اختبار اللقاحات بسهولة أكبر في الأماكن التي ينتشر فيها الفيروس بشكل كبير، لكن معدل انتقال العدوى في كوبا منخفض للغاية بسبب الجهود الناجحة للدولة الاشتراكية في احتواء الوباء. فحسب آخر الإحصاءات، حتى 7 شباط 2021، توجد حالياً في كوبا أكثر قليلاً من 5700 حالة نشطة فقط في كل كوبا. ومجموع من أصيبوا حتى الآن بالإجمال أكثر قليلاً من 32000 حالة من كوفيد-19 في كوبا، توفي منهم 233 حالة فقط! وشفي أكثر من 26000. أي: إنّ نسبة الإصابات لكل مليون من السكان بالكاد تتجاوز قليلاً 2800 إصابة/ المليون، ونسبة الوفيات هو 21 وفاة/ مليون من السكان. وأجرت كوبا حتى الآن أكثر من 1,99 مليون اختبار، أي: بمعدل أكثر من 176 ألف اختبار/ لكل مليون من سكانها.
وقد تجعل التوترات السياسية مع جيران مثل البرازيل من الصعب على الباحثين الكوبيين العثور على مواقع تجريبية في الخارج. لكن كوبا تكافح رغم الضائقة المالية والعقوبات لشراء المواد الخام لإنتاج اللقاحات على نطاق واسع. وقال خوسيه لويس دي فابيو، منسق لقاحات سابق في منظمة الصحة للبلدان الأمريكية وممثل كوبا: إنه يمكن أن يُعتمد على دول أخرى للتعامل مع التصنيع. وتم الإعلان عن تعاون مع إيران من أجل استكمال التجارب السريرية التي هي بحاجة لوجود عدد كبير من المصابين بين السكان لكي يتم الحصول على نتائج مقارنة ذات أهمية إحصائية وعلمية أوسع حول الفعالية والأمان والمناعة.
العِلم الاشتراكي المُقاوم
قالت مارتا أيالا، المديرة العامة لمركز الهندسة الوراثية والتقانة الحيوية في كوبا (CIGB): «إننا نلتزم بالممارسات الجيدة بما يتماشى مع اللوائح والمعايير الدولية». وقد تأسست صناعة التكنولوجيا الحيوية الكوبية لأول مرة في ثمانينات القرن الماضي، وصدَّرت اللقاحات إلى أكثر من 40 دولة في العالم، بما في ذلك لقاحات ضد التهاب السحايا والتهاب الكبد B ولقاحات مضادة لسرطان الرئة. ويتضمن برنامج التطعيم الوطني في كوبا 11 لقاحاً ضد 13 مرضاً، ثمانية منها يتم إنتاجها داخل كوبا.
وقال إدواردو أوجيتو، المدير العام لمركز المناعة الجزيئية في كوبا، في تصريح لوكالة شينخوا الصينية: إن العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد الجزيرة أجبرت العلماء المحليين على أن يكونوا أكثر قدرة على تطوير لقاحات فيروس كورونا. وأضاف: «قدراتنا المجتمعة في جميع منشآتنا العلمية كافية لاحتضان التطوير السريري والتصدير».
يتم الترحيب بالعلماء كأبطال في كوبا، وهي مكانة تساعد في الحد من هجرة الأدمغة، حيث يواجه الباحثون الكوبيون العقوبات الأمريكية التي تعرقل التعاون الدولي وشراء الإمدادات. وتقديراً لجهودهم نشرت وسائل الإعلام الكوبية التي تديرها الدولة ملفات تعريف مطولة للباحثين العاملين في معهد فينلاي Finlay التابع لشركة «بيو- كوبا فارما» الدوائية الوطنية التابعة للقطاع العام الاشتراكي في كوبا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1004