هل تستطيعُ غير الاشتراكية أنْ تُحَقِّقَ «الحياد الكربوني» قبل 2060؟
ترجمة وإعداد: فيديل قره باغي ترجمة وإعداد: فيديل قره باغي

هل تستطيعُ غير الاشتراكية أنْ تُحَقِّقَ «الحياد الكربوني» قبل 2060؟

أعلنت الصين هدفين في سياق مكافحة التغير المناخي: «بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل 2060»، الأمر الذي أعاد تأكيده الرئيس شي جين بينغ في كلمته أمام منتدى دافوس في 25/1/2021، بعد أن كان قد أعلنه لأول مرة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22/9/2020 والذي اعتُبِرَ آنذاك «إعلاناً مفاجئاً من الصين ولكن مُرحَّباً به» وفق ردود أفعالٍ غربية، والتي لفتت مع ذلك إلى أنه «لم تكن هناك تفاصيل حول كيفية تنفيذ ذلك على مدى الأربعين عاماً القادمة». لكنّ الأمر لم يطل حتى بدأت تظهر ملامح خطة عملاقة تؤكّد جدّية هذه الأهداف. ففي 10/12/2020 قامت «مؤسسة طاقة الصين» (وهي منظَّمة أمريكية المَقرّ مسجَّلة في كاليفورنيا، وتعمل في بكّين بإشراف اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين الشعبية) بنشر تقرير من 120 صفحة بعنوان «مسار النمو الجديد للصين: من الخطة الخمسية الرابعة عشرة إلى حياد الكربون»، مرفقة بـ «ملخّصٍ إلى صانعي السياسات». وفيما يلي نضيء على أبرز ما ورد في الملخّص.

يذكّر التقرير في بدايته، ما أكّد عليه المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، المنعقد في تشرين الأول 2017، حول أهداف «بناء مجتمع الحياة الرغيدة إلى حدّ ما من جميع النواحي بحلول عام 2021، وبناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة عظيمة مزدهرة وقوية وديمقراطية ومتقدمة ثقافياً ومتناغمة وجميلة بحلول عام 2049».

التزام الصين باتفاقية باريس للمناخ

أحد الأهداف المركزية في اتفاقية باريس «إبقاء الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، ومتابعة الجهود للحد من زيادة درجة الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعي». استناداً إلى أحدث الأبحاث، خلصت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن صافي انبعاثات CO2 العالمية يجب أن تصل إلى الصفر في منتصف القرن الحادي والعشرين تقريباً للحد من الاحترار إلى 1,5 درجة مئوية.

تحدّي نزع الكربون من كلّ القطاعات

ليس ممكناً تصفير انبعاثات CO2 دون تخفيضات كبيرة له في جميع قطاعات الاقتصاد، بما في ذلك المباني والصناعة والنقل والكهرباء والتكرير والزراعة والغابات. ويجب خفض صافي الانبعاثات إلى الصفر رغم مواصلة النمو الاقتصادي. قطاع الكهرباء يستطيع إنجاز ذلك أسرع، بسبب الخيارات البديلة العديدة وزيادة القدرة التنافسية الاقتصادية لطاقة الرياح والطاقة الشمسية. بالمقابل، ثمة عدد من القطاعات الأخرى لا توجد فيها خيارات تخفيف انبعاث منخفضة التكلفة حالياً. ومنها مثلاً: النقل الجوي، والعديد من العمليات الصناعية، وعمليات الحرارة المرتفعة. تتوقع الأبحاث عادةً أن تكون هذه آخر القطاعات التي ستتم إزالة الكربون منها، أو قد لا يُزال منها الكربون إزالة كاملة. ولكن التكنولوجيا تتطور بسرعة، وقد تكون فرص التخفيف بعد عقود من الآن مختلفة تماماً عمّا هي عليه اليوم.

حياد الكربون لرفع جودة النمو والتنمية

يمكن اعتبار هدف حياد الكربون في الصين مخططاً لمسار نمو جديد يحقق للصين أهدافاً متعددة، أهمها:
(1) الريادة الدولية والتوسع الصناعي والقدرة التنافسية؛ في التقنيات الخضراء، وتكنولوجيا شبكات الجيل الخامس 5G والذكاء الاصطناعي، التي سيكون الطلب عليها مرتفعاً عالمياً وستساعد بدعم الاقتصاد الأخضر.
(2) الوظائف والازدهار؛ الابتعاد عن الوقود الأحفوري سيخلق تحديات قريبة المدى، لكن التحول الاقتصادي المرافق يمكن أن يعزز العمالة والازدهار الاقتصادي المشترك على نطاق واسع. بين عامي 2010 و2019، جذبت الصين استثمارات بقيمة 818 مليار دولار في الطاقة المتجددة، وأصبحت أكبر سوق في العالم لكل من الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الحرارية الشمسية، وموئلاً لنحو 40% من جميع وظائف الطاقة المتجددة في العالم، والتي وصلت إلى أكثر من 4 ملايين وظيفة عام 2020. سيؤدي تقدم الصين نحو حيادية الكربون إلى توسيع فرص العمل عبر طيف الاقتصاد الأخضر، بما في ذلك إنتاج البطاريات والطاقة المتجددة والبناء والخدمات ذات الصلة، مثل: النقل المشترك، والتقنيات الأساسية، مثل: الرقمنة.
(3) الإصلاح البنيوي؛ سيسهل هدف حياد الكربون الإصلاح البنيوي الصناعي في الصين بالتحول من الصناعات الملوثة وكثيفة الكربون إلى المنخفضة الكربون، مما سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية الصناعية الإجمالية للعوامل، وتغيير أساليب الإنتاج، وإنشاء نماذج أعمال جديدة.
(4) تحسين الصحة والهواء النظيف؛ وتقليل الاعتماد على الفحم والموارد الملوثة الأخرى وتسريع الاتجاه الحالي نحو جيل جديد من السيارات والمَركبات منخفضة التلوث، مما يقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين. ورغم خطوات الصين الكبيرة لتحسين جودة الهواء، لكن المستويات الحالية غير كافية لتلبية الأهداف طويلة الأجل. إن الجمع بين هذه المعايير والتنمية الخضراء بحياد الكربون سيقرّب الصين من أعلى معايير جودة الهواء التي توصي بها منظمة الصحة العالمية تجاه الجسيمات الدقيقة (PM2.5).
(5) تعزيز أمن الطاقة؛ تجاوزت الصين الولايات المتحدة لتصبح أكبر مستورد للنفط الخام في العالم في عام 2018. وتعد الصين أيضاً أكبر مستهلك ومستورد للفحم في العالم. في عام 2019 استهلكت الصين 2870 مليون طن متري من الفحم تمثل 53% من الاستهلاك العالمي، واستوردت 21% من الفحم. والاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري المستورد يقوّض أمن الطاقة في الصين، أمّا التقدم على طريق حياد الكربون فسوف يسمح لها بإنشاء المزيد من الطاقة المحلية المتجددة وتعزيز أمن الطاقة.

التخلص التدريجي من الفحم كمصدر للطاقة

الصين أكبر مستهلك ومنتج للفحم في العالم، والفحم ساهم بنسبة 58% من إجمالي استهلاكها للطاقة الأولية عام 2019. وهو يستخدم على نطاق واسع لتوليد الكهرباء، وإنتاج الصلب والإسمنت والمواد الكيميائية والمباني. ولتحقيق هدفها الخاص بحياد الكربون، تحتاج الصين إلى تسريع التخلص التدريجي من استخدام الفحم دون «احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه» عبر الاقتصاد (أي: دون ما يعرف اختصاراً بـ CCUS). يجب القضاء على احتراق الفحم المتناثر من الأفران الصناعية الصغيرة، والغلّايات، والتدفئة السكنية، والطهي في المناطق الريفية، وذلك ضمن الجدول الزمني للخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021– 2025). يجب القضاء على توليد الطاقة من الفحم دون استخدام CCUS بحلول 2040– 2045 تقريباً. أما في الفترة 2055– 2060 فيجب بالمثل التخلص من استهلاك الفحم في القطاعات الصناعية التي يصعب إزالة الكربون منها (كالتي تستخدمه كمادة وسيطة في إنتاج الصلب).
يمثل قطاع الطاقة 54% من إجمالي استهلاك الفحم في الصين. من خلال الوقف الفوري لبناء أيّة محطات طاقة فحمية جديدة، والتقاعد السريع لجزء صغير من محطات الفحم القديمة والقذرة وغير الفعالة على المدى القريب، والاستخدام التدريجي لمحطات التشغيل، يمكن للصين التخلص التدريجي من توليد الطاقة بالفحم دون CCUS بحلول 2040– 2045 عندما تصل غالبية المصانع الحالية إلى عمر 30 عاماً. يمكن التخلص التدريجي من الاستهلاك المباشر للفحم في قطاعات الاستخدام النهائي، ولا سيما الصناعة والمباني، بعدة إستراتيجيات، منها: تحسينات الكفاءة والكهرباء وتبديل الوقود منخفض الكربون (أي: إلى الهيدروجين صفر الكربون أو الكتلة الحيوية الحديثة)، والتغييرات الهيكلية المُقلِّلَة لطلب الفحم.

دعم الشعب لتخفيف الآثار الانتقالية

تعتمد العديد من اقتصادات الأقاليم الصينية بشكل كبير على الفحم في التوظيف والنشاط الاقتصادي. فلا بد من نهج شامل يعالج التأثيرات قريبة المدى. وتشمل الأساليب الممكنة: سياسات إعادة التوطين والتقاعد للعمال الأكبر سناً، وبرامج إعادة التدريب والتعليم للعمال الأصغر سناً، والسياسات المالية لتوفير التعويضات والدعم المالي للأفراد والشركات، والحوافز الاقتصادية لإنشاء أعمال تجارية جديدة وفرص التنمية للاقتصادات المحلية. يمكن أن يوفر التخلص التدريجي من الفحم مع الإدارة الفعالة للانتقال إلى نوعية حياة أفضل لملايين من عمال الفحم والقوى العاملة في مجال الطاقة في الصين.

أهمية تثوير «الأسلوب التكنولوجي»

هذه «الثورة الإيكولوجية» التي تخطط لها الصين، والتي أضأنا على أبرز نقاطها أعلاه، تذكّرنا بالأهمّية المعاصرة لـ«تكنيك الإنتاج» الذي تحدّث عنه فريدريك إنجلس في رسالته إلى بورغيوس (25 كانون الثاني 1894): «إننا نفهم بالعلاقات الاقتصادية التي نعتبرها الأساس المحدِّد لتاريخ المجتمع، الأسلوبَ الذي يُنتِج به الناس في مجتمع معيَّن وسائلَ العيش ويتبادلون به المنتوجات (ما دام يوجد تقسيم العمل). وعليه، يدخل هنا كلُّ تكنيك الإنتاج والنقل. ووفقاً لنظراتنا، يحدِّدُ هذا التكنيك أسلوبَ التبادل أيضاً، ثم أسلوبَ توزيع المنتوجات...». ويضيف إنجلس حول انعكاس ذلك على العلم: «فإذا ظهرت عند المجتمع حاجة تكنيكية، فإنّ هذا يدفع العِلم إلى الأمام أكثر مما تدفعه عشر جامعات».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1005
آخر تعديل على الثلاثاء, 16 شباط/فبراير 2021 14:08