إضاءة على الثورة الزراعية- البيئية في كوبا
عن مجموعة باحثين (بتصرُّف) عن مجموعة باحثين (بتصرُّف)

إضاءة على الثورة الزراعية- البيئية في كوبا

تُعتَبَرُ كوبا مضرب مَثلٍ لدولة قطعت خلال العقدين الماضيين خطوات كبيرة نحو تطوير أنظمة غذائية أكثر استدامة وسيادة. وتستند هذه السمعة على «ثورة الإيكولوجيا الزراعية» في كوبا، والتي بدأت بشكل جدي في أوائل التسعينات، عندما تسبب سقوط الكتلة السوفيتية في خسارة مفاجئة في الواردات المدعومة إلى حد كبير، والضرورية للزراعة في الجزيرة الكوبية. فمع ندرة المستوردات، وتأثير الحصار الأمريكي العدواني، وأزمة الأمن الغذائي الناجمة، شرعت كوبا في مشروع على مستوى الدولة، لتحويل قطاعها الزراعي نحو نموذج بيئي زراعي كثيف المعرفة، وقليل التوجه نحو التصدير، وعماده: تَضافُر معرفة المزارعين التقليدية مع خبرة المجتمع العلمي الكوبي.

تعريب وإعداد قاسيون

لمحة تاريخية

بتيسير من سياسة الدولة الكوبية، والبحث والتطوير، وتعبئة المزارعين ومنظماتهم، تضمنت الركائز الأساسية للتحول الحديث بالزراعة الكوبية ما يلي: إصلاح زراعي لفسح الطريق للناس الراغبين بالانخراط في الزراعة؛ تنويع الإنتاج (على سبيل المثال، الابتعاد عن زراعة المحصول الواحد– قصب السكر، تنفيذ مشاريع الزراعة الحضرية على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد، تدخلات في السوق لزيادة فرص المنتجين لبيع سلعهم، وحملات تعبئة البحث والمعرفة التي تركز على تطوير ومشاركة الابتكارات الزراعية البيئية).

ومع الموارد المحدودة للغاية لتخصيب المحاصيل وريها، لاحظ الباحثون في المعهد الوطني للعلوم الزراعية (المعروف اختصاراً بـ INCA بالإسبانية) أنَّ مجموعة من أصناف الذرة المتوارثة المزروعة في مزرعتهم التجريبية كانت مزدهرة، فدعوا المزارعين المحليين لاختيار أصنافهم المفضلة وزراعتها في أراضيهم، وهي العملية التي أصبحت تُعرف باسم «معرَض التنوع» Feria de Diversidad. وما زالت هذه المعارض الركيزة الأساسية لنهج «مشروع الابتكار الزراعي المحلي» في جميع أنحاء كوبا. كما ويعمل العلماء الكوبيون كأعضاء بارزين وفي المنظمات الكوبية، مثل: «الرابطة الوطنية لصغار المزارعين» ANAP وفي شبكات الزراعة الإيكولوجية على مستوى أمريكا اللاتينية والعالَم.

ما هي «الإيكولوجيا الزراعية»؟

من الأفضل تصور الإيكولوجيا الزراعية كثلاثة عناصر متميزة ومترابطة: تخصُّص علمي، ومجموعة من الممارسات، وحركة اجتماعية وسياسية.
كتخصصٍ علمي، يسعى البحث البيئي الزراعي إلى تطوير المعرفة وتنظيمها، في محاولة لفهم أفضل للعلاقات الاجتماعية والإيكولوجية. وهو يشكلُ مجالاً متنامياً بسرعة، كثيراً ما تمّ انتقادُ اتجاهه السائد لإفراطِه في التأكيد على نماذج العلوم الغربية لإنتاج المعرفة، دون إدراج كافٍ للمعارف المحلية، أو التقليدية، أو المتعلقة بالسكان الأصليين.

كمجموعة من الممارسات، كثيراً ما تعتمد الإيكولوجيا الزراعية بشكل مباشر على المعرفة التجريبية المحلية، التي طورها المزارعون وحافظوا عليها وتشاركوها عبر الأزمان والأمكنة.
وكحركة اجتماعية وسياسية، تعتبر الإيكولوجيا الزراعية مسعىً تغييرياً على نطاق واسع، وثيق الارتباط بحركة السيادة الغذائية، وتتضمن أجندة سياسيٍّة نشيطة لتحدي الديناميّات التسلُّطية، بما في ذلك الظلم الواقع على النساء، والدفع باتجاه تغيير هيكلي لنظام الغذاء.

«مشروع الابتكار الزراعي المَحلّي»

المشروع الذي لا تتم مناقشته على نطاق واسع في المنشورات باللغة الإنجليزية، ولكنه قائم بالمثل على التعلم الاجتماعي، وعمليات التنمية التشاركية، والذي يشكل أيضاً جزءاً لا يتجزأ من التنمية البيئية الزراعية الكوبية، هو «مشروع الابتكار الزراعي المَحلّي» Proyecto de Innovación Agropecuaria Local (بالإسبانية، أو اختصاراً PIAL)

ومنذ بدايته في عام 2001، استند المشروع على المعهد الوطني الكوبي للعلوم الزراعية INCA، بالتعاون مع عدد من المؤسسات الكوبية الأخرى، بما فيها الجامعات والرابطة الوطنية لصغار المزارعين في كوبا ANAP. واعتمد نهج مشروع PIAL بشكل كبير على تجارب أخرى من أمريكا اللاتينية، ولا سيما نيكاراغوا والسلفادور وبوليفيا وهندوراس، والتي حققت بعض النجاح في أوائل التسعينات.

مشروع وطني بقيادة المنتِجات والمُنتِجِين

يقوم أساس الهيكل التنظيمي لمشروع الابتكار الزراعي المَحلّي PIAL على مجموعات الابتكار الزراعي المحلية (واختصاراً GIALs) التي تقودها النساء بشكلٍ أساس ومتزايد، لكن يمكن أن يقودها الرجال والشباب أيضاً. ولذلك، تمثِّلُ الابتكارات في المجموعات، بشكل متزايد، معرفةَ المرأة وأولوياتها، ولا سيّما أنّ مؤسسات الدولة الوطنية المشرفة على المشروع تقوم بشكل واعٍ ومُخطَّط بدعم النساء وإعطائهن الأولوية؛ فقد وجدت دراسة على مقاطعة مايابيك الكوبية بأن 65% من المِنَح المتعلقة بالمشروع أُعطِيَت للنساء.

فوائد المشروع للمزارعات وعائلاتِهنّ

تظهر النتائج أنه في عام 2014، ساهمت أنشطة مشروع PIAL بشكل مباشر في توفير فرص عمل لـ 739 امرأة في سبع مقاطعات كوبية. بحلول عام 2015، نما هذا العدد إلى 2393 في تسع مقاطعات، وهو ما يمثل 30% من إجمالي فرص العمل المنسوبة إلى PIAL. مما أدى إلى تأمين دخل شهري للمرأة بمتوسط​​ 500 بيزو كوبي (علماً بأنّ متوسط ​​الراتب الشهري للعاملين في القطاع الحكومي الكوبي عام 2015 كان بين 500 و600 بيزو). وهكذا، فإنَّ المرأة من خلال أنشطة PIAL كانت تؤمّن لأسرتها راتباً إضافياً بدوام كامل. وأظهرت نتائج الأبحاث: أن النساء والرجال المشاركين في PIAL ضاعفوا رواتبهم الشهرية، لتصل إلى 1200 بيزو وسطياً.

وكمثال: تجربة مزرعة عائلية لأسرة «إيل مولاتو» الواقعة في «سان خوسيه دي لاس لاخاس»، في مقاطعة مايابيك الكوبية، ويديرها أربعة من أفراد الأسرة. قبل أن تبدأ بالانخراط في مشروع PIAL الوطني، كانت مزرعة الأسرة محدودة التنوع (الفاصولياء والذرة واليقطين والكسافا وبعض الخضروات، وبعض الأسماك والماشية والدواجن)، وكثيرة الاعتماد على الكيماويات. بحلول عام 2015، تم بفضل المشروع توسيع المحاصيل لتشمل: 8 أنواع جديدة من الفول، 3 أنواع جديدة من الحمص، أنواع متعددة من الزهور، فراولة، أصناف البطاطس المحلية، الكرنب. ومن الحيوانات الخنازير والماعز. بالإضافة إلى ذلك، تبنت الأسرة مجموعة من تقنيات الزراعة الإيكولوجية: استخدام الديدان الخيطية الممرِضة للحشرات، ومحاصيل الغطاء الأخضر، وما بين المحاصيل. أنشأت نساء الأسرة بنكاً لحفظ البذور، واستخدام الكائنات الحية الدقيقة الفعالة، والسماد الدودي الطبيعي، إدخال الأسوار الحية، الأعلاف الحيوانية المنتجة محلياً، والأسمدة الحيوية والمنتجات الحيوية الأخرى التي طورتها مراكز الأبحاث الموجودة بالقرب من المزرعة.


*ملاحظات على الدراسة المَصدر

تم إعداد هذه المادة عبر اصطفاء الجزء المفيد من معلومات دراسة حديثة منشورة بالإنكليزية بتاريخ 19 تشرين الثاني 2020 في مجلة «تخوم في أنظمة الغذاء المستدامة» Frontiers in Sustainable Food Systems. ورغم أنّ معظم مؤلّفي الدراسة كوبيون من جامعات ومؤسسات وطنية كوبية، وتم تيسير إجرائها من مؤسسات الدولة الكوبية، لكن تمويلها جاء بالكامل من «الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون» COSUDE مما ترك تأثيراته الخاصة في الورقة؛ ومنها مثلاً:

(1) غياب أيّة إشارة إلى الحصار الأمريكي الجائر على كوبا، رغم أنه لا يقل أهميةً سببيةً عن انهيار الاتحاد السوفييتي، في خلق الضغوط التي دفعت الحكومة الكوبية (لأنها وطنية واشتراكية) إلى البحث عن حلول إبداعية، قلبت الحصار إلى فرصة تنمية واكتفاء.

(2) بعض الدراسات كانت أكثر موضوعية وجذرية من حيث تركيزها على أنّ الإيكولوجية الزراعية في كوبا ليست فقط «حركة اجتماعية» بل و«حركة سياسية» بمعنى سعيها إلى تغيير النموذج الغذائي المستند على هيمنة الشركات الرأسمالية، وبزنس الزراعة الأجنبية، ورغم أنّ الدراسة الحالية ذكرت أن للحركة «أجندة سياسية» لكنها قصرتها على معنى السياسة الداخلية المضادة لظلم النساء، ومرَّرت ذلك تحت تعبير «تحدي الديناميات السلطوية» power dynamics ذي اللوثة «الأناركية»، والذي تصرّفنا به فغيّرناه إلى ما نعتقده أصحّ: «تحدي الديناميات التسلّطية» authoritarian dynamics

(3) الدراسة تعاني من التكرار والحشو، وخاصةً بكليشيهات المنظمات غير الحكومية «الصالحة لكل زمان ومكان» ولا سيّما تكرار مصطلح «الجندرية» أو «النوع الاجتماعي» عدداً مبالغاً به من المرات: 87 مرة عبر الدراسة المكونة من 17 صفحة.

لتحميل العدد 993 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
993
آخر تعديل على الثلاثاء, 24 تشرين2/نوفمبر 2020 14:57