دَور الطب الصيني التقليدي في معالجة مرضى كوفيد-19
من القضايا التي تعود للظهور وإلى الضوء في ظروف الوباء العالَمي الحالي، هي وجود علاجات وممارسات تداوي صينية تقليدية استخدمها الأطباء الصينيون بالفعل في بروتوكولات علاج المصابين بفيروس كورونا المستجد، وغالباً بشكل مشاركات مع الأدوية الكيميائية الصناعية، بعد زمنٍ باتت فيه هذه الأخيرة فقط هي العلاجات «التقليدية» والوحيدة لدرجة «الإدمان» عليها، سواء جسدياً أم نفسياً، من أغلبية أجيال البشر في ظل الحضارة الغربية.
قد يتفاجأ خرّيجو الطب الغربي، وكثيرون من غير الأطباء أيضاً، عندما يعرفون أنّ هناك أكاديميات طبية تدرّس الطب الصيني التقليدي، المعروف اختصاراً بـ TCM، وبعضها الآخر يتخصص بتدريس مناهج طبية توليفية بين أساليب العلاج «التقليدي» و«الغربي» معاً. وفيما يتعلّق بداء الفيروس التاجي المستجد، من المثير للاهتمام أنّ هيئة علمية وأكاديمية طبية رسمية هي «المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها» Chinese CDC التابعة للجنة الصحة الوطنية في الصين (التي هي بمثابة وزارة الصحة لديهم)، قد خصّصت صفحة كاملة لهذا الطب التقليدي، بعد صفحتين من العلاجات الكيمائية الصناعية، ضمن دليل «التشخيص والعلاج» لداء كوفيد-19، الصادر عنها في 17 شباط 2020. وممّا ورد فيه (ص8):
«وفقًا للمشاهدات الحديثة عن العلاج السريري والفعالية للطب الصيني التقليدي، فإنّ المكتب العام للجنة الصحية الوطنية ومكتب إدارة الطب الصيني التقليدي التابع للدولة، أوصى في 6 شباط 2020، باستعمال (مَغليّ تنظيف الرئة وإزالة السموم) في كل أقاليم البلاد».
الوصفة الموصى بها كما وردت: «9 غرامات من نبات العَلَنْدة Ephedra، 6 غ من جيغانكاو [جذر عرق السوس المعالَج]، 9 غ اللّوز، 15 – 30 غ من الجِبْس (مقليّ أولاً)، 9 غرام من غويجي Guizhi، 9 غرام Zixie، 9 غرام Zhuling، 9 غ بايتشو Baizhu، 15 غ Zhiling، 16 غ دبيق Bupleurum، 6 غ من درقة بايكال (سكوتلاريا الصينية Scutellaria baicalensis)، 9 غرام باينيليا Pinellia، 9 غ زنجبيل، 9 غ من نبات النجم aster، 9 غ من زهرة الشتاء، 9 غ مجفَّف السوق shoot dry، 6 غ من نبات الأَسَارُون asarum، 12 غ من نبات اليام yam، 6 غ من فاكهة الكزبرة، 6 غ من قشر اليوسفي، 9 غ من زهرة الحوض (الأنقوليا aquilegia)».
الاستخدام المقترح كما ورد: «بشكل مَغليّ في الماء. مقدار جرعة واحدة في اليوم، على مرتين في الصباح والمساء (بعد الطعام بأربعين دقيقة)، تؤخذ بالماء الدافئ، وثلاث جرعات للكورس العلاجي». ويُفهم من ذلك غالباً أن الشوط العلاجي الواحد هو لمدة ثلاثة أيام، لأن الدليل يتابع قائلاً «إذا شعرتَ بتحسّن الأعراض لكن لم يحدث الشفاء التام بعد، فأكمل شوطاً علاجياً ثانياً» و«يجب إنهاء تناول هذا الدواء عندما تختفي الأعراض».
أما عن «نطاق تطبيق» هذا العلاج فيذكر الدليل بأنه «مناسب للمرضى ذوي الإصابة الخفيفة، والعادية، والشديدة»، وبالنسبة للمرضى بحالة حرجة يمكن ترشيد استعماله بما يتناسب مع وضع المريض.
جيش من المعالِجين «التقليديين» إلى هوباي
وفق دراسة صينية على موقع PubMed ظهرت في الأول من آذار (ولاقت قبولاً أولياً لنشرها في مجلة «البحث الدوائي» Pharmacological Research التي يرأس تحريرها البروفسور إيميليو كليمنتي من جامعة ميلان الإيطالية) أشار المؤلفون، وهم ثلاثة باحثين صينيّين، إلى أنّه خلال الجائحة في مقاطعة هوباي تم إرسال طاقم كبير من العاملين والخبراء بالطب الصيني التقليدي بلغ قوامه حوالي 3100 شخص. وساهموا بعمليات الإنقاذ العلاجي، باستخدام خلطات المغليّ العشبي، والوخز بالإبر، وغيرها من الأساليب التقليدية. كما تم إنشاء أجنحة مشفوية متخصصة بالطب الصيني التقليدي. وبلغ إجمالي عدد الحالات المؤكدة الإصابة بالفيروس التاجي المستجدّ الذين تم علاجهم بهذه الأساليب 60107 مريضاً.
ولوحظ لدى 102 من الحالات الخفيفة المدروسة التي تلقت علاجاً بالطب الصيني التقليدي، بأنّه تمّ تقصير المدة المعتادة لاختفاء الأعراض السريرية لديهم بمقدار يومَين، وتقصير مدة التعافي من الحمّى بمقدار 1.7 يوماً، وتقصير المدة الوسطية للمكوث في المشفى بمقدار 2.2 يوماً. كما وزادت نسبة تحسّن العلامات على صورة الطبقي المحوري بمقدار 22%، وزيادة نسبة الشفاء السريري بمقدار 33%. لوحظ أيضاً نقص نسبة الحالات العادية إلى الشديدة بمقدار 27.4% وزيادة 70% بخلايا الدم البيضاء اللمفاوية (حيث تنقص عادةً في هذا المرض الفيروسي). إضافة لذلك، بتطبيق العلاج الصيني التقليدي لمرضى الحالات الشديدة، تمّ تقصير المدة الوسطية للبقاء في المشفى والمدة اللازمة لانقلاب اختبار الحمض النووي الفيروسي من إيجابي إلى سلبي، بمقدار أكثر من يومين.
ما هي آليات التأثير؟
تذكر الدراسة أسماء عدة خلطات عشبية تم استخدامها، ولا سيّما مغليّ «كينغفاي بايدو» QPD. أما بالنسبة لآليات تأثير هذه الأدوية، التي يبدو أنّ بعضها على الأقل قُدِّمَ بشكل آليات مفترَضة، فذكرت الدراسة: استهداف الخلايا التي تحمل المستقبِل الفيروسي ACE-2 وأنّ العلاج يستطيع تثبيط تناسخ الفيروس عبر التأثير على عدد من البروتينات الريبوزومية [المسؤولة عن صنع البروتينات داخل الخلايا]. وبما أنّ كوفيد-19 يمكن أن يستثير استجابة مناعية قوية وعاصفة التهابية، فقد أظهر التحليل الوظيفي بأنّ مغليّ «كينغفاي بايدو» استطاع تثبيط وتخفيف الاستجابة المناعية المفرطة، وإزالة الالتهاب، عبر تنظيم سبل متعلقة بالمناعة ومتعلقة بتأثير السيتوكينات [مواد كيميائية محفِّزة تفرزها الخلايا وتلعب دوراً مناعياً والتهابياً]. إضافة لذلك، تقول الدراسة، بأنها استخدمت التنبّؤ بطريقة «الالتحام الجزيئي» molecular docking [وهي دراسة نمذجة بيو-معلوماتية لتخمين البنية الفراغية ثلاثية الأبعاد لمركب كيمائي حيوي ناتج عن ارتباط جزيئتين أو أكثر، بناءً على خصائها المعروفة مسبقاً] والتي أظهرت بأنّ كحول الباتشولي، والإرغسترول والشيونون، الداخلة في تركيب الصيغة كان لها تأثير أفضل مضادّ للفيروس التاجي المستجدّ COVID-19 مما يوفّر بُنَى جزيئية قد تفيد في تطوير أدوية جديدة.
نتائج معالجة حالة شديدة
اتخذت الدراسة المشار إليها أعلاه، من إحدى الإصابات الشديدة التي شفيت بعد العلاج التقليدي، نموذجاً على صحة فرضيتها بفائدة الطب الصيني التقليدي في معالجة داء COVID-19. كان المريض المدروس في رحلة عمل في ووهان لعدة أيام قبل ظهور المرض. خلال فترة قبوله في المشفى، تكررت الحمى والسعال، ولم تكن أصوات الخراخر الرئوية واضحة لديه. تم استخدام الطب الغربي أولاً، بما في ذلك تناول كبسولة فوسفات الأوسيلتاميفير عن طريق الفم، التسريب الوريدي لغانسيكلوفير، استنشاق حلالات هوائية من إنترفيرون a1b البَشري المؤشَّب، وما إلى ذلك. على الرغم من أن اختبار الحمض النووي الفيروسي كان سلبياً، أظهرت نتائج التصوير المقطعي المحوسب CT للصدر أن اندماج ظلَّين رئويَّين من نمط «الزجاج المطحون» أخذ يزداد حجماً مع زيادة في الكثافة أكثر مما كان عليه الوضع عند القبول.
وبما أنّ حالة المريض مقترنة بـ «متلازمة الحرارة الرطبة» damp-heat syndrome (وكتاب الدراسة يقصدون هنا مفهوم في الطب الصيني التقليدي يتعلق باختلال التوازن الداخلي للجسم من ناحية الحرارة والسوائل والذي يُبحَث عن علاقة له عادةً أيضاً مع اختلال التوازن مع البيئة الخارجية) – وبما أنّ الحرارة أكثر خطورة من الرطوبة، تمت إضافة مغلي «كينغفاي بايدو» QPD للعلاج. في ليلة إعطاء هذا الدواء، انخفضت درجة حرارة جسم المريض إلى 36.2 درجة مئوية، ثم مالت إلى الطبيعية. بعد 6 أيام من العلاج، تحسنت صورة الرئتين على الطبقي المحوري، وكان الظل الرغامي القصبي طبيعيًا، مع ارتشاف الالتهاب بشكل واضح. لم يعدْ المريض يعاني من الحمى أو الوهن، وكان يسعل من حين لآخر، وخفتت الخراخر الرئوية عما كانت عليه من قَبل. بعد تخريجه، استمر في أخذ 7 جرعات من الوصفة الصينية التقليدية، مع سعال أحياناً.
تختتم الدراسة بالتذكير بالرؤية العامة للطب الصيني التقليدي المرتبطة بالمفهوم الشامل عن التوازن بين «اليِن» و«اليانغ» والتركيز على تقوية مقاومة الجسم، وتذكّر بأن ضمن ممارسات هذا الطب يعطى أيضاً اهتمام للعوامل النفسية والرياضة والحمية، وغيرها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 960