تأثير الاحتباس الحراري... مهزلة العِلم السائد
تطرقت العديد من المقالات والأبحاث حول الاحتباس الحراري وخطره على حياة البشرية ككل، منها ما يربط الاحتباس الحراري بنمط عيش بدأ بالظهور مع البدء في الإتكال على الوقود الإحفوري، ومنها ما يربط الاحتباس الحراري بمشكلة النظام السائد واستغلاله للبيئة ككل.
ولكن لا يبدو واضحاً عند العديد من الباحثين ما يعنى بالاحتباس الحراري، إذا أخذنا النقاش- بين علماء وسياسيين- الذي يتم التداول به في الولايات المتحدة الأمريكية لرفض واقعة الاحتباس الحراري، وإذا أخذنا كيف يربط الاحتباس الحراري بذاتية الأشياء، مثلاً: عدد المعامل وليس بموضوعيتها كاستغلال النظام للبيئة. أو إذا أخذنا كيفية معالجة الاحتباس الحراري المطروحة بتخفيض نسب الغازات من دون إيجاد بديل جذري لهذا التخفيض. ولكن أي من تلك الأبحاث لم يتطرق إلى تداعيات الاحتباس الحراري على المرأة.
المرأة المتأثر الأكبر
في مؤتمر حول المرأة والاحتباس الحراري، عقد في لندن في الشهر الحالي، تم التطرق إلى تداعيات الاحتباس الحراري على النساء حصراً. بحسب المؤتمر، المرأة غير ممثلة في النقاشات التي يتم التداول بها حول الاحتباس الحراري، مع إنها المتأثر الأكبر من هذه المشكلة. ففي مقال على موقع «العلوم كحقيقة» حول المؤتمر المذكور، تطرقت مارغاريت اوتوود- روائية حائزة على عدة جوائر- إلى أن الاحتباس الحراري يضر النساء بشكل خاص، ويحملهن أعباءً حياتية إضافية. تكمل الكاتبة: أن النساء هن المصدر الأساسي للغذاء في العائلة في أغلب العالم، كما أنهن من يقمن بالإعتناء بالعائلة، فالإرتفاع في درجة الحرارة التي يسببها الاحتباس الحراري سيؤثر على محاصيلهن وإنتاجهن، ولهذا سيؤثر الاحتباس الحراري على المرأة بشكل أساسي. يستمر التهريج في النص لتصل الكاتبة إلى ربط:
أن المرأة تعاني بشكل أسوأ في الحروب، التي بحسب كلامها ستكون نتيجة للاحتباس الحراري، لهذا أيضاً علينا إيجاد حلٍ لمشكلة الاحتباس الحراري كون المرأة في أسوأ أوضاعها في الحروب. أما الحل بالنسبة للكاتبة فهو ببساطة: أن على النساء النقاش في الاحتباس الحراري، وعلى الرجال ألّا يستأثروا في هذه النقاشات بوجودهم وآرائهم فقط.
التفتيت والفصل
لا يختلف هذا الحديث عن التدمير الحاصل في مفهوم الإنسان والمرأة في النظام السائد. لا يختلف كثيراً عن المطالبة بمحاسبة الرجل وليس النظام عن وضع المرأة السيئ أو غير العادل. ففي ربط تداعيات الاحتباس الحراري في المرأة فقط، يأتي إما إنكار أن المجتمع ككل متأثر وسيتأثر بهذه التداعيات، أو إنكار أن البيئة والنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ستتأثر جميعها. فالموضوع لا يستدعي السخرية فقط، بل يستدعي أيضاً إعادة تعريف الإنسان والاحتباس الحراري لهؤلاء.
هذه الأبواق هي نفسها من يتهم الماركسية بعدم تقدير المرأة وعدم التطرق إلى معاناتها وضرورة تقدمها في المجتمع. ويستعمل العديد ممّن يعّرفون أنفسهم بباحثين في مجال تمكين المرأة، هذه الحجج لكي يبرهنوا أن التطرق إلى وضع المرأة بالعام وإلى ضرورة «تحررها» (من وجهة نظرهم) بالخاص أصبح ممكناً في النظام الحالي، الذي فتح مجالاً من الحرية والتقدير للمرأة. لهؤلاء العديد من الأبواق المؤيدة والأيادي المصفقة، التي تفصل المرأة عن كل شيء في المجتمع، كما القول مثلاً: أن المرأة هي المعيل الأساسي للعائلة، ومن يؤمن الغذاء للعائلة، ومن سيتحمل العبء الأكبر. والتي تضع المرأة في خانة الحالات الخاصة وتطلب من المجتمع أن يعاملها على أساس ذلك. هذا التأطير لوضع المرأة في العالم، الذي يأخذ منحىً متطرفاً في الطرح والمعالجة، يفتت المجتمع إلى مجموعات غير متجانسة في طبيعتها وتركيبتها. وهذا ينسحب أيضاً على فصل حاجات ومطالب المجتمع بين المجموعات، ليصبح تطورها وتقدم معيشتها متناقضاً من حيث الطرح والحل، ويضع المجتمع في تركيبته بتناقض بين مكوناته.
هذا الحديث عن تمكين المرأة في المجتمع وحريتها، يتوسع في الإنتشار مع تقدم أزمة الرأسمالية، الذي ينطلق من فكر النظام السائد، مفصلاً المجتمع إلى مجموعات صغيرة ومناقضاً لمطالبها، تحررها، وتقدمها. وأن هذا التوسع يعود إلى الوراء أحياناً في تخلّف طروحاته حول المجتمع والعلوم لا يلفت نظر العديد، بل يعتبر أمراً مفروغاً منه، وأصبح موجوداً اليوم، مع الوصول إلى القدرة على إيقاف «الذكورية المستشرية في المجتمع».
يقول ماركس وإنجلز في العائلة المقدسة: «إن التغيير في مرحلة من مراحل التاريخ يمكن أن يحدده تقدم المرأة نحو الحرية، لأن في علاقة المرأة بالرجل، علاقة الضعيف بالقوي نجد أن انتصار الطبيعة الإنسانية على الظلم أكثر وضوحاً. إن درجة تحرر المرأة، هي: المقياس الطبيعي للتحرر العام». يتكلم ماركس وإنجلز في العائلة المقدسة عن النظام السائد أي: الرأسمالي، الذي يتعامل مع المرأة باستضعاف قدرتها وتغليفها في غلاف المستضعف. والذي يتعامل مع الإنسان ككل باستغلال حاجاته المعنوية والنفسية، بإغراقه إما في عدم الثبات الاقتصادي والسياسي، أو بخضات اجتماعية، تُغّيب بشكل كبير وجوده وترفع عنده نسبة الإغتراب.
ففي التطرق إلى موضوع المرأة، لا بد أن ننتبه إلى أن عزل المرأة عن حركة المجتمع والحركة الاقتصادية والسياسية، والذهاب بتصنيف وضعها وتحررها بعيداً عن وضع وتحرر المجتمع ككل، يؤدي إلى رفع نسبة اغتراب المرأة عن واقعها وعن علاقتها بالمجتمع. كما أنه يعزل القضايا الاجتماعية عن واقعها وارتباطها بالواقع السياسي والاقتصادي الموجود.